بعد أكثر من ستة أشهر على بدء الاحتجاجات الشعبية في سوريا، يحذر خبراء من أن "عسكرة الانتفاضة"، التي تدعو إليها أصوات من هنا وهناك، تعني حتما انزلاق البلاد إلى حرب أهلية مدمرة. جندي سوري يتولى دوره في رفس أحد المتظاهرين بقدمه (أ ف ب) وتقول الباحثة، أنياس لوفالوا، المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، لوكالة فرانس برس، "بعد كل هذه الأشهر من القمع، هناك خطر بأن يلجأ المتظاهرون إلى استخدام السلاح، رغم أنهم في غالبيتهم العظمى، حتى الآن ما يزالون يتمسكون بالطابع السلمي لتحركهم". وتضيف "اللجوء إلى السلاح سيؤدي بالتأكيد إلى حرب أهلية. إذا حصلت عسكرة، ستخرج كل الأمور عن نطاق السيطرة (...) وهناك خطر بأن يستمر النزاع طويلا". وتؤكد أطراف المعارضة السورية تمسكها بسلمية التحركات الهادفة إلى إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، معتبرة أن أي احتكام إلى السلاح يخدم النظام أكثر ما قد يسيء إليه. إلا أن أصواتا متفرقة ترتفع بين الفينة والفينة في وسائل الإعلام أو على مواقع التواصل الاجتماعي داعية إلى "تسليح الثورة". ومن واشنطن، رأت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء المنصرم، أن "لجوء عسكريين وأفراد في المعارضة (...) إلى العنف ضد الجيش لحماية أنفسهم" لن يكون "أمرا مفاجئا". وأشادت بسياسة "ضبط النفس الاستثنائي"، التي تنتهجها المعارضة السورية "في مواجهة وحشية النظام". وكان موقع "سوريون.نت" الإلكتروني المعارض نشر، في الآونة الأخيرة، سلسلة مقالات تطرح "قضية عسكرة الثورة للمناقشة الجادة". وقال أحدها "لنا من التجربة الليبية الأسوة والقدوة، فقد تمكن ثوارها الأبطال في زمن مقارب لزمن ثورتنا من حسم أمرهم ودحر الطاغية". وسارت، خلال الأسابيع الأخيرة، تظاهرات في مدن سورية عدة دعت إلى التسلح والى تدخل دولي على غرار ما حصل في ليبيا. غير أن الخبراء وقياديي الانتفاضة يحذرون من خطورة الانجرار إلى "فخ العسكرة". وتقول لوفالوا إن النظام السوري "يفعل كل ما في وسعه للدفع نحو العسكرة. هذه الخطوة ستعطيه حججا إضافية للقمع في وقت سيكون هو بطبيعة الحال متفوقا عسكريا، لأن لديه أسلحة أكثر بكثير مما سيحصل عليها المتظاهرون، كما ستكون له حجة قوية في وجه المجتمع الدولي ليقول نحن نتعرض للهجوم من مسلحين ولا بد لنا من الرد". وتؤكد لوفالوا أن "غالبية المتظاهرين لا يريدون الوقوع في هذا الفخ". ويقول ممثل لجان التنسيق المحلية في سوريا، عمر ادلبي، لفرانس برس، "إن الانحراف بالثورة عن مسارها السلمي إلى نمط العسكرة أو الدعوات إلى تدخل عسكري أجنبي من الناتو (حلف شمال الأطلسي) أو من جهات إقليمية، ستفرغ هذه الثورة من مضمونها التحرري وستكون مكلفة ومضرة وطنيا وبشريا". ويضيف ادلبي، الذي هرب إلى لبنان في مطلع شهر يونيو المنصرم، أن "العسكرة ستطيل وقت بناء سوريا الجديدة وإعادة اللحمة إلى المجتمع وستدخل البلاد في تمزيق داخلي حقيقي هو شكل من أشكال الحرب الأهلية. في ليبيا، هناك عشائر تقاتل بعضها. في سوريا سنكون أمام طوائف تقاتل بعضها". ويشير رياض قهوجي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (اينجما)، إلى تقارير عن شراء السلاح من جانب المعارضين وعن "عمليات عسكرية محدودة على شكل حرب عصابات ونصب كمائن وعمليات قنص لشبيحة وعناصر جيش، بالإضافة إلى اشتباكات مسلحة في إحراج ووديان في مناطق حدودية"، لكن "النزاع لم يتحول عسكريا بعد". ولا يرى صعوبة في وصول السلاح إلى الثوار "فالعراق، كما لبنان، على حدود سوريا، مكشوفان أمنيا، كما يمكن إدخال أسلحة عبر البحر".