بعدما أعيدت هيكلة حديقة "لارميطاج" بمقاطعة مرس السلطان بالدارالبيضاء، توجهت الأنظار إلى أقدم وأكبر حديقة بالمدينة، وهي حديقة الجامعة العربية، تبلغ مساحتها حوالي 30 هكتارا حديقة الجامعة العربية من أكبر حدائق الدارالبيضاء (ايس بريس) يعود تاريخ إحداثها إلى البدايات الأولى للقرن الماضي، شكلت في سنوات خلت الفضاء الأخضر، المغري لسكان العاصمة الاقتصادية وزوارها، لكن في السنوات الأخيرة طالها بعض التهميش، إذ رغم المحاولات المتكررة للسلطات المحلية والمنتخبة لإعادة بريقها، إلا أن هذه المحاولات لم تف بالغرض، لتقرر هذه السلطات إعادة هيكلتها من جديد، حتى تكون الرابط بين الأحياء الموجودة وسط المدينة وشوارع وأزقة المعاريف. في أحد المواقع الإلكترونية المتحدثة عن مدينة الدارالبيضاء ينصح القادم إلى المدينة بزيارة حديقة الجامعة العربية، باعتبارها من أجمل المناطق، إضافة إلى أنها من أقدم الفضاءات الخضراء في العاصمة الاقتصادية، لكن بمجرد ما أن تطأ قدم الزائر هذه الحديقة، حتى يكتشف أنه أمام أطلال حديقة، كانت إلى الأمس القريب من أهم متنفسات العاصمة الاقتصادية، فما الذي حدث حتى تفقد حديقة الجامعة العربية رونقها، وماهي خطة سلطات المدينة لإعادة التوهج لها، وهل صحيح أن هناك إرادة لتغيير معالم هذه الحديقة؟ وكيف سيعاد هيكلة هذه الحديقة؟ الماضي الجميل فإلى حدود منتصف التسعينيات من القرن الماضي، كانت حديقة الجامعة العربية تشهد إقبال مجموعة من الأسر، تقضي فيها ساعات من الطمأنينة والراحة، إلا أن هذا الواقع اختلف بصورة كلية، ففي السنوات الأخيرة تحولت هذه الحديقة إلى مرتع للمتسكعين، أما السكارى فلا يحلو لهم شرب النبيذ إلى بين أشجارها، ما جعل صورة هذه الحديقة تختلف إلى النقيض، إلى درجة أن مجموعة من الأسر هاجرتها بحثا عن أماكن أخرى، وفي هذا السياق يقول يوسف "موظف بالقطاع الخاص" في الحقيقة لم أعد أجد أي مكان وسط المدينة أقضي فيه رفقة عائلتي الصغرى لحظات من الطمأنينة والراحة، فليس هناك أي مكان يغري بالزيارة، وهذا أمر محزن للغاية". ليس يوسف وحده من له هذا الموقف، بل هناك العديد من المواطنين، الذين يعتبرون أن الفضاء الأخضر بالمدينة تقلص بشكل كبير أمام اكتساح العمارات الشاهقة، الشيء الذي يجعلهم يفكرون مرات كثيرة قبل أن يغادروا منازلهم في اتجاه بعض أماكن الترفيه. وعد العمدة لا ينفي عمدة الدارالبيضاء، محمد ساجد، قلة الفضاءات الخضراء، وهو ما جعل المجلس الجماعي، حسب رأيه، يقرر إعادة تأهيل مجموعة من الحدائق في المدينة، مؤكدا أن حديقة الجامعة العربية ستكون ضمن هذه الحدائق، وقال" أصبح التفكير في إعادة هيكلة حديقة الجامعة العربية أمرا ملحا، وأن هناك ملفات قيد الدراسة بالنسبة لهذه الحديقة، وقال في آخر لقاء إعلامي إن الدراسات الخاصة بمشروع إعادة هيكلة حديقة الجامعة العربية بدأت منذ أشهر"، مضيفا أن المشروع يروم ربطا بين الأحياء القديمة والجديدة