قد يقول قائل على المغاربة اليوم استغلال الظروف الراهنة للقيام بثورة اجتماعية ضد الفقر وبالبطالة والاستبداد السياسي على غرار ما حدث في تونس ومصر ، وقد يقول أخر إن الأوضاع في المغرب مختلفة ولا يشبه نظام الحكم فيه بقية الأنظمة العربية أو المغاربية ، ومن تمة تنعدم مبررات الانسياق وراء موجات الاحتجاج التي تشهدها منطقتنا العربية . محمد خلوق أستاذ العلوم السياسية بجامعتي ماربورغ وميونيخ الألمانية إلى كل هؤلاء ، نذكر بأن المغرب شرع ومنذ زمن في إدخال سلسلة إصلاحات على مجمل نظمه التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وبأن الأوضاع الاجتماعية فيه وعلى صعوبتها، لا تقارن بمثيلتها في تونس أو مصر . إن سياسة التدرج في الإصلاح التي ينهجها المغرب، تعكس تصميم وإصرار الساسة هناك على السير في طريق الديموقراطية خطوة خطوة وعدم القفز على المراحل، لأنه لا يتم تحقيق نظام ديموقراطي مبني على أسس متينة بين عشية وضحاها . الديموقراطية وكما عرفناها في الغرب نتاج لسلسلة تراكمات ترتبت عن نضالات متواصلة ولسنوات طويلة . يجب تغليب منطق العقل خصوصا في هذه الظرفية، وعدم الانسياق وراء الشعارات والانفعالات وتحريض بعض الجهات الخارجية بغية زرع بذور البلبلة وعدم الاستقرار، وبالتالي شطب كل المنجزات المكتسبة في العشرين سنة الأخيرة في لحظة غياب عن الوعي. لا يجب أن تخرج الدعوة للتظاهر يوم عشرين فبراير عن سياقها الطبيعي المتمثل في التعبير عن الرأي وبحرية . يجب أن تتحلى كل الجهات سواء تلك الداعية إلى التظاهر، أو تلك المعارضة له بالوعي الكافي لإدراك أن ما يجمعنا كمغاربة أكبر وأعمق مما قد يقسمنا . هناك تحديات كبيرة وراهنة تحتاج منا رص الصفوف وتوحيد المواقف . كلنا نعلم مدى التآمر الذي يتعرض له المغرب من الجارين الاسباني والجزائري تجاه وحدته الترابية ،وسعيهم المتواصل والدؤوب إلى إضعاف جبهته الداخلية من أجل تفكيكه والسيطرة على مدخراته الوطنية . إن تصريح أحد الشخصيات العامة المحسوبة على بعض الحركات الإسلامية لأحد الجرائد الاسبانية المعروفة بعدائها للمغرب وبتزييفها للحقائق، بأنه سيدعم أي ثورة يقوم بها المغاربة ليشكل مثار للحيرة والاستغراب . لا يختلف إثنان بأن النظام الملكي في المغرب هو الخيار الاستراتيجي لكل المغاربة،والضامن لاستقراره ووحدته. ما نحن في حاجة إليه اليوم هو تسريع وثيرة الإصلاح، والقيام بخطوات فعلية من أجل محاربة الفساد والرشوة ،وتنظيم إنتخابات شفافة ونزيهة ،تعكس رغبة وتطلعات المغاربة الحقيقية، ومنح مزيد من الاستقلالية للقضاء ،وتحويل مصطلح العدالة الاجتماعية من مجرد شعار متداول إلى واقع ملموس، وإصلاح المنظومة التعليمية وتوفير الخدمات الصحية للمواطنين ،وضمان حد أدنى لإعلام حر ونزيه ، ووضع تعريف جديد لدور المثقف المغيب بقصد أو عن غير قصد عن المشهد السياسي. سبقت الثورة المغربية الهادئة ثورة تونس ومصر، وذلك حين أعلن المغاربة ومنذ أزيد من عشر سنوات قطيعة لا رجعة فيها مع الماضي ، ثورة بيضاء مسالمة شملت جميع المجالات . قطع نصف الطريق وبقي النصف الآخر، ولا خيار لنا إلا الاستمرار على درب الإصلاح والتغيير،بعيدا عن منطق العنف والتخريب، أو التعسف والترهيب . وآخر دعوانا اللهم إجعل هذا البلد آمنا .