حين كانت مدينة الدار البيضاء مقسمة إلى 27 جماعة، و8 عمالات، لم تكن المنتزهات والحدائق والمناطق الخضراء على الطرقات والمدارات، تحظى بأهمية ضمن برامج هذه الجماعات بعض الحدائق والمرافق الخضراء شهدت تجديدا وتحسنا لكن ذلك يتطلب استمرارية في العمل لكن تشكيل مجلس المدينة، سنة 2004، دفع إلى خلق قسم خاص بالحدائق والمنتزهات والمناطق الخضراء، مهمته بإعادة تهيئة الحدائق القديمة، وخلق أخرى جديدة. فكيف ستتعامل الجهات المعنية مع أشغال الترامواي، التي تهدد باختراق المساحات الخضراء بالمدينة؟ حينما يشتد الخناق على بعض البيضاويين، ويدفعهم إلى الترجل في الشوارع والممرات، كانت الحدائق والمنتزهات، في الماضي، غير مؤهلة لاستقبالهم، لكن "قسم الحدائق والمنتزهات والمناطق الخضراء"، بمجبس المدينة، إعادة تهيئة حديقة "أليسكو" بمساحة 8 هكتارات (موجودة في تقاطع بين شارع الجولان وإدريس الحارثي)، وحديقة "مردوخ" بمساحة 4 هكتارات، وحديقة "لارميطاج" بمساحة 14 هكتارا، وحديقة عين الشق بمساحة 3 هكتارات، وكذا حديقة "مولاي رشيد" بمساحة هكتارين، ثم حديقة "عين السبع" بمساحة 12 هكتارا، في أفق إحياء حديقة البرنوصي بمساحة 12 هكتارا (الموجودة بمدخل مدينة الدار البيضاء من الجهة الشمالية)، وحديقة "فلسطين" بمساحة هكتارين، ثم منتزه "الجامعة العربية" بمساحة 35 هكتارا حسب إفادة عمر العسري، مهندس دولة ورئيس "قسم الحدائق والمنتزهات بمجلس الجماعة الحضرية للدار البيضاء. ولأن النباتات والأشجار والأغراس هي كائنات حية تستوجب عناية خاصة للحفاظ على خضرتها ونضارتها، فإن"قسم الحدائق والمنتزهات بمجلس الجماعة الحضرية للدار البيضاء"، وجد وضعية هذا المعطى الطبيعي في حالة متردية، حسب تصريح العسري، في تأكيد منه أن مهندسو وتقنيو"قسم الحدائق والمنتزهات بمجلس الجماعة الحضرية للدار البيضاء"، لم يحصلوا على أي وثائق أو معلومات تتعلق بمساحات هذه الفضاءات ولا أنواع النباتات، ما اضطرهم إلى تحضير ملفات جديدة قصد إحصاء عدد الحدائق والمنتزهات، وتحديد طبيعتها وخصائصها، ورسم خريطة عمل، تجدد الحياة فيها، بعد أن أهملت لفترة طويلة، فغابت عنها سمات الخضرة والجمال، حسب توصيف عمر العسري. كي لا تموت الحدائق لم يكن من اليسر تجميع المعطيات حول الحدائق والمنتزهات، خاصة أن الجماعات في السابق كان آخر اهتمامها، السهر على الأشجار والنباتات، فلم يكن هناك تنسيق بين هذه الجماعات، على حد تعبير عمر العسري، لهذا كان ضمن الأولويات، إحصاء المناطق الخضراء بالعمالات والمقاطعات، ودراسة كل حديقة ومنطقة على حدة، ثم الوقوف عند مشاكلها، من قبيل غياب شبكة الإنارة والري والكراسي، ومن ثمة كان من الضروري في بداية الاشتغال وضع تصور عام ومخطط عمل يسهل على المهندسين والتقنيين تحسين وضعية الحدائق القديمة، مع خلق أخرى جديدة، لتجديد أنفاس البيضاويين المختنقة بصخب الزحام ودخان السيارات والحافلات. بينما ظلت الأطر المهتمة بالمساحات والفضاءات الخضراء