يشكل الفراغ القانوني وتجميد مشاريع الحكومة أهم أسباب تفشي ظوار الاستغلال الجنسي للأطفال واستغلالهم في التشغيل دون السن القانوني مما جعل المغرب يصنف في المرتبة الثانية في التقرير السنوي الثامن الذي أصدرته وزارة الخارجية في 4 يونيو المنصرم عن أوضاع ممارسة الاتجار بالبشر في العالم الذي يتناول 071 دولة في العالم. وصنف تقرير الخارجية الأمريكية المغرب في الفئة الثانية وهي التي تدرج فيها الدول التي لا تمتثل حكوماتها كليا للحد الأدنى من معايير قانون حماية ضحايا المتاجرة بالبشر. ورغم مرور أكثر من سنتين على انتهاء الاشتغال على الخطة الوطنية للطفولة فإن مضمامينها بقيت حبرا على ورق مثلها مثل عدة مشاريع تهم أوضاع الطفولة المغربية، وهو ما يحتم مساءلة الحكومة حول رجال ونساء الغد. المغرب منتج أقر المسؤولون عن إنجاز التقرير المذكور بـأن المغرب تراجع كثيرا في هذا المجال إلى جانب العديد من الدول العربية. ووصف التقرير المغرب كبلد منتج ومولد لظاهرة استغلال الأطفال، سواء في خدمة البيوت أو في الجنس، داخل ترابه الوطني، كما جاء في التقرير أن المغرب هو أيضا بلد يصدر ويستضيف نساء ورجالا يتعرضون باستمرار للاستغلال الجنسي من أجل غايات مادية. وكشف التقرير السنوي الثامن للمتاجرة بالبشر، الذي تم رفعه إلى الكونغرس الأمريكي، أن الأطفال المغاربة يخضعون لنوع من الاستغلال اللاإرادي، ذكورا وفتيات، حيث يتم استغلالهم في عالم الدعارة بالمغرب، ويزداد تعاطيهم للسياحة الجنسية يوما عن يوم. وأضاف معدو التقرير أن هناك أيضا ظاهرة تهريب شباب وشابات مغاربة، من أجل الاستغلال الجنسي، إلى كل من العربية السعودية، قطر، سوريا، الإمارات العربية المتحدة، قبرص وبعض الدول الأوربية. وصرح خالد الشرقاوي السموني رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان لـ التجديد بأن التقرير وإن لم يعمم الاستشارة على كل المنظمات غير الحكومية، ولم تكن إحصاءاته دقيقة فإنه سلط الضوء على مشكل طالما نددت به هيئات مدنية مغربية، ويتمثل في الاستغلال البشع للأطفال، سواء كان استغلالا جنسيا أو عبر تشغيلهم دون السن القانوني للتشغيل. وحسب تقرير نشره التحالف ضد الاستغلال الجنسي للأطفال بالمغرب سنة 2007, فإن أغلب ضحايا الاستغلال الجنسي هم أطفال دون العاشرة من العمر. وأوضح التقرير أن حوالي 80% من حالات استغلال القاصرين هي اعتداءات جنسية، وأن 75% من المعتدين من أقارب الأطفال. وعزا المصدر هذه الظاهرة إلى عوامل اجتماعية ونفسية أهمها الفقر والتفكك الأسري والانحراف الجنسي المرضي، وانعدام التربية والسياحة الجنسية. وتوقف التقرير عند ظاهرة شبكات البيدوفيليا الغلمانية أو الميل الجنسي للأطفال فذكر أن السلطات اعتقلت عددا من السياح الأجانب المتورطين باعتداءات جنسية على القاصرين، والمتاجرين بأعراضهم عن طريق الصور والأفلام والمواقع الإلكترونية الخاصة بهذه الآفة الخطيرة. وقدم نموذجا على ذلك من خلال الفرنسي هيرفيه المعتقل بمراكش الذي ضبطت في حاسوبه الشخصي 17000 صورة و140000 تسجيل عن طريق الفيديو كان يرسلها لمواقع إباحية. ولاحظ التحالف ضد الاستغلال الجنسي للأطفال أن الأجانب المتورطين بالاعتداءات الجنسية على أطفال المغرب ليسوا فرنسيين أو بلجيكيين أو هولنديين أو ألمانيين فحسب بل فيهم أيضا عرب. فراغ قانوني أرجع خالد الشرقاوي السموني سبب تفشي ظاهرة استغلال الأطفال إلى الفراغ القانوني إذ لم تتم بعد المصادقة على مشروع قانون يخص خدم المنازل