صدر أخيرا، عن المطبعة الوطنية، كتاب جديد للكاتب والفنان التشكيلي المغربي، محمد البندوري، يحمل عنوان "جمالية الخط العربي في تقويم النص الشعري بين النقاد العرب القدامى والمحدثين"، لمؤلفه. يتصدى الكتاب، الذي صدر ضمن منشورات مركز الحمراء للثقافة والفكر في طبعة أنيقة، إلى جمالية الخط العربي ودورها في تقويم النص الشعري بين النقاد العرب القدامى والمحدثين. حاول الكاتب، من خلال هذا البحث أن يجد للخط العربي مساحة في النقد الأدبي العربي باعتباره أحد الرموز المهمة في بناء الحضارة الإنسانية، إذ أن المثقف العربي وعى جماليته وأهميته وروحانيته، منذ عهده بالكتابة، فأصر على إبرازه في التحف الفنية وجدران المساجد والقصور وغيرها، وبرع الخطاط العربي في هذا المجال إلى حد جعل كل دارسي الخط العربي يجمعون على أن الفنان العربي جعل للكلمة وظيفة جمالية بصرية إلى جانب وظيفتها السمعية، ليشكل بذلك لغة جديدة للتعبير دون أن يغفل المنطق، الذي ارتكز عليه الجمال في أصوله وحرفياته، وإبراز مقولاته، وفي القيم التي لم يكشف عنها بعد. يقول البندوري في كتابه "استمد الخط العربي قيمته وكيانه الجمالي من القدسية، التي أحاطت بالآيات القرآنية ومأثور القول وحسن الحكم، وجمال وجودة الشعر، فجمع بذلك جمال المعنى وجمال المبنى، لتتشرب حروفه تلك المعاني في جلالها، حتى عد النص المكتوب جزءا من المنطق الجمالي للخط العربي، لأن الكثير من الجانب التذوقي فيه يعتمد على جمال المعاني المدركة، التي يثيرها النص، وهو أحد الركائز التي يوليها الخطاط العربي عناية فائقة عندما ينتقي النصوص، النثرية منها والشعرية، للدلالة المفاهيمية، أو لسحر العلاقات القائمة بين حروفه في تكوينها وإيقاعها وتشكيلها". بالنظر لغنى الخط العربي وتفوقه بأبعاده الرمزية والإيحائية الكثيرة والمتنوعة، ألفى فيه المتصوفة أداة طيعة لنقل مشاعرهم وتبليغ ما يختلج في قلوبهم من لواعج حول المحبوب، إذ يعتقدون جازمين أن للحروف قيمة رمزية تقوم على استجلاء العديد من الحقائق، ما عمق من صيغ الجمال والجلال، التي رافقت الخط العربي منذ بداياته مع القرآن الكريم وطيلة مسيرته الطويلة بين حقول معرفية ومجالات فنية مختلفة. أدركت الفنون المعاصرة دور الخط العربي في إضفاء جماليات على بنياتها، فاعتمد الفنانون التشكيليون مثلا على الخط العربي اعتمادا كبيرا، بالنظر إلى انفتاحه ورمزيته اللامتناهية، مما يضفي على اللوحة التشكيلية أبعادا جمالية ورمزية جديدة، تزيدها تأنقا وتغني من دلالاتها المتناسلة. وكما دخل الخط العربي مجال التشكيل، ولج إلى الشعر منذ زمان، قديمه وحديثه، فشد انتباه الشعراء المبدعين، ليوظفوه بكل أبعاده ودلالاته وإمكاناته التشكيلية المطاوعة لتصوراتهم، بما يتميز به الحرف العربي من مدود، واتكاءات واسترسالات وغيرها، وجمع بين الخطوط اللينة والحادة في تناغم يستفز حاسة البصر، خصوصا عندما يتجاوب ويتفاعل مع المتطلبات الجمالية، التي يفرضها الجمال الفني للنصوص الشعرية. وقد أثار بذلك تساؤلات عدة، لامست كل الميادين ذات الصلة المباشرة باحتياجات الإنسان الجمالية والوظيفية. وإن استخدامه في الفنون البصرية والتشكيلية بما يضفيه عليها من طابع عربي إسلامي، أحد الموضوعات التي تستند إلى منطلقات فكرية وجمالية نقدية، وثيقة الصلة بالتراث العربي.