بخطى بطيئة يمضي الناس داخل المركز التجاري (موروكومول)، بمنطقة "عين الذئاب" في الدارالبيضاء، فالعدد الهائل للزوار لم يدع مجالا للترجل على نحو يخلو من التزاحم والتدافع، والمناسبة "رغبة في اكتشاف عوالمه" بعد افتتاحه بأيام قليلة ولأن نهاية الأسبوع فرصة للفسحة، ارتأى الكثيرون صرف أوقاتهم بين أروقة وممرات المركز التي عجت بالناس، وإن كان الهدف ليس بالضرورة التبضع والتسوق. بقدر ما كان المترجلون يحاولون إيجاد فجوات لإسراع الخطى، بقدر ما كان السائقون يحاولون إيجاد أماكن شاغرة لركن سياراتهم، إذ تحول محيط "موروكومول" إلى محج حاشد بالزوار بشكل كبير تعذر معه ولوج المركز دون اصطدام بعضهم بالبعض، فيما آخرون جسدوا متعتهم بالزيارة في التقاط صور تحت أنوار المركز. إقبال لم تتعد الساعة، الخامسة مساء، وعدد زوار "موروكومول" في تزايد مضطرد، الكل تثيره فكرة التعرف على مركز تجاري، تجمع فيه ما تفرق في غيره، من المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم والمرافق وغيرها، غير أن خوض الطريق إليه مشيا لم يكن سهلا، بعدما كان العثور على سيارة الأجرة أمرا عسيرا، في ظل التوافد الكثيف على هذا المركز. حراس الأرصفة وجدوا في الإقبال على "موروكومول" فرصة سانحة، لتعويض حاجتهم إلى مدخول يومي، ليتوزعوا على طول الشوارع والطرقات المؤدية إلى المركز، في محاولة منهم لتنظيم حركة السير بتوجيه السائقين إلى الأماكن الشاغرة وإن كان العثور عليها يستدعي التوقف لحظات إلى حين مغادرة آخرين للفضاء. في خضم زحام السيارات التي كانت تتقدم ببطء شديد، كان المترجلون يخترقون الفجوات بينها قصد اختزال المسافة، فيما كان الحراس يمنعون بعض الناس من العبور أمام مرآب السيارات، لتسهيل عملية مرورها، بعدما تقاطع اتجاهها مع اتجاه السيارات المتدفقة من الطرقات الأخرى، على نحو خلق ضجيجا عارما وارتباكا كبيرا في حركة السير. المشي مع جموع الناس المترجلة نحو المركز، كان يفرض الانضباط في الاتجاه، فأي انزياح سيقود إلى الاصطدام بأحدهم، لأن الكل يهدف إلى دخول المركز التجاري، وربما لن يتأتى للبعض ذلك إلا في نهاية الأسبوع، لهذا لم يكن لينسحبوا رغم الاكتظاظ الحاصل بفعل فضول الاكتشاف أو بدافع الاستمتاع بالوقت وربما برغبة في التسوق. زحام باتجاه أحد أبواب "موروكومول"، كان الناس يواصلون السير، بمجرد دخولهم المركز توزعوا في اتجاهات مختلفة. فالناس يجوبون المركز دون أن يعرفوا وجهاتهم، وحين كانت المحلات التجارية تعرض تحت إنارة المصابيح المشعة منتوجات متعددة، كان البعض يتقدم نحو المعروضات لاكتشاف أثمنتها، فيما كان البائعون المكلفون بالمحلات يبدون ابتسامات تعبر عن ترحيبهم بالزيارة. ابتدأت متعة البعض عند عثورهم على منتوجات تتوافق وقدرتهم الشرائية، فيما طاب للبعض الآخر التنقل بين الأرجاء الفسيحة للمركز، وأخذت قسط من الراحة بتناول إحدى الوجبات والمشروبات التي تعرضها المطاعم داخله، في المكان الذي يسمح برؤية شاملة لفضاء المركز، كان البعض يقف شاخصا في شساعة الفضاء، قبل أن يقرر تغيير وجهته إلى محل لم يزره بعد، وإن كانت الازدحام لا يترك متنفسا كبيرا للتنقل على نحو مريح. الفضاء يذوي بضجيج وصخب الزوار، بينما كانت المحلات التجارية تذيع موسيقى لم تكن لتعجب الجميع، لكنها كانت تعكس تطابقا مع ذوق العصر، أما هبوط السلالم الكهربائية للانتقال إلى الطوابق الأخرى، فلم يكن يسمح بتجنب موجة الناس الذين تجمعوا بشكل مثير للانتباه