كثيرا ما ترتاح الأم، عندما تشغل فيلما للرسوم المتحركة، لطفلها، الذي يجلس إلى شاشة التلفزيون، دون أن يستطيع أحد تحويل انتباهه إلى شيء آخر، غير ما يشاهده من حركات لأشخاص كرتونية تتحرك أمامه، في عالم عجائبي.ولعل ما يريح الأم أكثر هو أنها، فقط أفلام كرتونية، تثير فيه حب الفضول، وتشد انتباهه، ما يجنبها هي شغبه الذي لا يترك لها مجالا لترتيب البيت. لكن خبراء الطفولة لا ينظرون إلى الأمر من الجانب الإيجابي، الذي يرضي الأم، ويريحها، بل يحذرون من الانعكاسات السلبية التي لها تأثيرها القوي وغير المباشر خصوصا، حين يتعلق الأمر بالأفلام الكارتونية، التي تحتوي على مشاهد عنف تؤثر سلبا على الطفل، مؤكدين أن ذلك العنف أصبح بمثابة "رسالة" في تلك البرامج، ما يساهم في توجيه خيال الطفل إلى عالم العنف والجريمة، ويأخذه بعيدا عن القيم التربوية والإنسانية المهمة، التي ينبغي أن تزرع فيه، خلال فترة الطفولة. وحذر الأخصائيون من مغبة الاستهلاك الكثيف لهذه الأفلام، دون القيام باختيار الأفيد منها للطفل، خاصة حين يستأنس بتلك الرسوم، التي لا تعكس الواقع، بل تعتمد على البطولة الخيالية المستحيلة، التي تستهوي الأطفال بشكل عام، وتجعلهم يعيشون حلما أن يصبحوا أبطالا بدورهم. ويقصد هنا عدد من الأفلام، التي اكتسبت شهرة واسعة، وعرفت إقبالا منقطع النظير، رغم أنها لا تحمل أي رسالة تثقيفية أو تربوية، كما هو مفترض في البرامج الخاصة بالأطفال، بل هي في أغلبيتها، خاصة الأفلام الكارتونية الأجنبية، تنطوي على مشاهد عنف، يجد فيها الأطفال "متنفسا" لتفريغ انفعالاتهم. وأثارت ردود أفعال الأطفال العديد من التخوفات، إلى درجة أن المختصين أعدوا دراسات وأبحاث في هذا المجال، حتى يقفوا على طبيعة التأثير الذي تخلفه الرسوم المتحركة العنيفة في نفسية الطفل. وبالفعل، خلصت هذه الدراسات إلى أن: - الأطفال يتعلمون العنف، من خلال مشاهدة أشخاص يقومون به في وسائل الإعلام. ويقلدون العنف الخيالي إلى عنف واقعي. - إن تكرار التعرض لمشاهد العنف، في وسائل الإعلام، يؤدي إلى انعدام الإحساس تجاه العنف، والسلوك العدواني، دون اعتداد بمبادئ التسامح، التي كان من المفترض أن تزرع فيهم. - لم يثبت علميا، لحد الآن، أن مشاهد العنف، في التلفزيون، من شأنها التنفيس عن المشاعر العدوانية المختزنة داخل نفسية الطفل. لهذا، فإن الرسالة التلفزيونية تفقد خصوصيتها لتتحول إلى نتيجة عكسية مفادها تنمية العنف والسلوك العدواني، لدى الأطفال، لأن مشاهد العنف المعروضة على الشاشة تعكس، بالنسبة إليهم، العالم الحقيقي. ويرى خبراء الطفولة أن المرحلة الأولى، من عمر الطفل، حساسة جدا، ويكون فيها الطفل قابلا للتأثر بالعالم الخارجي، وما حوله من أفكار وقيم، خصوصا الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم ما بين سنة و3 أعوام. لذا، يطالبون بأن تكون هناك رقابة على أفلام الأطفال، تحدد فيها آلية وقوانين واضحة، من قبل الأهل، تحمي خيال الطفل، وميوله في التنشئة، ويحذرون من خطورة تعزيز الجريمة لدى الطفل، من خلال تقليد الأدوار، التي يشاهدونها، مذكرين بعدد من الأطفال، الذين تعرضوا للموت، بسبب تقليد شخصية أحبوها وتعلقوا بها، فقط لأن عقليتهم كانت ما تزال غير ناضجة، لفهم المشاهدات ومدى حقائقها. وليس هذا وحده، بل إن المبالغة في مشاهدة أفلام الكرتون، ولعب الفيديو، في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، قد يؤدي إلى تراجع معدلات ذكائه، وقدرته على التواصل والتحصيل، في حين اعتاد الآباء والأمهات على ترك أطفالهم جالسين أمام شاشة التلفزيون، طوال اليوم، دون محاولة التعرف على المضمون، المقدم لهم. وأثبتت الأبحاث والدراسات أن معدل جلوس الأطفال أمام التلفزيون، هو حوالي 23 ساعة، أسبوعيا، بما يتخلل ذلك من مشاهد عنيفة وخيالية، تبلد الإحساس لدى الطفل فلا نجده، مثلا، يحزن من مشاهد الموت، أو يتأثر لمنظر الدماء وغير ذلك، لأن الأمر أصبح، بالنسبة إليه، اعتياديا، لا يثير أي انفعال لديه، وهذا، ما يؤثر على براءته أيضا. وهكذا، يمكن أن يحدث للطفل نوع من الخلط، بين الواقع الافتراضي، الذي يعرض أمامه، وبين الواقع الحقيقي، الذي يعيشه، فعندما يشاهد الطفل بطل مسلسل كرتوني، مثلا، تسقط عليه صخرة كبيرة، ثم يرفعها عنه، ويركض، فهذا واقع افتراضي يصدقه الطفل، وربما يقوم بإيذاء أخيه الصغير، اعتقادا منه أنه لن يحدث له مكروه.