الأطفال، وتساهل القانون الجنائي مع مستغلي الأطفال جنسيا من خلال تخفيف العقوبة المتخذة في حق الجناة. وأضاف السموني أن الحكومة لم تقم بدورها المنوط بها في حين أن المجتمع المدني المشتغل على قضايا الأطفال يبدو تأثيره في الساحة المجتمعية أكثر مقارنة مع الأداء الحكومي، فبفضل الجمعيات المدنية أصبح الوعي لدى الآباء بكسر حاجز الصمت أمام الاعتداءات التي يتعرض لها الأطفال. وخصص التقرير، الذي وصف المغرب في فقرات طويلة بـالبلد المنتج لدعارة الأطفال، إحدى فقراته للحديث عن فتيات مغربيات مستقطبات من البادية المغربية، يتم استقدامهن من أجل الخدمة في البيوت بالمدن، ولكنهن يواجهن دائما نفس المصير: التقليص من تحركاتهن وسجنهن في بيوت الخدمة، ولا تصرف لهن أجورهن، ويتعرضن للعنف الجسدي والاستغلال الجنسي من طرف أرباب وربات البيوت. وحسب إحصاءات مغربية فقد بلغ عدد العاملين خدم المنازل في المغرب حسب بعض الدراسات المنجزة 86000 خادما أغلبهم من الفتيات القاصرات اللائي ولجن سوق العمل مكرهات بسبب الفقر وتفكك الأسر وعدم استيعابهن من قبل المدرسة العمومية علاوة على الأمية السائدة في بعض الأسر، وذلك حسب ما جاء على لسان مصطفى المنصوري وزير التشغيل والتكوين المهني السابق في ندوة وطنية نظمت بالرباط في يوليوز من السنة الماضية حول: العمل المنزلي بالمغرب: من أجل تشريع ملائم. ونظرا لغياب تشريع لفئة خدم البيوت فإنها تتعرض للاستغلال واغتصاب الطفولة بالنسبة للفتيات القاصرات. وكانت كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين أعدت برنامجا لمحاربة تشغيل الطفلات الخادمات إنقاذ يدعو إلى توفير شروط إعادة إدماجهن، لكن يبدو أن البرامج تعد للرفوف. خطة مجمدة رغم انتهاء الاشتغال على الخطة الوطنية للطفولة في ديسمبر 2005 إلا أن غالبية الإجراءات التي أوصت بها بقيت دون تفعيل ومنها: ووضع قانون حماية الطفل ووضع قانون لتقنين عمل خدم المنازل ولمنع تشغيل الطفلات الصغيرات، ووضع قانون للمساعدات الاجتماعيات، ومراجعة قانون رعاية الأشخاص المعاقين، بالإضافة إلى وضع قانون جديد للسير. وبجمود الخطة الوطنية للطفولة تكون الحكومة قد أجلت ورشا اجتماعيا يؤثر على مستقبل الأسر المغربية ما دام أطفال اليوم هم نساء ورجال الغد. السياحة الجنسية تشمل سياحة ممارسة الجنس مع الأطفال، حسب تقرير الخارجية الأمريكية، أشخاصاً يسافرون من بلدهم، وغالباً ما يكون بلد ممنوع فيه الاستغلال الجنسي للأطفال ويعتبر غير قانوني أو بغيض ثقافياً، إلى بلد أخرى ليمارسوا الجنس التجاري مع الأطفال. السياحة لممارسة الجنس مع الأطفال هي اعتداء فاضح على كرامة الأطفال وتشكل إساءة فظيعة للأطفال. يؤدي الاستغلال الجنسي التجاري للأطفال إلى تداعيات مدمرة على القاصرين قد تشمل صدمات جسدية ونفسية تدوم طويلاً، والمرض (بما في ذلك مرض نقص المناعة المكتسبة/الإيدز)، الإدمان على المخدرات، والحمل غير المرغوب به، وسوء التغذية والنبذ من المجتمع، وربما الموت. وقال خالد الشرقاوي السموني إن الا ستغلال الجنسي للأطفال يعد وصمة عار على جبين المسؤولين ويتطلب تحركا على عدة مستويات أولها الجانب التشريعي بإقرار قانون يجرم الاستغلال الجنسي للأطفال، وتشديد العقوبات على مرتكبي جريمة الاستغلال الجنسي، ومناهضة السياحة الجنسية التي تستهدف الأطفال. ويذكر أن المركز المغربي لحقوق الإنسان كان قد أطلق حملة المليون توقيع ضد السياحة الجنسية في السنوات القليلة الماضية لقيت استجابة من الهيائات والأفراد.