محدودة، لا تشجع على النهوض بقطاع الحدائق والمنتزهات، ارتأى "قسم الحدائق والمنتزهات والمناطق الخضراء"، اعتماد مراحل مهمة تطلبت منه سنة ونصف من الدراسات منذ تشكيل مجلس المدينة سنة 2004، إذ تنبه القسم إلى أن الحدائق التاريخية كحديقة "مردوخ" وحديقة "أليسكو" وحديقة "عين الشق" وحديقة "عين السبع" وغيرها، تحتضر على نحو يستدعي الانكباب على إحيائها وتجديد رونقها وخضرتها، بعد أن أصابها الإهمال والتلف لسنوات طويلة، حسب ما أفاد به عمر العسري. وحتى يتيسر للمهندسين والتقنيين الخوض في تصحيح ومعالجة تلك الحدائق المنسية، تعاقد القسم مع بعض الشركات الخاصة بصيانة الحدائق لتسريع وتيرة العمل وتقنينه في هذا الجانب. عمليات الصيانة ذكر عمر العسري ل"المغربية"، أن عملية صيانة الحدائق والمنتزهات هي عملية من المفروض أن تظل مستمرة، باعتبار أن أي تقصير أو إغفال في هذا الإطار، سيشوش على سيرورة تطوير المساحات الخضراء بالدار البيضاء، ولهذا الغرض، حدد "قسم الحدائق والمنتزهات والمناطق الخضراء"، دفتر تحملات يهم جميع الأشغال المنوطة بالشركات المتعاقد معها، لإنجازها وفق برامج مسطرة، كما أشار العسري إلى أن قسم الحدائق دقق وحدد جميع التدخلات المرتبطة بصيانة هذه الحدائق، ومن ثمة قسمت الدار البيضاء، كبداية، إلى 4 مناطق كلفت بها الشركات المختصة بالحدائق، وتهم المنطقة الأولى كلا من سيدي البرنوصي، وسيدي مومن وعين السبع والحي المحمدي روشنوار، والمنطقة الثانية تتعلق بحي مولاي رشيد وسيدي عثمان وسباتة، والمنطقة الثالثة تتمثل في مقاطعات الفداء ومرس السلطان وعين الشق الحي الحسني ثم المنطقة الرابعة تهم مقاطعات سيدي بليوط وأنفا والمعاريف. ومع بداية سنة2011، يضيف عمر العسري، انتقل "قسم الحدائق والمنتزهات والمناطق الخضراء" إلى مرحلة أخرى من شأنها تعزيز السعي نحو تطوير المساحات والفضاءات الخضراء بالدار البيضاء، موضحا أن الدار البيضاء قسمت إلى 10 مناطق عوض 4، تشتغل من أجلها 7 شركات للحفاظ على المستوى الذي بلغته أشغال تهيئة الحدائق والمنتزهات، كما قسمت إلى 5 مناطق تتعلق بأشغال الصيانة لأشجار التصفيف بالشوارع والمدارات، في أفق عقلنة وتدبير باقي المناطق المؤهلة طبيعيا في الدار البيضاء. الميزانية لا تكفي بينما تظل اختصاصات المقاطعات مقتصرة على مشاريع القرب، المتعلقة بالمواطنين وصيانة الحدائق الصغيرة والطرق، وفق ما أفاد به عمر العسري، فإن "قسم الحدائق والمنتزهات والمناطق الخضراء"، أخذ على عاتقه إنجاز دراسات تقنية مستمرة للحدائق التي لم تجدد بعد أرضيتها ومعطياتها الطبيعية، كما هو الشأن بالنسبة لحديقة الجامعة العربية، والعمل على تشجير الشوارع والأزقة والساحات العمومية على نحو مستمر، أي طيلة السنة، موضحا أن القسم يحرص على غرس الزهور والورود في الشوارع والمدارات بشكل يضفي جمالية أكثر على المنظر العام للمدينة، وبشكل يتناسب مع فصول السنة، في إشارة منه إلى أن هذه الزهور والورود تتغير مرتين إلى ثلاث مرات