انتظر المهتمون بواقع التلفزيون المغربي أن تسجل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بعد الإعلان عن تكوينها في أبريل 2005 ودخولها حيز التطبيق مع بداية يناير 2006، انتقالا حقيقيا يرضي طموح المتلقي المغربي وآمال العاملين بهذه المؤسسة لإنهاء الاحتكار، بشكل فعلي، خصوصا بعدما تدخلت الحكومة المغربية، خلال العقد -البرنامج الأول 2006/ 2008، فمنحت مليارين و546 مليون درهم، للنهوض بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، إذ خصصت الدولة للشركة 1170 مليون درهم من الميزانية العامة للدولة، و556 مليون درهم عبر صندوق النهوض بالفضاء السمعي البصري، و820 مليون درهم برسم حصة الشركة من ضريبة النهوض بهذا الفضاء، وذلك في إطار تفعيل مقتضيات القانون 03 .77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري. ضخ هذه الأموال كان بهدف «مساعدة» الإذاعة والتلفزة المغربية على أداء مهامها ك«مرفق عام في الإخبار والتربية والترفيه»، وكذا «تعزيز التجهيزات التحتية»، و«الرفع من جودة المنتوج»، و«تحسين الكفاءات»، و«دعم الإنتاج السينمائي»، و«توفير منتوج وطني ذي جودة عالية وقدرة تنافسية»، لجعلها «قطباً مرجعياً عمومياً لخدمة كل المغاربة»، و«توسيع مجال تغطية التراب الوطني» و«ضمان تعميم بث خدمات الشركة المجانية»، و«تحديث وسائل الإنتاج والبث وفق أحدث المعايير التكنولوجية»، و»تنويع مضمون الخدمات» التي تقدمها الشركة في مجال الإعلام والتربية والثقافة لكي تستجيب للمتطلبات التي يفرضها تنوع الرصيد اللغوي والجهوي والوطني. كما تهم هذه الالتزامات الرفع من الموارد الذاتية للشركة خاصة مدا خيل الإعلانات التي تفوق 645 مليون درهم خلال الفترة المذكورة وإنجاز برنامج استثماري يصل إلى 426 مليون درهم يخصص الجزء الأوفر منه لتأهيل منشآت ومعدات الشركة. كما نص العقد -البرنامج الأول على تدقيق التزامات الشركة في مجال أداء الخدمة العمومية وخاصة التزاماتها الأساسية المتعلقة بالنهوض بالإنتاج السمعي البصري الوطني، وإعطاء الأولوية للموارد البشرية التي تتوفر عليها الشركة. كما يمكن العقد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة من إنجاز مشاريع الاستثمار المتصلة بالرقمنة وعصرنة شبكة البث، وتعميم التغطية الإذاعية والتلفزية على كافة التراب الوطني وإدخال التكنولوجيات الجديدة. ومن المقتضيات الجوهرية التي ينص عليها هذا العقد تحسين أوضاع العاملين وإعادة النظر في منظومة الأجور والسياسة الاجتماعية بما يحقق تدريجيا المساواة والتكافؤ بين مختلف فئات المهنيين داخل القطب العمومي، واعتماد تدبير عصري للموارد البشرية يقوم على استشراف الحاجيات الكمية والنوعية، وإعمال أنظمة جديدة للتحفيز ومكافأة الاستحقاق والرفع من المؤهلات والكفاءات وإنجاز مخططات التكوين المستمر. وفي الوقت الذي اعتبرت فيه مصادر أن الحكومة والدولة وفت بالتزاماتها اتجاه تحرير القطاع من خلال القانون الإطار 03/77، انتقدت مصادر نقابية القائمين على التسيير والتدبير في هذه المؤسسة، لاسيما من ناحية تهييء مساطره ومسالكه القانونية. عن هذه الوضعية يقول مصدر «إن الرغبة في استكمال الانتقال في هذه المؤسسة نحو تدبير عقلاني وعصري يتلاءم مع تحولات الفضاء السمعي البصري، ويحفظ لكل العاملين حقوقهم مازالت غائبة، فمحمد الحضوري، الذي