يرمقون تحرك الأسماك وسط الحوض المائي، بعد أن عكست الأضواء جمالية "كائنات بحرية تسبح دون توقف"، كانت هذه الأسماك تحدث فقاعات مائية، فوجد الأطفال ذلك مدعاة للإلحاح على التقاط صور، مادام الحوض المائي شاسعا بما يمكن أن يخلق في الصورة انسجاما بين ألوان مشهده وصاحب الصورة. وفي الطابق الأرضي انزوى الكثيرون على الجنبات لتفادي حركية الزوار، الذين كانوا يصطفون مثنى وثلاثى ورباعى للتجوال في كل الاتجاهات، تفاديا لإغفال زيارة أحد أركانه. حاجة في أنفسهم كانت طوابير طويلة من الناس تهم بالمغادرة، وطوابير أخرى تعاكس الاتجاه تحاول ولوج المركز، إذ أن الساعة كانت الثامنة مساء، وهنا متسع من الوقت لتوافد زوار آخرين، بعد أن أثارهم صيت "موروكومول" من خلال روايات من سبقوهم في الزيارة. أما أضواء الإنارة العمومية المحيطة بالمركز، فخولت النظر في الصفوف الكثيرة للسيارات المركونة والمتدفقة بمحاذاة المركز، فيما استعصى على آخرين من فرط الازدحام العثور على وسائل المواصلات، ليعقدوا العزم على الترجل لمسافات طويلة، كما لو أن الأمر يتعلق بمسيرة، لكنها "مسيرة اكتشاف عوالم موروكومول". ولأن هذا المركز يجاور "سيدي عبد الرحمان" المشهور بكراماته، فإن البعض فضل النزول إلى رماله وتناول بعض الوجبات المعروضة في الهواء الطلق تحت الإنارة العمومية الخافتة، إنما للزائر إمكانية ملاحظة أن الإقبال على فضاء الضريح ليلا لم يكن متاحا بالشكل الذي ساهم فيه افتتاح "المركز التجاري". يفضل الكثير من مرتادي الضريح، تكريس أنفسهم لاعتقادات يرونها تنهل من عادات اجتماعية متوارثة، فيجدون في ذلك "هدنة" نفسية لا تتحقق إلا بالتسليم ل"بركات" الضريح الذي أثبت لهم في عدة مرات أن "قوته الخفية" من شأنها تخليصهم من المشاكل وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم. لكن مع إنشاء هذا المركز التجاري، استطاع البعض الآخر أن يجد له مجالا للاستمتاع بأجواء ترقى إلى ذوقه واختياراته، فحسب رأي حسناء خلدون (23 سنة)، طالبة، يعكس مظهرها الأنيق شغفها بصيحات الموضة، ، ف"المركز يوفر منتوجات ذات طراز رفيع يتناسب وموضة العصر، مقابل وجود مقاهي ومطاعم مناسبة الثمن، ما سيغنيها عن ارتياد محلات المعاريف، مادامت أثمنة المركز في متناول قدرتها الشرائية"، في حين تذكر رفيقتها التي تحمل بين يدها كيسا لإحدى الماركات العالمية، أن "والديها يخصصان لها مصروفا شهريا، قصد اقتناء ما تحتاجه من ملابس، والمركز ملاذ جديد للتبضع منه تحت وقع الجمالية التي يتميز بها من خلال الديكورات والتصاميم وكذا تعدد المحلات التجارية بشكل يخول إمكانية الاختيار والانتقاء". أما حميد سفري (41 سنة)، موظف بنكي، يحكي أن وجود هذا المركز ملائم لأصحاب القدرة الشرائية الكبيرة، لكنه مناسب أيضا للأسر ذات الدخل المحدود، على الأقل في تناول بعض الوجبات فيه والتمتع بمناظره بين الفينة والأخرى وإن كانت متباعدة"، الرأي نفسه، يذكر سعيد الحسبي (46 سنة)، أستاذ جامعي، قائلا إن "أهمية المركز تكمن في مجاله الواسع الذي يسمح بركن السيارات، عكس حي المعاريف الذي تضيق فيه المساحات لهذا الأمر، إلى جانب أن المركز يطل على البحر، وهو عامل يخلق الرغبة لدى الزائر في ارتياده لتجديد حيوته، تحت تأثير جو ساحلي"، ليظل "موروكومول" وجهة يحج إليها الكثيرون بعدما ضاقوا اختناقا من غياب فضاءات ومرافق تبعث على الاستمتاع والترفيه، وإن لم يكن الغرض بالأساس اقتناء ما يعرضه من منتوجات.