دعا محمد برادة من جديد إلى عقد لقاء حواري ثان، حدد له يوم 26 مارس الجاري، كموعد بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط صور من اللقاء الحواري الأول وذلك بعد اللقاء الحواري الأول حول الثقافة المغربية، الذي نظم يوم 4 نونبر الماضي بالرباط بدعوة من الناقد المغربي محمد برادة، هو وتسعة من الكتاب المغاربة، الذين لم يحضروا اللقاء كلهم، ولم يعرف استجابة كبيرة من المثقفين والمتتبعين للشأن الثقافي بالمغرب. وطالب محمد برادة المثقفين والكتاب المغاربة للمشاركة فيه من أجل الإسهام في حوار وطني جاد يعيد للشأن الثقافي جدواه وفعاليته، وتدارس إشكالية غياب استراتيجية ثقافية محددة في المغرب، وتقديم تشريح للواقع الثقافي على ضوء المستجدات والتحولات التي تعرفها المجتمعات العربية في الفترة الأخيرة، والتي تستدعي من الفاعلين الثقافيين مواكبة تلك التغيرات، وتسليط الضوء عليها، ومقاربتها، وتقديم الأفكار والحلول لبعض القضايا الشائكة، التي يكون فيها صوت المثقف، غالبا، منيرا ومضيئا. فهل سيستجيب المثقفون المغاربة لهذه الدعوة الحوارية الثانية؟ وهل سيحضرها، أيضا، مثقفون وكتاب وهيئات سبق لها أن دعت إلى نقاشات أخرى مفتوحة حول الثقافة المغربية مثل المرصد الوطني للثقافة المغربية، والشاعر عبد اللطيف اللعبي؟ وهل سيتمكن الحاضرون في هذا اللقاء الثقافي الثاني من وضع استراتيجية للثقافة بالمغرب، لأنه منذ الاستقلال لم توضع أي استراتيجية للثقافة بالمغرب؟ والتفكير في الشروط المتصلة بفهم الثقافة وترويجها، والاهتمام بالجيل الجديد، الذي أضحت له آليات حديثة للتواصل والكتابة، كل ذلك من أجل إعادة الاعتبار للمثقف، ومواجهة تحديات المستقبل، المتمثلة في ظاهرة العولمة، وصناعة الثقافة. وفي البلاغ، الذي توصلت "المغربية" بنسخة منه، موقعة من طرف الناقد محمد برادة، جرى تحديد محورين أساسيين للقاء، الأول يتعلق بالمحددات العامة للاستراتيجية الثقافية، التي تتضمن المرجعية العامة لتمتين الحداثة الثقافية، وعلاقة الرؤية الاستراتيجية بالواقع الثقافي، وتبين سبل تحويل الثقافة إلى شأن عام موسع، والثقافة والتحولات العالمية، والصناعة الثقافية (الارتهان بحاجيات السوق واقتصادياته)، وتدبير القيم، والثقافة وأسئلة المجتمع والهوية، والثقافة والتنشئة الاجتماعية والتعليم، وترشيد الحقل الثقافي وأسئلة الديمقراطية، والوضع الاعتباري للمنتج الثقافي. أما المحور الثاني المتعلق بالتصور الاستراتيجي لمجالات الإنتاج الثقافي الفني، فيتضمن مواضيع، الإنتاج الثقافي ومجالاته المتعددة (المسرح- السينما – الفنون التشكيلية... الخ)، والثقافة الشفوية والتراث الشعبي، والثقافة ووسائط الإعلام والتكنولوجيا الحديثة، والإنتاج الثقافي والنشر والتوزيع، والإنتاج الثقافي واستهلاكه، والإنتاج الثقافي والتدبير المؤسساتي (البرامج الحكومية- البرامج الحزبية- مؤسسات التكوين- دور الثقافة – المكتبات...