للمدينة، عبر إزالة المباني، التي تخفي الحديقة من جانب شارع إبراهيم الروداني بعد التوصل إلى اتفاق مع المصالح الإدارية، التي تنتمي إليها البنايات المذكورة، وسيعرف المشروع إزالة المجمع الترفيهي ياسمينة وتوزيع الألعاب الموجودة بهذه الحديقة على جميع المناطق، والاحتفاظ بالمعالم الثقافية للحديقة والمتمثلة في المبنى القديم لكنيسة "ساكري كور". ما يوازي 30 هكتارا وكان العمدة محمد ساجد، خلال هذا اللقاء، متفائل جدا، بمستقبل حديقة الجامعة العربية، وشدد على القول "إن هذا المشروع سيغير من معالم المنطقة، وستكون حديقة منفتحة على محيطها، وإلى جانب أنها ستكون حلقة وصل بين أحياء المدينة، فستكون إلى جانب عدد من الحدائق الأخرى متنفسا إيكولوجيا في وسط المدينة"، وأضاف أن مساحة هذه الحديقة تصل إلى 30 هكتارا، إلا أن هذه المساحة متفرقة، وهو الأمر المستحضر بشكل كبير في الدراسة، إذ ستتحول هذه الحديقة إلى وحدة متناسقة بين جميع أجزائها. الدراسات المتأخرة تفاؤل العمدة محمد ساجد بمستقبل حديقة الجامعة العربية تجد صداه لدى بعض المصادر المهتمة بهذه القضية، إلا أن ذلك لا يمنعها من القول إن الدراسات تأخرت بشكل ملحوظ، بسبب مكتب الدراسات الأول، الذي تكلف بهذه المهمة و لم يؤد ما كان منتظرا منه، ما دفع إلى التفكير الجدي في مكتب دراسات جديد بإمكانه أن يضع تصورا جيدا لما ستصبح عليه هذه الحديقة في السنوات المقبلة. السعي إلى تغيير معالم حديقة الجامعة العربية ليس وليد اليوم، بل هناك من يدعو منذ سنوات إلى ضرورة إزالة الغبار على هذا الملف، مؤكدين أنه لا يعقل إهمال أقدم حديقة بالدارالبيضاء، حيث يعود تاريخ وجودها إلى بداية القرن الماضي، فهي تعد واحدة من معالم هذه المدينة. مشروع أم حلم ما جعل السلطات العمومية بالمدينة تقرر إعادة هيكلة هذه الحديقة، الوضعية المزرية، التي آلت إليها، إذ فقدت الكثير من توهجها، فبعدما كانت من أجمل حدائق المدينة، أصبح المرور منها ليلا يعد مغامرة غير محمودة العواقب، بسبب الظلام الدامس في بعض أجزائها، فهل ستستطيع سلطات المدينة رفع الغبن عن هذه الحديقة؟ أم أن هذا المشروع سيبقى فقط مجرد حلم من أحلام البيضاويين الكثيرة؟ حكاية حديقة من الزمن الجميل في الأول كان يطلق عليها حديقة ليوطي، ثم تغير اسمها لتحمل اسم جامعة الدول العربية، وكان العديد من المقيمين الفرنسيين بالمغرب في فترة الحماية الفرنسية بالمغرب يستغلون هذا الفضاء للتنزه وقضاء لحظات من الراحة والهدوء، سيما أن موقعه الجغرافي كان يسمح لهم بزيارته بشكل متواصل، و كان تصميم هذه الحديقة بقلب مدينة الدارالبيضاء وفي موقع قريب من أماكن العبادة بالنسبة إليهم يسمح للمقيمين الفرنسيين بقضاء أكبر وقت في هذه الحديقة. فلم يكن يعتقد المهندس ألبير لا براد، الذي صمم هذه الحديقة، أن المساحة، التي صمم فيها مشروعه ستتغير كليا، بسبب بعض المقاهي التي استغلت مساحات كبيرة من هذه الحديقة. وكان