عين في شتنبر 2003 كمدير للموارد البشرية مكان المهدي بوزكري والذي عبد الطريق لصديقه محمد البوزيدي الذي عين في فبراير 2004، كان الهدف من تعيينهما تصفية جميع الملفات الكثيرة العالقة، وإعداد المسالك والمساطر القانونية الداخلية للشركة، للدخول إلى شركة حقيقية تخضع لمسالك قانونية واضحة، لكن كل هذا للأسف لم يتم بل تفاقمت المشاكل إلى ماهو أسوأ، إذ وجدت الموارد البشرية بالشركة نفسها أمام تسيير عشوائي يخضع للأهواء الخاصة للقائمين على التدبير، كيف لا والشركة يسيرها مهندسون، قد يفقهون في المسالك الطرقية ولا يفقهون في المسالك القانونية؟ هذه العشوائية بطبيعة الحال لا يمكن إلا أن تنتج صراعات بين القائمين على التدبير، قاسمها المشترك الصراعات والبقاء من أجل السيطرة والانفراد بالقرارات. إذ لا يهمها تسطير أي إستراتيجية، لتحقيق الانتقال يخضع لقوانين تحمي الموارد البشرية وتحمي الشركة. وكل هذا بمرأى ومسمع من أجهزة الدولة التي تتغاضى عن هذه التجاوزات» ويضيف المصدر: «نتساءل أين أجهزة مراقبة الدولة لحماية المال العام داخل الشركة؟ ألا تتساءل هذه الأجهزة عن المصاريف التي تصرف داخل الشركة، عن كيفية صرفها وماهو سندها القانوني في ذلك؟ أين هي مديرية المنشآت العامة والخوصصة في وزارة المالية؟ وأين هو القطب المحاسباتي؟ كل هذه الأسئلة موجهة لكل فعاليات المجتمع للوقوف على هذه العشوائية التي تعود بالشركة الوطنية للإذاعة التلفزة إلى الوراء. إن البقاء فيها للأقوى. للأسف الشديد فالإذاعة والتلفزة تم إخراجها من نظام مهيكل يعتمد على قواعد قانونية عامة، يعرف من خلالها المعقول من اللامعقول، إلى نظام عبثي يفتح المجال لطوائف كل منها يبحث عن مواليه بين مسؤولي مديريات مختلفة، والخاسر الأكبر هي الموارد البشرية الضائعة في حقوقها، تتنازع بين مؤيد لإجراء انتخاب اللجان الثنائية ومعارض لها. في حين أن المشكل أكبر من كل هذا، يتجلى في غياب ضوابط ومسالك قانونية تحفظ لكل ذي حق حقه بالقانون الذي يعلى ولا يعلى عليه، القانون الذي من المفروض تطبيقه بدون حذافيره، مع الحفاظ على مكتسبات العاملين، على أن تكون وضعيتهم أفضل من الوضع السابق. ويعني هذا أن يتم التنصيص في هياكل وقوانين الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية على نظام واضح للمهن والتخصصات، بما يعني ذلك من خلفيات ومرجعيات سواء قانونية أو مهنية أو اعتبارية، نظام ينعكس في طريقة التسيير والتدبير». في هذا الصدد، يطلب العاملون بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة مساندتهم بخصوص الخروج من وضع الاستثناء والضغط لإنجاز مساطر ومسالك قانونية تبرر القرارات داخل الشركة، وكذا النضال من أجل تطبيق الاتفاقية الجماعية والهياكل الملموسة، المهنية والإدارية، للمؤسسة. وينبغي أن تشكل المراحل المقبلة فرصة لتحسين الظروف المادية والاجتماعية للعاملين بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. وختم المصدر بالقول: «إن تجسيد ممارسة المرفق العام على أرض الواقع يتطلب نضالا متواصلا من طرف المنظمات النقابية العاملة في قطاع الإعلام العمومي، سواء تعلق الأمر بإصلاح القوانين أو بتعزيز العمل الجماعي والتضامني، لأن الإصلاح القانوني لا يمكن أن يعطي ثماره في هذا المجال إلا إذا تحول إلى ممارسة ملموسة على أرض الواقع».