في السنة، حتى يظل المنظر العام للمدينة محافظا على زينته التي سهر المهندسون والتقنيون بالقسم على تجسيدها. ولأن مدينة الدار البيضاء تعيش في الآونة الأخيرة على أشغال الترامواي، فإن عملية تحويل الأشجار من الأماكن التي سيمر منها، تعد من الأولويات التي ينكب عليها القسم، قصد تيسير إنجاز مشروع الترامواي، والحفاظ على ثروة الأشجار المنقولة، ثم استغلالها في أماكن أخرى تتلاءم واحتياجات مواطني الدارالبيضاء. ولتطبيق برامج تهيئة الحدائق والمنتزهات، فإن خطة عمل القسم، المكون من 10 أطر، بينها مهندسون وتقنيون، تأسست على تقسيم القسم إلى مصالح مختلفة، إذ تهتم المصلحة الأولى بالصيانة العامة والمحافظة على المناطق الخضراء، والثانية تهتم بالأشغال الجديدة، أي خلق وتهيئة مناطق خضراء جديدة، فيما تعنى المصلحة الثانية بالدراسات وتطوير قطاع الحدائق، أما المصلحة الرابعة فتتعلق بالإشراف على صيانة أشجار التصفيف في الشوارع العامة، والإشراف على الشبكات الخاصة بالري وحفر الآبار. من جهة أخرى، ذكر العسري أن ميزانية القسم تنقسم إلى شطرين، إذ هناك ميزانية التسيير التي تخص الأشغال والصيانة العامة والمحافظة على الحدائق وأشجار التصفيف، وصيانة شبكات الري واقتناء الأشجار بمختلف أنواعها، وهذه الميزانية، حسب تصريح العسري، تقدر بحوالي 30 مليون درهم في السنة، أما الشطر الثاني من الميزانية فيهم التجهيز، ويتوخى خلق حدائق وفضاءات جديدة مع تجهيزها بكل المعدات الضرورية، كوضع سياجات خاصة بها وربطها بالكهرباء وشبكة الري، وغرسها بأنواع من النباتات والزهور، ثم تهيئتها بالكراسي لتمكين الوافدين عليها من الجلوس وسط الحدائق للراحة، ويوضح العسري أن هذه الميزانية تتغير من سنة إلى أخرى حسب فائض ميزانية التسيير، وتقدر ب 15 مليون درهم في السنة، دون أن يغفل الإشارة إلى أن مشروع تطوير مدينة الدار البيضاء على مستوى المساحات والفضاءات الخضراء، هو مشروع كبير، قابل للتحقق في حال توفرت الإمكانيات المادية، على نحو يجعل من المدينة واجهة طبيعية حافلة بأنواع من الأشجار والنباتات والورود، التي من شأنها أن تمتص الضغط السكاني والعمراني، الذي تعيشه المدينة باطراد. المواطن مسؤول أيضا في ظل المخطط الذي يشتغل عليه "قسم الحدائق والمنتزهات والمناطق الخضراء"، بالدار البيضاء، ستفتح حديقة "لارميطاج" في وجه البيضاويين، نهاية شهر أبريل الجاري، في أفق إتمام مشاريع كل من حديقة البرنوصي وحديقة فلسطين ومنتزه الجامعة العربية، حسب قول عمر العسري، مؤكدا أن 380 هكتارا من مساحة الحدائق والمنتزهات بالدار البيضاء، التي يعمل في إطارها القسم، قابلة للتوسع إذا ما أتيحت الإمكانيات المادية، باعتبار أن تأهيل قطاع المساحات الخضراء في مدينة بحجم الدار البيضاء، يستدعي تعبئة شاملة، تتوافق فيها الإمكانيات مع الاحتياجات. من جهة أخرى، ذكر العسري أن المواطن البيضاوي أصبح يعي أهمية تأهيل المدينة بالأشجار والنباتات والورود، إذ لمس مهندسو وتقنيو