- طالبت المبادرة المصرية بالعمل على إيجاد نظام جديد يوجب اتباع أسلوب الدبلوماسية الجماعية في تنفيذ القرارات. - د. محمد السيد سعيد: التاريخ قدم محاولات يائسة للإصلاح المتأخر لنظم وإمبراطوريات عليلة مماثلة لحالة النظام العربي. - د. محمد شوقي عبد العال: تطوير جامعة الدول العربية أضحى أمرًا لا مفر منه إن أريد لها أن تبقى. - د. محمد نعمان جلال: العمل العربي المشترك بقي رهين حقيقتين مهمتين: مبدأ السيادة والمساواة القانونية، ومبدأ انفصام الذات لدي الشخصية العربية التي تعلن غير ما تبطن. أعدت مصر مبادرة لتطوير جامعة الدول العربية وتفعيل العمل العربي المشترك تدعو إلى بدء حوار صريح لتطوير النظام العربي وتفعيل مؤسسته الرئيسة وهي الجامعة العربية، وسوف تتم مناقشة المبادرة على مستوى الخبراء في مجلس الجامعة، ثم تعرض على وزراء الخارجية، ومن ثم على قمة عربية عادية أو استثنائية لإقرارها، وقد تضمنت المبادرة المصرية شكلاً مؤسسياً جديداً للعمل العربي المشترك؛ هو تشكيل برلمان عربي وظيفته الرئيسة إيجاد نوع من الرقابة السياسية على عمل أجهزة الجامعة العربية، والإسهام في رسم السياسات العامة لها، وكذلك الاختصاص بالرقابة التشريعية وبالرقابة المالية على ميزانية الجامعة ومشروعاتها المشتركة، ودعت المبادرة إلى إعادة ترتيب أوضاع النظام الأمني العربي، واقترحت بديلين أو الجمع بينهما لتحقيق ذلك؛ الأول: إنشاء مجلس أمن عربي على غرار ما هو قائم في المنظمات الدولية والإقليمية لمواجهة حالات الإخلال بالسلم والأمن العربيين، وله صلاحيات للعمل المباشر إذا ما وقع عدوان على إحدى الدول الأعضاء. والثاني: إقامة منتدى للأمن القومي العربي يعقد لقاءات وحوارات للخبراء والمتخصصين. والمبادرة المصرية تحدد الإطار السياسي اللازم لتفعيل جامعة الدول العربية وكذلك الأبعاد الضرورية لإصلاح بنيتها من المنظور القانوني، وتفصيلاً لهذين الجانبين: السياسي، والقانوني. نصت المبادرة على ضرورة تنقية الأجواء بإزالة كل الشوائب من العلاقات العربية، والعمل على تسويتها. وطالبت بإيجاد آلية جديدة تحقق التنسيق بين مؤسسات العمل العربي المشترك. ونوهت المبادرة إلى اعتماد الدبلوماسية الوقائية كأفضل طريق لمنع وقوع الأزمات العربية التي تعد من أبرز سلبيات الفترة السابقة، وذلك بإنشاء آلية للوقاية من المنازعات العربية ومحكمة عدل عربية تكون أداة تضع نهاية حاسمة لهذه المنازعات. وفيما يتعلق بالتصويت في مجلس جامعة الدول العربية؛ أوضحت المبادرة المصرية أن قاعدة الإجماع كانت تناسب الظروف التي نشأت فيها الجامعة، ولكنها لم تعد ملائمة الآن؛ بل أصبحت عائقاً، وبدلاً من ذلك اقترحت المبادرة الاختيار بين أساليب أخرى للتصويت بما يحقق التوازن والمرونة، ومنها الاجتماعات التشاورية والتصويت بنظام توافق الآراء، أو بالأغلبية الموصوفة أو البسيطة، وإمكان إعادة التصويت أكثر من مرة، كما طالبت المبادرة بالعمل على إيجاد نظام جديد يوجب اتباع أسلوب الدبلوماسية الجماعية في تنفيذ القرارات التي تصدر عن الجامعة وتتصل بالعلاقات الإقليمية والدولية للدول العربية. وتؤكد المبادرة على ضرورة تطوير جهاز الأمانة العامة للجامعة العربية، حيث تطالب بتطعيم جهاز الأمانة بأفضل العناصر، وبإعطاء أولوية لسداد أنصبة الدول الأعضاء في ميزانية الجامعة، والتفكير في وسائل أخرى غير مباشرة