في إطار الأنشطة الثقافية، التي تنظمها جمعية بصمات للفنون الجميلة تلتئن مجموعة من الفنانين التشكيليين، إلى غاية 30 شتنبر الجاري، في تظاهرة صباغية تحمل عنوان "فيزيون" برواق كاتدرائية "القلب المقدس" بالدارالبيضاء. من أعمال نجاة مفيد 02 من أعمال خالد بيي 03 من أعمال رشيد بودير (خاص) يوحد هذا الحدث الفني، الذي بات تقليدا سنويا، أعمال مجموعة من الفنانين الشباب والمخضرمين باتجاهات تعبيرية مختلفة ومدارس تشكيلية متنوعة، اخترنا منها ثلاث تجارب مختلفة للفنانة نجاة مفيد، والفنانين رشيد بودير، وخالد بيي. تجمع أعمال هؤلاء الفنانين بين المادة وأثر الذاكرة في تجربة رشيد بودير التجريدية، وبلاغة الحروف، عند خالد بيي، الذي يسعى إلى تحديد رؤية جمالية وسمت هامشه الفني، موترا العلامات البصرية للخط العربي، بوصفها قيمة جمالية تستجيب لعملية الخلق والإبداع اللامحدودين، واللغة الصامتة للإيقاع بكل تنويعاته، وإبدالاته، عند نجاة مفيد، التي يحيل مقتربها البصري في عملها التشكيلي والرمزي، على الجوهر الإنساني للوجود. وفي هذا السياق، تقول الفنانة، نجاة مفيد، عن عالمها الصباغي، "مقتربي التصويري شبيه بفعل الكتابة، لأنه يفصح عن إيقاع متعدد الأصوات ينبني على الحياة الدينامية للأشكال والألوان". وتضيف في حديث إلى"المغربية" أن أعمالها تختزل لغة بصرية تنساب في تناغم موسيقي روحي، موضحة أنها تحاول أن تمنح روحا لأعمالها الإيحائية، التي تعبر عن طبيعتها الداخلية، وتحتفي بحالات كينونتها بفيض صوفي متدفق. المتأمل في أعمال نجاة مفيد، التي تتميز ب(أشكال متاهية، ووحدات بصرية تحيل على رقم 8، وقامة المرأة، أو على قراقب كناوة أو الموجات الصوتية...الخ)، يجد نفسه متصالحا مع طفولته الإنسانية، فما تقدمه هذه الفنانة، حسب الناقد عبد الرحمان بنحمزة، هو جوهر الحداثة البصرية بعلاقتها الملتبسة والإبدالية مع الواقع في ضوء تحولات الزمن ومقامات التجربة. في تجربته الصباغية التي تعتمد على دلالة الحرف يقول خالد بيي، "الحرف بالنسبة لي لعبة تخييلية، فهو ملجأ حدسي، ودعوة صارخة للحرية. إنه بداية البدايات، كما أنه فن يخلد العلامات التجريدية". ويضيف بيي في تصريح ل"المغربية" أسعى من خلال أسلوبي الصباغي والحروفي الخاص إلى إبراز أهم خصائص التشكيل المغربي الموسوم بالغنى والتعدد، ومحاولة الكشف عن القيم الجمالية للفن". في أعماله الجديدة يؤسس خالد بيي لغة بصرية جديدة تستلهم شذرات الحروف، مستضيئة بحركة تواترية داخلية. هاجس بيي الفني هو منح الخط العربي حرية أشمل وأكبر، وحركية مدثرة بالرموز، محاولا القبض على نور خاطف وضوء هارب في معناه الروحي. عن تجربته الفنية، يقول الفنان التشكيلي المتحدر من مدينة الصويرة رشيد بودير، إن "الفن يتجاوز الحدود والخلفيات المرجعية، إنه ينساب بحرية ويترك فرصة التعبير للأحاسيس العاطفية، مؤكدا في تصريح ل"المغربية" أن محتوى اللوحة أدق معنى وأكثر أهمية من الشكل. ويرى بودير أن مقتربه البصري مرادف لجوهر الطبيعة في تجلياتها التجريدية المطلقة. في أعماله الأخيرة، استطاع ابن مدينة الصويرة، بودير تحقيق ازدواجية الفعل الصباغي، فأعماله تنشد الأرض وكل المنابع الأولى للوجود، كما أن مغامرته التشكيلية انتصرت للإنسان في توحده وفي روحانيته، وروح التذكر في أعماله معادل موضوعي لأثر النسيان والتهميش. المتأمل في تجارب الفنانين نجاة مفيد، وخالد بيي، ورشيد بودير، يقف على خاصية تشكيلية متفردة، اتجاه تأثيري يقدم الفعل الصباغي في بساطته وتعقيداته، والمنجز هنا بيان وسجل بصري يشتغل على التحول لا "المسخ" بتعبير كافكا، إنها أعمال تحتفي بالإشكالية الجمالية الراهنة، ضمنها الشذرات الحروفية، والصوفية والخيالات، والظل، والعمق.