لا يمكن أن نفرق بين شخصية الأديبة الشاعرة وشخصية الطبيبة الاختصاصية لفاتحة مورشيد.. كلتاهما تكمل الأخرى، على اعتبار أن الإبداع الأدبي والفكري لا ينفصل عن الإبداع العلمي. استطاعت فاتحة مورشيد أن تعتنق الاثنين في ظل وسط عائلي أعطاها فرصتها وحقها في التعلم والتثقيف، كما أعطاها الحق في البحث والمعرفة وفي تكوين شخصيتها بنفسها، دون حيف أو نقص أو تفضيل جنس عن آخر. تخصصها في طب الأطفال لم يشغلها عن الكتابة والتعبير عن إحساسها، وإسعاد من يجدن أنفسهن، في هذه الكتابات، وكأنها قريبة من كل واحدة منهن. في هذا الحوار، تتحدث المبدعة والطبيبة عن علاقة المرأة بالرجل، كعلاقة تكامل ضرورية لتحقيق التقدم والرقي للمجتمع، وكعنصر أساسي للنهوض بالقيم الإنسانية، ورد الاعتبار لكرامة الإنسان بجنسيه معا. كيف لامرأة مثل فاتحة مرشيد، في عصر مازالت تجهز فيه العقلية الذكورية على كل امتيازاتها وبعض من حقوقها، أن تجمع بين العلم والأدب (الطب والكتابة)؟ - أعتبر نفسي محظوظة، كوني ترعرعت في بيت رجل لم يحسسني، يوما، بأنني أقل قيمة من إخوتي الذكور، لقد كان والدي، رحمه الله، أول من منحني الثقة والاعتزاز بنفسي، وهو يلقنني بأن الإنسان، رجلا كان أم امرأة، هو صانع نفسه. أما عن الجمع بين العلم والأدب، فلا يوجد تناقض بين المجالين، والدليل على ذلك، النماذج الجميلة التي سجلها، ويسجلها، التاريخ. في كثير من الأحيان، تخضعين علاقة المرأة بالرجل إلى المصالحة في إبداعك، هل هذه أمنية، أم واقع يفرض نفسه في ظل المتغيرات التي عرفتها وضعية المرأة في المغرب، أخيرا؟ - لم أعتبر يوما الرجل خصما للمرأة، بل على العكس من ذلك، أومن بأنه المكمل لها، والضروري لسعادتها، والعكس صحيح، بحيث لا يمكن لمجتمع أن يحقق التقدم والرقي إلا بالنهوض بالقيم الإنسانية، ورد الاعتبار لكرامة الإنسان بجنسيه معا. القضايا المطروحة في رواياتي هي قضايا ومعانات إنسانية قبل كل شيء. أحاول معالجتها في بعدها الإنساني المحض وهو يشمل الجنسين، بتسليط الضوء على هشاشة الكائن وقوته، على قدرته الرهيبة على البناء، التي لا توازيها إلا قدرته على التدمير. متى يؤثر الجانب العلمي في شخصية مرشيد الإبداعية؟ - الفكر العلمي يبلور قدراتنا على تحليل وتشخيص القضايا بعمق، انطلاقا من الخاص إلى العام، ما قد يمنح الكتابة بعدها الكوني، كما أنه يحررنا من البلاغة الزائدة، ويفرض علينا الدقة في اقتناء الكلمات. إن كنت قد تعلمت من الجانب العلمي، في تكويني، الدقة والانضباط والعمل، طبق برنامج وأهداف وضبط الوقت، فإنني تعلمت منه كذلك، أنه لا حدود للخيال. نكاد ننسى جانب الإبداع والخيال عند العلماء، فلولا خيال العلماء لما صنعت الطائرة، ولما وطأت قدم الإنسان سطح القمر. أعتقد أن حبس الإنسان لنفسه في عقلانية مفرطة يعرضه إلى الجفاف، واقتصاره على الخيال يعرضه إلى الجنون. نحن طبعا نحتاج إلى توازن بين ما هو علمي وواقعي وعقلاني، من جهة، وبين ما هو خيالي وحسي وحدسي، من جهة أخرى. وإن كان الجانب العلمي أضاف للمبدعة أشياء إيجابية، فالإبداع كذلك أضاف للطبيبة الكثير. كيف تتعاملين مع القيود، كأن يمنع نشر أو عرض بعض أعمالك، حين تكتبين بجرأة زائدة عن الجنس والجسد والمرأة؟ هل الأمر يصيبك بالإحباط أم يزيدك إصرارا على خرق كل ما هو ممنوع أو طابو؟ - الأسوأ من الرقابة الخضوع إليها. وأسوء رقابة هي التي نمارسها على أنفسنا. ويبقى الاستمرار في الكتابة هو أحسن رد على الرقابة التي فقدت الكثير من سلطتها أمام سلطة العولمة والإمكانيات التي يتيحها الإنترنيت من تحليق فوق الحدود، جغرافية كانت أم وهمية. ما هو الدور الذي تلعبه الأسرة والطفل في حياتك.. يعني هل هو اهتمام يفرضه الجانب المهني للدكتورة، أم اهتمام بالجانب الإنساني، الذي يولد لديك طاقة الإبداع إلى جانب البحث والمعرفة العلمية؟ - عملي وسط عالم الطفولة يجعلني قريبة من طفولتي الخاصة، بمعنى الدهشة الأولى، الضرورية لكل مبدع. إلا أن اختياري لهذا التخصص لم يكن بخلفية من هذا النوع، على الأقل عن وعي، لأن علم النفس يؤكد أن اختياراتنا ليست عفوية، ومع ذلك يمكن القول إنه اهتمام مزدوج.