لدعم موارد الأمانة العامة. وفيما يتعلق بالإطار الشكلي الأمثل لتطوير النظام العربي؛ طرحت المبادرة المصرية ثلاثة بدائل هي: إما صياغة ميثاق جديد، أو الاكتفاء بتعديل الميثاق الحالي، أو إضافة ملاحق عليه على غرار ما حدث بالنسبة لدورية القمة. وهو الاقتراح الذي تميل المبادرة إلى تفضيله. محاولات يائسة يرى د. محمد السيد سعيد أن التاريخ قد قدم لنا محاولات يائسة للإصلاح المتأخر لنظم وإمبراطوريات عليلة مماثلة لحالة النظام العربي. وقد عاش بعضها حياة رمزية طويلة دون طائل أو معني؛ ففي أوروبا كانت هناك حالة الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وهي تشبه حالة النظام العربي من حيث إن أهلها كانوا ينخرطون في مناظرات عقيمة حول البيضة والدجاجة والأعداء علي الأبواب. وهناك حالة الخلافة العباسية في حقبتها الثانية، وهي تشبه حالة النظام العربي من حيث إن الجميع استغلها من أجل الشرعية بشرط بقائها مفككة وخالية من الحياة، وقد نقترب أكثر من واقعنا الراهن لنري حالة الإمبراطورية العثمانية التي راهن عليها الرعيل الأول من المصلحين العرب والمسلمين دون طائل لأنهم ظنوا أن إصلاحها ممكن إذا ما صار المستبد عادلاً، أو لو أنه قبل الحكومة الشورية؛ فلم يحدث هذا ولا ذاك. وهناك تجربة أحدث؛ هي التجربة السوفيتية التي تشبهنا في مناح كثيرة. ونأمل في ألا يؤدي الإصلاح المتأخر عندنا إلي ما حدث في هذه الحالة الأخيرة التي انفجرت في الهواء؛ فلا هي انصلح حالها، ولا هي احتفظت بأشلائها ولا بروحها. هذه الحالات كلها يجمعها قانون واحد، وهو أنها كانت محاولات ضعيفة للإصلاح تأخرت كثيراً عن زمنها، وقلت كثيراً عما هو مطلوب للإنقاذ، وهي افتقدت القدرة علي مخاطبة من لهم مصلحة؛ فلم يتأسس منهم تحالف قادر علي بذل التضحيات الضرورية لبعث الحياة في الرجل المريض. وجربت نفس العقاقير القديمة التي قد تشفي عرضاً ولكنها لم تكن تفيد في علاج علل كامنة في الروح والعقل ذاته، وهذا هو العيب الجوهري في القول بالتدرج والحلول الجزئية. ويقول د. محمد السيد سعيد: إننا كنا نفضل ورقة للتطوير تملك شجاعة المكاشفة الكاملة بعلل السياسة والمجتمعات العربية، وتضع قائمة تحدد توجهاتها المستقبلية انطلاقاً من قيم أساسية, فالهدف هو إنعاش الحضارة العربية الإسلامية، وتوفير المستلزمات الثقافية لتحديثها ومشاركتها المبدعة في الحضارة العالمية، ويعني ذلك القطيعة مع ثقافة التواكل والشكوى والاستبداد وإحلالها بثقافة الوضوح والتضحية والشجاعة المعرفية، وطلب التقدم والمساواة وإنهاء الاستبداد والفساد، والخطاب القادر علي تحقيق الإنعاش المرجو هو - تحديد- خطاب العقل والتقدم والمصلحة العامة وكرامة الإنسان والمواطنة المزودة بالأخلاق والفضائل المدنية والإنسانية الرفيعة. مبررات التطوير بينما يؤكد د. محمد شوقي عبد العال -أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة- أن تطوير جامعة الدول العربية أضحى أمرًا لا مفر منه إن أريد لها أن تبقى وأن تضطلع بدور أكثر فعالية في حياة الوطن العربي وفي تحقيق أهدافه وآماله . فلقد تحولت جامعة الدول العربية - نتيجة لمرور الزمن، وبيروقراطية الأداء- إلى عبء ثقيل على العمل العربي المشترك، بدلاً من أن تكون أداة لتفعيله، الأمر الذي أتاح الفرصة لدعاة التشرذم والقُطرية، وأعطاهم المبرر للبحث عن تجمعات أخرى تقتطع من