زار فريق من المهندسين، بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، مدينة مونبوليي بفرنسا، قصد معاينة الآليات والمعدات الرقمية، التي ستتسلمها الشركة الوطنية بشكل رسمي يوم 27 غشت المقبل، من إحدى الشركات الفرنسية المتخصصة، وفق دفتر تحملات تلتزم من خلاله الشركة بتكوين أطر القناة، وتثبيت التجهيزات والآليات في فضاء يتشكل من 200 متر مربع خصصته الشركة لهذا الغرض. وأجمع مهنيون بمصلحة الأرشيف بالشركة الوطنية، أن الخطوة التي أقدمت عليها الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، بخصوص رقمنة أرشيفها، ستحدث ثورة في مجال الأرشيف الرقمي بالمغرب، وستدعم مشروع المغرب الرقمي، الذي بدأ، منذ تعيين فيصل العرايشي على رأس التلفزة المغربية سنة 1999، إذ شرعت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، في نقل شطر مهم من الأرشيف من أفلام 16 ملمتر وأشرطة الفيديو بكل أصنافه، إلى ملفات رقمية من نوع MPEG IMX، بفضل انخراط المؤسسة في مشروع CAPMED، الذي خول لها الاستفادة من مجموعة من الدورات التكوينية وعدد مهم من المعدات التقنية لتحويل الأشرطة القديمة إلى ملفات رقمية وأرشفتها على أقرص صلبة. وأكدوا أن الشركة استطاعت بفضل اعتمادها على مجموعة من الدراسات العميقة المنجزة من طرف العديد من المهندسين والتقنيين المؤهلين، الوصول إلى مخطط يضمن تخفيض نسبة مخاطر التلف من 50 إلى 0 في المائة، ما جعلها رائدة في رقمنة الأرشيف، من خلال اختيار أحدث التجهيزات في عالم الرقمنة الأوتوماتيكية، من قبيل حواسيب خادمة مزودة بمعالجات إنتل السريعة والمتعدد النواة، ومكتبة مزودة بذراع آلي، يعمل على فهرسة الأرشيف وتنظيمه. ويهدف هذا المشروع، الذي رصدت له الشركة الوطنية مبالغ مهمة، حسب المهنيين، إلى الحفاظ على التراث السمعي البصري الوطني، الذي تتوفر الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة على شطر مهم منه، وإعادة استعماله ووضعه رهن إشارة الإنتاج التلفزي وشركات ومهنيي القطاع، والمساعدة في الحفاظ على الوثائق النادرة وسريعة العطب ووضعها رهن إشارة الراغبين في دراستها، واقتصاد الحيز المكاني للتخزين وخفض تكلفته، إذ أن النسخ الإلكترونية لا تشغل سوى حيز مكاني صغير، إذ يستطيع قرص تخزين صغير حفظ أمتار من الرفوف، وكذلك تمكين الباحثين من الاستفادة من هذا التراث بتوفيره على شبكة الإنترنيت، وتيسير مهمة تسويق صور الأرشيف بتحويله إلى قطاع مدر للدخل داخل الشركة في غضون السنوات القليلة المقبلة. كما يعتبر حلا لمشكل التلف، الذي تعرضت له العديد من البرامج، خصوصا أن الأرشيف يلعب دورا مهما في صيانة الذاكرة الوطنية وحفظ مقومات الهوية المغربية، وضمان تناغم واندماج الأنظمة والحلول التكنولوجية المعتمدة، من أجل تسهيل عمليات التبادل والبحث والاطلاع عن بعد وانصهار الأرصدة في خزان موحد. فبقدر ما أصبح مفروضا على المؤسسة المرور إلى النظام الرقمي إنتاجا وبثا، بقدر ما أثارت هذه التحولات التكنولوجية رهانات منافسة شبكة الإنترنيت والمواقع والمدونات وضرورة عملية التحسيس والتكوين ومواكبة الثورة الرقمية واكتساب ثقافة جديدة مبنية على اقتسام المعلومة وأهمية العناية بالذاكرة الإذاعية والتلفزيونية، من حيث ضرورة رقمنة الأرشيف التماثلي وصيانته، ليس لحفظه من التلاشي فقط، ولكن لإعطائه حياة جديدة ولإدخاله ديناميكيا في حلقة الإنتاج الإذاعي والتلفزي. أشرف على إنجاز هذا المشروع، الذي سيمكن المغرب من الرقي إلى مصاف الدول المتقدمة، أطر الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، خصوصا المديرية المركزية التقنية ومصلحة الأرشيف التلفزي، التي قامت إلى جانب أطر متخصصة بإنجاز دراسة استغرقت أزيد من 6 أشهر، عكفت على تحديد الوسائل والتطبيقات القبلية، التي دامت كذلك أزيد من 6 أشهر، جرى الاطلاع أثناءها على تجارب الدول الرائدة في مجال رقمنة الأرشيف السمعي البصري. ورغم أن الذاكرة التلفزيونية المغربية فقدت بعض أرشيفها، خصوصا السهرات الفنية وبرامج المنوعات، وبعض الأعمال الدرامية، التي كانت تبث مباشرة، إذ أنه لم تكن هناك إمكانية تقنية لتسجيلها وأرشفتها، إضافة إلى فقدان الأرشيف، الذي نقلته قوات الاستعمار إلى فرنسا، فإن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، استطاعت استعادة 20 ساعة من ذاكرة مرحلة الحماية من فرنسا، كما وصلت إلى رقمنة 100 ألف ساعة، وهو إنجاز مهم إذا ما قورن بما تحقق ببعض البدان المجاورة مثل إسبانيا، التي وصلت إلى رقمنة 200 ألف ساعة، والجزائر التي لم تستطع إلى حدود الآن من استعادة أرشيفها من فرنسا.