الخ). وجاء في أرضية الندوة "لاشك أن ما يشكو منه الحقل الثقافي في بلادنا هو غياب استراتيجية ثقافية محددة توفر لجل الفاعلين فيه رؤية دقيقة تمكنهم من تبصر الأهداف المرحلية والبعيدة للنهوض بالثقافة المغربية، وجعلها نتاجا ملموسا ذا ملامح واضحة له القدرة على الوصول إلى أكبر عدد من أفراد شعبنا على اختلاف زمره الاجتماعية، بما يسمح للجميع بالمشاركة فيه على نحو إيجابي وفعال، وبما يسمح بتوفير أدوات فكرية وجمالية تسهم في فهم العالم وتعاطيه، والمساهمة فيه كل حسب قدراته وملكاته. ولا يمكن بتاتا التفكير اليوم في الحقل الثقافي من زاوية الربح المادي المباشر المستند إلى رؤية اقتصادوية ضيقة تحصر الإنتاج الثقافي في مدى ارتباطه بما هو فكلوري، بل يجب النظر إليه في أبعاده الاستراتيجية الشمولية، التي تتمثل أساسا في تكوين الفرد داخل المجتمع، وتطوير ملكاته المختلفة، وربطه بأسئلة العصر الكبرى، وبمدى القدرة على الحضور في الزمن بوصفه طاقة موجهة نحو الإنتاج لا الاستهلاك، وجعله مساهما في بناء المجتمع وتحديد مصيره على نحو فعال، انطلاقا من القيم الإنسانية المثلى المرتبطة بالكرامة والتعدد والحق في التعبير الحر والنزيه، دون الارتهان إلى البنيات التقليدية في تدبير علاقة الفرد بذاته وبالآخرين والدولة". وأضافت الأرضية أنه "لا مناص لنا في توجه من هذا القبيل من التمسك بخلق فضاء للسجال والتداول حول ما هي الأهداف والمبادئ، التي بإمكانها أن تشكل رؤية مرجعية للمثقف المغربي. لقد كان الأمر واضحا في أزمنة ما بعد الاستقلال، كما كانت الأهداف تكاد تتمثل في النضال من أجل التحرر والتقدم والمطالبة بدولة تحترم العيش الكريم للطبقات المسحوقة. وفي ما بعد أمام التحولات العاصفة، التي مر بها العالم، والتي أفضت إلى انهيار منظومات فكرية تقدمية بانهيار معسكر سياسي كان يمثلها، وأمام انعدام بديل ملائم للتطلعات، التي تربى عليها جيل بكامله، كان التيه وحده يقود الجميع- من دون وجود مرجعية موجهة- نحو الانزواء أو تعاطي الشأن الثقافي من خلال الاستجابة لما يمليه الظرف، وفق زاوية نظر خاصة متحررة من كل التزام. ومن ثمة لم تعد الحدود بين ما هو ظرفي واستراتيجي واضحة، وصارت الحدود بين توجهات الدولة، التي لم تحسم بعد في وضوحها الديمقراطي عائمة، مما تولدت عنه ممارسات ثقافية غير مسؤولة، ولا تخدم الأهداف النبيلة في بناء مجتمع جديد قوامه الحرص على القيم النبيلة بما يعنيه ذلك من تضحيات ومساهمة في الربط بين الثقافي والسياسي على نحو يساهم في تحصين مجتمعنا من اللامبالاة واليأس وفقدان الثقة في النخبة، وقدرتها على الدفاع عن الغد على نحو لا لبس فيه. إن هذا الوضع يتبدى بكل وضوح اليوم في العزوف عن كل ما له صلة بما هو ثقافي والركون إلى ما هو عابر واستهلاكي. ويكفي النظر إلى عدم تحمس المجتمع، بمن في ذلك المثقفون، للملتقيات الثقافية وتراجع القراءة، وركوض السوق الثقافي في جل مناحيه لندرك فداحة ما نحن مقبلون عليه، ما لم تتضافر النيات الحسنة من أجل وقف تدهور الوضع الثقافي. ولا يمكن بتاتا فعل ذلك إلا بخلق فضاء للحوار يأخذ على عاتقه مهمة تحديد استراتيجية واضحة المعالم تحدد ما الذي نريده من الفعل الثقافي، وبأية رؤية، وبأية وسائل".