يأمل المهندس "ألبير لابراد" أن تكون حديقة الجامعة العربية جزءا من حدائق باريس الجميلة، سيما أنه كان يحرص خلال تصميمه لهذا المشروع أن ينقل التجربة الفرنسية والأوروبية بصفة عامة في إحداث الحدائق العمومية إلى المغرب. وإذا كان ألبير لابراد، نجح في هذه المهمة في بداية القرن الماضي، ففي نهايته بدأت الحديقة تفقد الكثير من توهجها، ما دفع إلى التفكير الجدي في الطرق الكفيلة لإعادة هذا التوهج لها، فهل ستستطيع السلطات المحلية والمنتخبة في كسب رهان إعادة هيكلة هذه الحديقة، وهل ستكون الأجيال القادمة بالمدينة محظوظة برؤية حديقة تصالحهم مع الفضاء الأخضر، تخاصمت معه المدينة، بسبب الزحف العمراني على جميع مناطقها. حينما تتحول حديقة إلى مرآب للسيارات تحولت أجزاء من حديقة جامعة العربية إلى مرائب للسيارات، نظرا للأزمة الخانقة في هذا المجال، و اعتاد أحمد، موظف بالقطاع الخاص"، أن يركن سيارته بهذا المكان، مؤكدا أن عدم توفر الكثير من مرائب السيارات وسط المدينة جعله يضطر رفقة عدد من زملائه إلى الالتجاء إلى هذا المكان. وبينما يؤكد أحمد ارتياحه بتخصيص جزء من حديقة الجامعة العربية لركن سيارات المواطنين، فإن عبد الله، مواطن التقته "المغربية" بكازابلانكيز، أكد أنه من العيب والعار أن تتحول أكبر حديقة بالمدينة إلى فضاء لركن السيارات، وقال "شوف راه ما بقاش أي اهتمام بحدائق الترفيه بالمدينة، والمشكل أنا حتا هاذ الحديقة تحولات إلى باركينغ، وهاذ الشي ماشي معقول، لابد من إيجاد حل لهذه القضية". الغضب الذي كان يشعر به هذا المواطن، وهو يتحدث إلى "المغربية" كان ظاهرا على محياه، مضيفا أن السلطات العمومية لابد أن تفكر في حل جدري لهذه الحديقة تعيد لها بعض من الاعتبار كأكبر وأقدم حديقة في المدينة، قبل أن تتحول إلى أكبر "باركينغ". في انتظار حلم تأهيل "كازابلانكيز" لا يمكن زيارة حديقة الجامعة العربية دون أن تعرج على "كازابلانكيز"، هذا الفضاء الرياضي، أنجب العديد من الأسماء الرياضية ما زالت أسماؤها خالدة في أذهان متتبعي المجال الرياضي ببلادنا، ويكفي في هذا السياق ذكر اسم نوال المتوكل، البطلة الأولمبية السابقة. وسيشمل مشروع إعادة تأهيل حديقة الجامعة العربية، كذلك فضاء كازالانكيز"، وهو ما أكد عليه، العمدة محمد ساجد، حينما اعتبر أن من حسنات إعادة تأهيل حديقة الجامعة العربية أنها ستشمل الفضاء الرياضي "كازابلانكيز". وسبق أن أكد أحد نواب العمدة ساجد، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن مشروع إصلاح "كازابلانكيز" سيخرج إلى الوجود في الشهور المقبلة، وقال، في هذا السياق "من المحتمل جدا أن يخرج مشروع إعادة الهيكلة إلى الوجود في أقرب وقت، وقد اتخذت جميع التدابير من أجل أن يكون مشروعا يليق بسمعة هذا الفضاء الرياضي على مستوى المدينة، وسيجري بتعاون مع وزارة الشبيبة والرياضة، ويمكن القول إنه سيكون مشروعا سينال رضى جميع الغيورين عليه".