القسم، خلال زياراتهم الميدانية للحدائق والمنتزهات، مراعاة واحترام المواطنين لهذا المعطى الطبيعي، من خلال الالتزام برمي النفايات في الأماكن المخصصة لها، وكذا اعتماد الممرات والمسالك وليس الدوس على النباتات والزهور، وهذا سلوك يراه العسري حافزا آخر، للمشرفين على هذا القطاع قصد تمكين البيضاويين قدر الإمكان من الفضاءات والمنتزهات، والسعي بجدية ومهنية لتطويره وتوسيع رقعته بمدينة الدار البيضاء. الحدائق.. ثقافة غائبة يجد بعض البيضاويين أن ثقافة الحدائق والمنتزهات والفضاءات الخضراء ما تزال بعيدة المنال، بالنظر إلى أن المدينة ليست مؤهلة بعد في هذا الجانب، مقارنة مع مساحتها الشاسعة والزحف العمراني، الذي تشهده في الآونة الأخيرة، ما عبر عنه سعيد المحمدي، مواطن بيضاوي بالقول إن "فكرة الاستمتاع بمعطيات الحديقة غائبة لدى بعض المواطنين، لهذا نرى أن التوافد على المقاهي أكبر من ارتياد منتزهات غالبا ما تستهوي الشباب العاطل عن العمل"، فيما يجد محمد نور الدين، أن "الشكل الذي شيدت عليه الحدائق هو الذي لا يحفز المواطنين على الإقبال عليها، خاصة أن غياب تجهيزات تحجب أشعة الشمس عن الوافدين يحول دون المكوث بها طويلا، وهو ما يضطر بعض المواطنين إلى اقتحام رقعة النباتات والورود المغروسة بمحاذاة الأشجار للاستظلال بهذه الأخيرة"، أما السعدية حريثي، فترى أن معظم الأحياء تخلو من الحدائق، التي قد يلجأ إليها السكان للاستمتاع بهواء نقي، يخفف عنهم التوتر والضغط اليومي"، وهو الرأي نفسه الذي أكدته فاطمة فتحي، بالقول إن "الأطفال يفتقرون إلى فضاءات ومرافق يرتاعون فيها، خاصة في الأحياء الشعبية، حيث تغيب المنتزهات وإن وجدت، يكون وضعها لا يشجع على الاستجمام فيها". الاكتظاظ..مشكلة يعتبر بعض المواطنين أن الحدائق والمنتزهات أصبحت اليوم أكثر ضرورة، في ظل الاكتظاظ السكاني، الذي تشهده مدينة الدار البيضاء، في تأكيد منهم أن القائمين على هذا القطاع استوعبوا أخيرا أهمية أن توجد المساحات الخضراء ضمن برامج الشأن المحلي، فحسب رأي المواطن حمزة نديري فإن "المدينة صارت في الآونة الأخيرة تعرف نقلة نوعية في مجال التعمير، لهذا فإنشاء حدائق جديدة وإعادة هيكلة القديمة، ضرورة ملحة"، في حين يجد محمد البوشتي أن "بعض الحدائق والمرافق الخضراء شهدت تجديدا وتحسنا، لكن ذلك يتطلب استمرارية حتى يستطيع البيضاويون أن ينعموا قليلا بالهواء النقي داخل مدينة يطغى عليها التلوث"، ويلاحظ خالد أيت عدي أن "بعض الشوارع والأماكن في الدارالبيضاء، تعرف تغيرا إيجابيا بفضل التحسينات التي أحدثها المعنيون بقطاع المساحات الخضراء، وهو خطوة محمودة يأمل البيضاويون أن تتطور على نحو يجعل من الدارالبيضاء مدينة غنية بالأشجار والنباتات، لعل ذلك يخفف وطأة التلوث الذي تتخبط فيه"، في حين تفيد هند سفراح أن "المواطن هو أيضا مسؤول عن تردي أوضاع الحدائق والمنتزهات، فمتى أحسن التعامل معها، استطاع أن يجد له مكانا ضمن الأشجار والورود المزهرة".