الجامعة ولا تضيف إليها، وذلك في وقت سعت فيه أطراف دولية كبرى عديدة إلى تجاوزها وتقويض دورها. والحاجة إلى تطوير الجامعة تجد أساسها ومبررها عند د. محمد شوقي عبد العال في عاملين رئيسين هما: أولاً: طول الفترة الزمنية؛ فلقد مضى ما يربو على خمس وخمسين سنة منذ وضع ميثاق الجامعة في عام 1945، تغيرت فيها - جملة وتفصيلاً- الظروف الداخلية والإقليمية والدولية كافة المحيطة بالدول العربية وبجامعتها، كما تغيرت فيها - كذلك- التحديات التي تواجه هذه الدول والطموحات والآمال التي تسعى إلى تحقيقها، الأمر الذي استوجب -بداهة- السعي إلى تطوير الجامعة؛ لتتوافق مع هذه الظروف الجديدة، ولتعمل على تحقيق هذه الآمال والأهداف المستحدثة، لا سيما وجامعة الدول العربية ربما كانت هي التنظيم الدولي الإقليمي الوحيد الذي لم يشهد طوال تاريخه الطويل تطويرًا حقيقيًا في الأهداف والآليات على نحو ما شهدت تجارب تنظيمية مماثلة؛ كتجربة الاتحاد الأوروبي الذي بدأ مجرد اتحاد بين بعض الدول الأوروبية في بعض مجالات تصنيع الفحم والحديد فقط، وانتهى به الحال في وقتنا الراهن إلى شيء قريب من الوحدة الاقتصادية الكاملة؛ بل والسعي إلى تحقيق الوحدة السياسية بين الدول الأعضاء فيه، الأمر الذي استلزم تعديلاً في المواثيق والهياكل والمؤسسات عدة مرات؛ لتتوافق مع الظروف والمتغيرات الدولية، ولتتلاءم مع الأهداف الجديدة والسعي إلى تحقيقها، أو حتى تجربة "منظمة الوحدة الأفريقية" التي تحولت أخيرًا إلى اتحاد أفريقي ذي آليات وأهداف جديدة. ثانياً: أوجه قصور الممارسة، التي كشفت عن ثغرات عديدة في ميثاق جامعة الدول العربية وفي هيكلها التنظيمي. من ذلك على سبيل المثال؛ أن نظام التصويت واتخاذ القرارات فيها قد جاء مفرطًا في تمسكه بسيادة الدول الأعضاء، ولو على حساب المصالح المشتركة لها، وهو ما ظهر في لجوئه إلى اشتراط الإجماع في اتخاذ القرارات. وبدهي أن اللجوء إلى قاعدة الإجماع هذه يحد من عوامل التضامن الموضوعية التي تجمع بين الدول العربية في ميادين مختلفة؛ إذ يبقى بإمكان أية دولة من الدول الأعضاء في الجامعة أن تتستر بمبدأ "السيادة" للحيلولة دون إصدار قرارات تتعلق بقضايا ذات أهمية جماعية أو قومية، الأمر الذي ساهم - إلى حد كبير- في شلِّ إرادة المنظمة، وأضعف من فاعليتها، وحال دون قيام الكثير من أجهزتها بوظائفها في مناسبات عديدة، كما حال دون تطبيق بعض العقوبات التي نص عليها الميثاق في مواجهة الدول التي لا تقوم بما يفرضه عليها من واجبات. ومن ذلك أيضًا غياب محكمة عدل عربية تتولى الفصل فيما يثور بين الدول الأعضاء في الجامعة من منازعات قانونية؛ فعلى الرغم من نص الميثاق في المادة التاسعة عشرة منه على أن قيام محكمة عدل عربية هو من المسائل ذات الأولوية عند بحث تعديله، وعلى الرغم من إقرار مجلس الجامعة في عام 1950 مشروع تأسيس هذه المحكمة، بالإضافة إلى ظهور العديد من الدراسات الفقهية الداعية إلى إنشاء مثل هذه المحكمة؛ فإن شيئًا ذا بال لم يتحقق في هذا السبيل حتى الآن، الأمر الذي اضطرت معه "قطر" و"البحرين" - على سبيل المثال- إلى رفع خلافهما الحدودي إلى محكمة العدل الدولية لتسويته قضائيًا، دون اللجوء إلى الجامعة العربية التي كان يُفترض أن تكون - من خلال محكمتها المبتغاة- هي الملجأ لتسوية مثل هذا الأمر. مجلس أمن عربي يفرض آراءه أما د. محمد نعمان جلال -المندوب الأسبق لمصر لدي الجامعة العربية-؛ فيرى أن العمل العربي المشترك بقي رهين حقيقتين مهمتين؛ الأولي: مبدأ السيادة والمساواة القانونية المتصلة بها، والثانية: مبدأ انفصام الذات لدي الشخصية العربية التي تعلن غير ما تبطن، ولا تنفذ ما توافق عليه وتنتهج مبدأ المزايدة والمداهنة. وأدى ذلك كله للدوران في حلقة مفرغة وآمال زائفة في الإصلاح والتطوير والتغير هي أشبه بالحمل الكاذب أو بالأسلحة الفاسدة. وفي تقدير د. نعمان جلال أن الإصلاح بالغ الصعوبة لانعدام توافر النية الحقيقية لدي الدول العربية, ولعدم الصدق مع الذات لدي الكثيرين, ولعل منطلق الإصلاح ينبغي أن يكون بالعودة لأبجديات علم العلاقات الدولية التي تتمثل في حقيقتين متناقضتين؛ أولاهما: حقيقة المساواة القانونية لكل الدول, وثانيتهما: حقيقة انعدام المساواة الحقيقية بين الدول, ولعل ميثاق الأممالمتحدة أدرك هذه الحقيقة، وقدم لها الحل النموذجي الذي لا ترضى عنه كثير من الدول الصغرى من خلال إنشاء مجلس الأمن كعضوية محدودة, وإيجاد مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية كمركز للقيادة والتوجيه العالمي، وأنه في حالة اتفاق هذه الدول يحدث إجبار للباقين علي السير وفقا لما يتقرر, وفي حالة الاختلاف يحدث جمود في الحركة الدولية للمنظمة العالمية، ورغم عيوب ذلك الحل إلا أنه يعبر عن السياسة الواقعية القائمة علي توازن أو عقد توازن القوي بين الدول، ومن ثم نقول: إن الحل الأمثل أو نقطة البداية لجامعة الدول العربية في ثوبها الجديد ينبغي أن يكون بإنشاء مجلس أمن عربي من خمس دول على أكثر تقدير، يكون صوتها ضرورياً لاتخاذ أي قرار، ويفرض القرار علي الدول الأخرى علي غرار فرض قرارات مجلس الأمن الصادرة وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. ويقترح د. نعمان جلال اختيار الدول الخمس العربية كالآتي: دولة خليجية، ودولة مشرقية، ودولة مغربية، ودولة شرق أفريقية عربية، وذلك بالإضافة إلى مصر كدولة مقر، وكأكبر دولة عربية من حيث القوة البشرية ذات الوزن الثقافي والاقتصادي, وهي حلقة الاتصال بين مشرق العالم العربي ومغربه. ولاشك أنه إذا كان عدد الدول المؤثرة المقترحة ثلاثاً بدلاً من خمسة أعضاء يكون ذلك أفضل في سرعة اتخاذ القرار وجدية المداولات وفعالية الالتزام الذي ينبغي أن يفرض علي الجميع، ولعل تجربة الأصوات ذات الوزن في الاتحاد الأوروبي خير دليل علي ذلك, كما أن الولاياتالأمريكية الخاضعة ضمن دولة الولاياتالأمريكيةالمتحدة تأخذ بالصوت المختلف الوزن وفقاً لعدد السكان في انتخابات الرئاسة وفي مجلس النواب. ومن ثم فإن دعوتنا هذه تستند لحقائق واقعية في السياسات الدولية أو في السياسات الداخلية للدول، أما الدعوة للتصويت بالأغلبية بدلاً من الإجماع؛ فلا معني لها فلو افترضنا أن الأغلبية ليس بها دولة مثل مصر أو المملكة العربية السعودية فهل سيكون ذلك منطقيا، لقد صوتت الدول العربية بما يشبه الإجماع لتجميد أو تعليق عضوية مصر في الجامعة إثر "كامب دافيد" عام 1978؛ فهل استفاد العمل العربي من ذلك؟. إن أول مبادئ السياسة الواقعية هو معرفة أوزان الدول وأدوارها.. فإذا افترضنا أن قراراً بالمقاطعة الاقتصادية أو باستخدام سلاح النفط لا توافق عليه السعودية وأيده الآخرون بالإجماع؛ هل سيكون ذلك قراراً منطقياً؟!. عاصم سيد عن موقع: الإسلام اليوم