يودع المغرب سنة 2010 دون توفير الحماية لأزيد من 174 ألف طفل، دون إنقاذ آلاف الخادمات الصغيرات من البطش والاستغلال الجسدي، بل والجنسي، الذي يتعرضن له، وراء أبواب المنازل المغلقة. "المغربية" استقت أراء فاعلين اجتماعيين حول هذه الظاهرة، التي تحرم الأطفال من الرعاية الأسرية، والتعليم، لترمي بهم في الشوارع وفي أحظان الرذيلة أفادت مجموعة من الخادمات في تصريحات استقتها "المغربية" أن أغلبية ربات البيوت يمنعن الخادمات الصغيرات من الخروج من المنازل، مخافة الهروب من القهر والتعذيب، الذي يخضعن له، ولا يخرجن إلا رفقة مشغلاتهن. تقول حليمة (14 سنة)، خادمة، ل"المغربية"، إن أختها زينب (تصغرها بثلاث سنوات)، كانت تشتغل بحي سيدي معروف، بالبيضاء، وتمنعها مشغلتها من الخروج من البيت، بحجة الخوف من الاعتداء عليها من طرف الغرباء، فيما أشارت إلى أن السبب الحقيقي هو الخوف من خروجها دون عودة إلى المنزل، لأنها كانت تعتمد عليها في الأشغال المنزلية. وأضافت حليمة في حديثها أنها بكت بحرقة، خلال زيارتها لأختها زينب بعد عيد الأضحى، وقالت "كانت زينب طريحة الفراش، هزيلة، ذات وجه شاحب، ولا تقوى على الأنين، انهمرت الدموع من عينيها عند رؤيتي وعانقتني بقوة، وقالت لي أريد أن أعود إلى منزلنا، وأرغب في أن أكون إلى جانب أمي وإخوتي". رأت حليمة آثار الحروق بجسد أختها الصغيرة، وعلمت منها أن ربة البيت "وضعت قضبان الحديد المستعملة للشواء على النار، ثم كوت يديها ورجليها، لدرجة أنها أصيبت بعجز عن الوقوف لمدة 14 يوما". عاقبت ربة البيت زينب الصغيرة، حسب أقوال أختها، لعدم انتباهها لاحتراق وجبة من اللحم أيام عيد الأضحى. قالت حليمة "استنجدت أختي بإحدى الجارات، التي تدخلت بعد فوات الأوان، وعللت ربة البيت لجاراتها اعتداءها على الطفلة بعدم شعورها بما كانت تقوم به، وأن أعصابها كانت متوترة بسبب نزاع سابق مع زوجها" كتمت حليمة ما علمت من أختها زينب عن المشغلة، وبعد مغادرتها منزل المشغلة أخبرت والديها، اللذين طلبا تدخل الوسيط "سمسار" في الموضوع، لجهلهم عنوان المشغلة، وعمل السمسار على إعادة الطفلة إلى منزل والديها بتاونات. خادمات بالجملة تُنقل عشران الفتيات من مدينة تاونات إلى المدن الكبير للاشتغال كخادمات، حسب شهادة وفاء، (15 سنة)، التي التقتها "المغربية" بساحة سوق درب غلف بالبيضاء، حيث تأتي سيدات على سيارات فارهة للبحث عن خادمات في البيوت. وأضافت وفاء أن مجموعة من سائقي الشاحنات التي تنقل البضائع من شمال المغرب إلى البيضاء، يتوسطون في جلب خادمات من بعض الدواوير التابعة لتاونات، تلبية لطلب بعض السماسرة بالعاصمة الاقتصادية. تشكو عدة خادمات، حسب أقوال وفاء، قسوة المشغلين، والاستغلال في أعمال متعبة، إضافة إلى ارتفاع ساعات العمل، فيما اعتبرت الهروب من المنازل الوسيلة الوحيدة للنجاة من العقاب، الذي ينلنه من ربات البيوت في حالة ارتكابهن بعض الأخطاء، التي يمكن أن تصدر من أي شخص، خاصة في حالات تكسير الأواني أو عدم إتقان بعض الأعمال المنزلية. تقول مريم كمال، منسقة "الائتلاف من أجل حظر تشغيل الطفلات كخادمات بيوت"، ل"المغربية"، "يتعذر على عدد من الخادمات القاصرات العودة إلى منازلهن، لأن أغلبهن يُجلبن للعمل في سن مبكرة، لا يغادرن منزل المشغل إلا في الحالات الخاصة، ولا يعرفن المدينة التي يتوجهن إليها لأول مرة في حياتهن، كما لا يعرفن الأحياء التي يشتغلن بها، ما يعرض بعضهن للضياع، بعد الهروب من مقر العمل". الهروب من التعنيف تحدثت مريم كمال عن حالة الخادمة فاطمة، البالغة 12 سنة من عمرها، وجرى تعنيفها من طرف مشغليها بالبيضاء، ولم يكن أمامها سوى الهروب من العمل. وأفادت أنه نظرا لعدم وجود مراكز مخصصة لإيواء الأطفال في وضعية فاطمة، وغياب إجراءات خاصة لمعالجة وضعيتها، مرت الطفلة من مراكز عدة للإيواء بمساعدة الشرطة القضائية ومصالح العدل. وأكد الطبيب، الذي فحصها بمستشفى بوافي، خطورة حالتها الصحية والنفسية، مشيرا إلى وجود آثار تعذيب وجروح مؤلمة في جميع أنحاء جسمها بما فيها الأعضاء التناسلية. يصعب تحديد الحالات التي غادرت، السنة الجارية، منازل المشغلين وتعرضت للضياع، حسب كمال، التي قالت إن 30 من المائة من الفتيات، اللواتي تستقبلهن جمعية "بيتي" بالبيضاء، سبق أن اشتغلن خادمات بيوت. يعمل الائتلاف، الذي يضم جمعيات عدة، على تحسيس الآباء، خاصة بشيشاوة، حول الأخطار التي تتعرض لها الخادمات القاصرات، ويركز خلال لقاءات تواصلية مع سكان بعض دواوير المنطقة، على إلزامية التعليم بالنسبة للفتيات، ووجود قانون يمنع تشغيلهن في سن مبكرة. وإذا كان استغلال الفتيات يجري داخل البيوت في الخفاء، يستغل الأطفال في حمل الأثقال بالحقول، وفي جني بعض الثمار، تحت أشعة الشمس الحارقة، أو ببعض الحرف، التي تعتبر ملوثة للبيئة، مثل الدباغة والحدادة. وذكر تقرير الائتلاف من أجل حظر تشغيل الطفلات كخادمات، توصلت "المغربية" بنسخة منه أن المندوبية السامية للتخطيط أفادت، من خلال نتائج البحث، الذي أجرته على المستوى الوطني بشأن التشغيل خلال الربع الأول من سنة 2009، بأن حوالي 174 ألف طفل من مجموع ال 8،9 ملايين طفل، الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة، داخل المغرب، يُوجهون للعمل في سن مبكرة، تمثل فيهم الفتيات نسبة عالية.