أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمس، صلاة الجمعة بمسجد القدس بمدينة الحسيمة. (ماب) وبين الخطيب في مستهل خطبة الجمعة، أن الدين الإسلامي الحنيف أولى عناية كبرى بالأخلاق عامة، وأن من عنايته بها رسمه لما ينبغي أن تكون عليه شخصية الإنسان من حيث القوة والضعف، ومن حيث الاستواء والانحراف، بحيث يعلمنا الدين أن التواضع لله، وخفض الجناح للمؤمنين من خلق الأنبياء والمرسلين وشيم المؤمنين وأولياء الله الصالحين وعباده المتقين، وأن الكبر والتكبر من أعمال الجاهلين الجاحدين. وأضاف أن من خلع على نفسه خلق التواضع وتعالى وتكبر إنما هو في الحقيقة معتد على مقام الألوهية، لأن الكبرياء والعظمة لله وحده، ولا يجوز للعبد أن يتصف بهما أو بأحدهما، مؤكدا أن التواضع هو من شيم الصالحين، ومن أخص خصال المؤمنين، ومن كريم سجايا العارفين، بحيث أنه لا أكرم ولا أجل ولا أرفع من النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فهو قمة في التواضع والخلق الجميل، كما وصفه الله تبارك وتعالى "وإنك لعلى خلق عظيم". وأوضح الخطيب أن الله تبارك وتعالى بعث نبيه عليه الصلاة والسلام ليتم مكارم الأخلاق، وأنه كان عليه السلام يتواضع مع الضعفاء والأرامل والمساكين والصبيان، يزور ضعفاء المسلمين ويعود مرضاهم، ويحضر جنائزهم، ولم تشغله عن ذلك النبوة والرسالة. وقال الخطيب إن من تواضع الرسول الكريم أنه كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته مع أهله، ولم يكن يصنع ذلك من فراغ في وقته، ولكنه كان يحقق العبودية لله سبحانه وتعالى، مشددا على أن المسؤولين عن شؤون الدولة وأمور الأمة هم أول من يشترط فيهم التواضع، لأن خلق التواضع يقربهم من الناس ويحببهم إليهم، لأن أول انطباع عند الناس عن حاكم أو مكلف بشأن من شؤونهم هو أن يحسوا بشخصيته من حيث التواضع أو التكبر. وذكر الخطيب بأن التواضع هو باب من أبواب الجنة، التي جعلها الله تعالى لمن تواضع له سبحانه، وتواضع لخلقه فلم يتعال ولم يتكبر، مستشهدا في هذا الصدد بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، ومشيرا إلى أنه كم من مشكلة تيسر حلها بتواضع المتفاوض فيها مع الناس، وكم خلق التكبر من مصائب في التواصل مع الناس، وجلبهم إلى سبيل السلم والوفاق. وأضاف الخطيب أنه إذا كان التواضع من أخلاق الرسل والأنبياء، فإن التكبر هو من أخلاق العصاة والأشقياء، وأن أعظم باعث على التواضع أن يعرف العبد عظمة الله تعالى، وإن أضر شيء على المسلم الغفلة وقسوة القلب وإعجابه بنفسه وجهله بعظمة خالقه، لذلك فإن الفلاح والفوز يكمنان في الاقتداء بالنبي الكريم، واتباع هديه ولزوم شرعه. وأكد الخطيب أنه إذا كان التواضع للحق سبحانه ومع خلقه، من أجمل ما يلبسه العبد، فإن الكبر والتكبر هو من أقبح الخصال، وأحط الصفات التي يوصف بها الإنسان، لأنها خصلة ذميمة، حذر الله ورسوله منها غاية التحذير، وكان الكبر أول ذنب عصي الله به، فقد أمر تعالى إبليس بالسجود لآدم فأبى وما منعه إلا الكبر، حيث رأى نفسه أرفع من آدم. وأشار الخطيب إلى أن التجمل في الهيئة واللباس أمر محبوب عند الله وليس من الكبر، وإنما الكبر صفة باطنة في القلب تظهر آثارها في تصرفات الإنسان فتحمله على عدم قبول الحق وعلى احتقار الناس، لذلك على الإنسان، أن يدفع عن نفسه هذه الصفة بأن يتذكر دائما أصله ونشأته، وفقره وحاجته، ويعرف ربه وعظمته ومقامه بين يديه، فيكسوه ربه برداء التواضع وينعم عليه بالرضا والرضوان ولباس التقوى. وابتهل الخطيب في الختام إلى الله عز وجل بأن ينصر أمير المؤمنين حامي حمى الملة والدين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ويسدد خطاه، ويبارك أعماله ومبادراته، ويقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وبسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. كما تضرع إلى العلي القدير بأن يتغمد بواسع رحمته فقيدي العروبة والإسلام، جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، ويسكنهما فسيح جناته.