في جو احتفالي تميز بتوقيع الفنان التشكيلي، عفيف بناني، مؤلفه الجديد "معجم الفنون التشكيلية"، أختتم، نهاية الأسبوع المنصرم، المعرض التشكيلي، الذي نظمته النقابة المغربية للفنون التشكيلية، برواق المركز الثقافي سيدي بليوط بالدارالبيضاء. أمير علي رفقة عفيف بناني في الحفل الفني في حوار فني يجمع بين اللون واللحن وتميز حفل التوقيع بحضور الفنانين المشاركين في المعرض، وعددهم ،17 فنانا يمثلون مختلف الاتجاهات، إلى جانب نقاد جماليين ومهتمين بالفنون البصرية، وإعلاميين ومسرحيين وسينمائيين. وكانت مفاجأة الأمسية، الحضور اللافت لعازف الكمان المغربي، المقيم بالولايات المتحدة الأميركية، أمير علي، الذي قدم معزوفات من عيون الموسيقى العربية والمغربية، مشكلا إلى جانب عفيف بناني المحتفى به، ثنائيا رائعا، أحدهما يحمل عدة الرسم، مسافرا بالجمهور إلى عالم الألوان والحركة، مبدعا لوحة في ظرف زمني قياسي، والآخر يعانق كمانه في حالة أقرب إلى الخشوع، وكأن روحي "الأميرين"، "أمير الكمان" و"أمير القلاع"، كما وصفهما منشط الحفل الإعلامي محمد أبوعروة، التحما في حضرة التشكيل والموسيقى، من خلال لوحة أنجزت على إيقاع معزوفات مختارة بدأها أمير علي بمعزوفة للراحل أحمد البيضاوي، وأخرى للراحل محمد عبد الوهاب، ليختمها بمعزوفة "فرحة الشعب" للراحل أحمد الشجعي، التي عبر من خلالها أمير علي عن حبه لبلده المغرب، الذي لم يكتشف تعدد روافده الثفافية، إلا بعد اغترابه بالولايات المتحدة الأميركية، حيث احتك مع كبار العازفين العالميين كآل دي ميولا، أحد أشهر العازفين على آلة الغيثارة، وفيكتور وودن الحائز على عدة جوائز "غرامي" الدولية للموسيقى. ورافق أمير بعزفه على آلة الكمان مطربين عرب كملحم بركات وعبدو الشريف ومغني الراي الشاب خالد وغيرهم، خلال تجربته الفنية التي امتدت لأزيد من 20 سنة، خبر خلالها أسرار الموسيقى، ليقدم معزفات راقية ألهمت بناني بإبداع لوحة تجسد إحدى القصبات المشيدة وسط وادي زيز، على سفوح جبال الأطلس الشامخة، وكأنه يذكرنا باللقاء الساحر بين تعبيرية مونيه في الرسم وديبوسي في الموسيقى. وفي هذا السياق، اعتبر بناني، الذي سبق وأنجز حقيبة فنية جمعت بين الشعر والتشكيل، حملت عنوان "المزن والقزح" أن العلاقة بين الموسيقى وفن الرسم، أو بين الصوت واللون تتضح من خلال تتبع المراحل التي مر منها كل من الفنين في تطورات اتجاهاتهما ومدارسهما وأساليبهما. فبالنسبة للفنان التشكيلي، الذي يسعى نحو تخطي التجسيد في اللوحة توفر الموسيقى مرشدا لأنها تمثل نموذجا للتجريد في شكله الصرف والمطلق. وكما يقول فرانسيس غاي إن "الموسيقى تحرر من التجسيد والمحتوى السردي، وهي توفر قابلية التواصل المباشر مع عالم الروح والعاطفة". لذلك كانت الموسيقى ملهما للفنانين، الذين يسعون إلى تحقيق الأهداف نفسها في تجاوز المجسد والمرجعي في الفن، مشددا على أن النزوع الجارف الذي دفع كل من الموسيقى والرسم إلى تجاوز لغة التجسيد والسرد والتمثيل في القرن العشرين، لم يكن فقط بحثا عن لغة جديدة، بل كان في جوهره ثورة على الأشكال التقليدية، ورغبة في استعادة الفطري والعفوي في الفن عبر التحرر من الشكل والمرجعيات الواقعية. كما استشهد الفنان، بالناقد البريطاني شولتو بيرنس، بقوله إن "كلا من الموسيقى والرسم فنان مختلفان في المادة واللغة، لذلك يتعذر إجراء مقارنات تعسفية تتجاهل خصوصية كل منهما. فالموسيقى فن تجريدي بامتياز، ورغم أننا لا نستطيع إنكار حقيقة أن العديد من الأعمال الموسيقية الكلاسيكية تحتوي ما يمكن تسميته بمحتوى سردي لموضوعات تاريخية أو أسطورية أو أدبية، إلا أن الموسيقى تبقى لغة تجريدية يصعب مقاربتها من خلال نماذج شكلانية أو تجسيدية". أما بالنسبة للرسم، يضيف شولتو، فإن "اللون عنصر يشبه الصوت في الموسيقى، ومن هنا تبدو العلاقة بين الموسيقى والرسم حالة خاصة يمكن من خلالها استكشاف الآليات المعقدة، التي تنظم علاقة الفنون في ما بينها...لأن أشكال تلك العلاقات بين الفنون تقع كلها تحت عنوان الحوار بين أساليب تعبير مختلفة. وإذا كان تاريخ هذا الحوار ما يزال غامضا وغير قابل لإنجاز أجوبة جاهزة ونهائية، فهذا مجال الفن والإبداع يبقى دائما مفتوحا على الأسئلة والغموض والدهشة". يذكر أن فقرات البرنامج توزعت بين الموسيقى والتشكيل، وتقديم الكتاب، الذي قال عنه أكثر من ناقد إنه كتاب استثنائي، سيعزز الخزانة المغربية والعربية، بقيمته التداولية، وبصنفه النادر، وأوضحوا أن الخزانة المغربية تفتقر إلى مثل هذه الإصدارات، وتحديدا في مجال الثقافة البصرية.