نظم ورش القراءة والإبداع بكلية آداب أكادير، أواسط مارس الماضي، لقاء للقراءة والإبداع أطره الناقد المغربي حسن المودن والأستاذة الجامعية بديعة الطاهري، رئيسة الورش والمشرفة على أشغاله. وتوزع اللقاء إلى ورشين: ورش للقراءة في الصباح، وكان مكرسا لقراءة روايتين نسائيتين: «عندما يبكي الرجال» لوفاء مليح و«لحظات لا غير» لفاتحة مرشيد، وورش للكتابة في المساء، وكان مكرسا للاشتغال على تقنيات الكتابة القصصية. افتتح اللقاء، الذي حضره عدد من جامعيي مدينة أكادير وكتّابها وطلبة كلياتها، بكلمة منسق مسلك الدراسات العربية الدكتور الناجي بن عمر وأشار إلى أهمية أوراش القراءة والكتابة في تمهير كفايات الطلبة وقدراتهم على النقد والإبداع، مركزا على الدينامية التي خلقها الورش الذي تشرف عليه بديعة الطاهري، والدور الذي تضطلع به شعبة اللغة العربية بالكلية على مستوى الإشعاع الثقافي والاستعداد اللامشروط من أجل إنجاح كل مشروع يسعى إلى تكوين كتّاب المستقبل ونقّاده. ووضع الناقد حسن المودن الروايتين المدروستين في سياقهما التاريخي والأدبي، وصنّف الباحث الأدب الروائي بالمغرب إلى أربع مراحل: 1) مرحلة التأسيس والنزعة الوطنية، 2) مرحلة الانتشار والنزعة الواقعية، 3) مرحلة الانغلاق والنزعة التجريبية، 4) مرحلة جديدة تتميز بالانفتاح والتوازن، وبالتخفيف من حدّة التجريب وعودة الحكاية، وبظهور كتابات روائية نسائية لافتة للنظر كمّا ونوعا، وإلى هذه المرحلة الأخيرة تنتمي روايتا وفاء مليح وفاتحة مرشيد. في نظر الباحث، عرفت الكتابة الروائية النسائية بالمغرب نقلة نوعية في العقد الأخير من القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، فبعد أن كنّا لا نعرف إلا كاتبتنا المتميزة خناثة بنونة في العقود السابقة، ظهرت أسماء نسائية جديدة عديدة وواعدة في كتابة الرواية: ليلى أبو زيد، زهور كرام، زهرة المنصوري، زهرة رميج، وفاء مليح، فاتحة مرشيد. . . موضحا أن الرواية النسائية الجديدة بالمغرب أعادت الاعتبار للحكاية دون أن تضحي بالقدرة على التجريب، وخاصة على مستوى اللغة السردية التي يتخللها نفس شعري خاص، وعلى مستوى البناء الفني للرواية والوضع الاعتباري للسارد، مشيرا إلى أن الرواية النسائية مغربيا وعربيا وعالميا هي التي تصنع الحدث اليوم، لأنها أكثر جرأة على تناول موضوعات كانت إلى حين تعتبر من المحرمات: الجنس، الجسد، العجز الجنسي، زنا المحارم، الاغتصاب، الخيانة الزوجية، الختان. . . وذكّر بالضجة التي أثارتها رواية : بنات الرياض للكاتبة السعودية رجاء الصانع، والضجة التي أثارتها رواية الكاتبة الفرنسية كاترين مييي Catherine Millet سنة 2001 بروايتها: الحياة الجنسية لكاترين م. La vie sexuelle de Catherine M. ومع ذلك، يقول الناقد حسن المودن لا يكفي أن تتناول رواية موضوعات مسكوت عنها لكي تكون عملا روائيا ذا قيمة فنية. والرواية النسائية بالمغرب تتميز بهذا التوازن بين المحتوى والشكل، بين الموضوعة وطريقة معالجتها فنّيا. وبعد وضع الروايتين في سياقهما، انتقل الباحث إلى رصد موجز ومكثف لأهم موضوعات الروايتين وخصائصهما الفنية: الحب، الجنس، العجز الجنسي، اللغة الشعرية، وضع السارد الاعتباري. وركزت بديعة الطاهري في مداخلتها على تحديد بعض المفاهيم: الأدب النسائي، النقد النسائي. . . ثم انتقلت إلى الروايتين لافتة النظر إلى التقاطعات الموجودة بينهما، كأن فاتحة مورشيد جاءت لتكتب عن المرأة والرجل بطريقة مغايرة للتي نلاحظها في رواية وفاء مليح: ربطت التقاطع أولا بالحكاية والأحداث حيث في النصين معا يتعلق الأمر بقصة حب هي بين أستاذ جامعي وطالبته في رواية عندما يبكي الرجال، وبين أستاذ جامعي وطبيبة نفسية في لحظات لا غير. ورأت أن كليهما ركز على حادثة الانتحار فضلا عن أن النصين معا يجعلان القارئ يطلع على عوالم المرأة من منظورها هي خلافا للروايات الرجولية التي لا تجعل المرأة تدخل عالم السرد إلا باعتبارها موضوعا للجنس. وبينت الاختلاف بين النظرتين، كما قرأت نهاية البطلين باعتبارها تندرج في إطار استرجاع الرواية المغربية للمفهوم الكلاسيكي للرواية خاصة في القرن التاسع عشر بأوروبا، بحيث تنتهي معظم الروايات بموت البطل أو جنونه، تعبيرا عن موقف البطل الرافض للعالم وقيمه، باعتبارها قيما مزيفة لا تتوافق مع طموحاته. وهي نهاية في رواية لحظات لا غير تكتسي شرعيتها أيضا من منطق الأحداث وبناء الشخصيات. وبينت الطاهري الاختلاف بين النصين على مستوى الأطروحة التي تتخلل كل نص على حدة، وهي إيمان وفاء مليح بان التحرر من التناقضات يجب أن يبتدئ من جسد الوطن المقيد بالجراح ليصل إلى جسد المفرد سواء كان رجلا أو امرأة. بينما نص لحظات لا غير يرى بأن التحرر والانطلاق يبتدئ من الجسد أولا ليصل إلى الوطن. ومن هنا كان التركيز على تناقضات المجتمع لتفسير انتكاسة الفرد في نص وفاء مليح وعلى التربية والتكوين والأسرة والمحيط كسبب لتدهور الفرد بالنسبة إلى لحظات لاغير. وانطلقت في المساء ورشة الكتابة القصصية بتأطير من بديعة الطاهري والناقد حسن المودن، وتمّ تقسيم الطلبة إلى مجموعتين: مجموعة تتدرب على تقنيات الكتابة القصصية الواقعية، ومجموعة تتدرب على تقنيات الكتابة القصصية الفانطاستيكية. وانتهت ورشة الكتابة بقراءة نصوص الطلبة التي جاءت تترجم قدرات هامة على رصد الواقع المعيش واستثمار الخيال وتوظيف المتخيل الشعبي... وهي، كما قال الأستاذ حسن المودن في كلمته الختامية، قدرات وطاقات تستحق الرعاية والعناية.