بقلم : محمد حسيكي الفصل الأول : بداية نحيي القارئ المهتم، لنقدم الموضوع من بوابة اهتمام المجتمع بالفرد وتطلعاته المستقبلية، وأيضا الفرد من جهته بالتنمية الاجتماعية التي تنتعش منها حياة الفرد، ومن تمة كانت الاهتمامات والاعباء الصحية متقاسمة، الفرد يتحمل أعباء الامراض، والمجتمع يتحمل أعباء الأوبئة، مما جعلنا نتناول الموضوع من فصلين يخصان الفرد والمجتمع . وهكذا وفي ظل الصخب الاعلامي الدولي، حول وباء كرونة فيروس المستجد، واجتياحه للعديد من المجتمعات الدولية، وتوالي الاهتمام واليقظة الاجتماعية منه دوليا، عبر منظمة الصحة العالمية، وتجند أقلام القراء للاستفاضة في الحديث والمتابعة الاعلامية عبر الفضائيات من انتشاره . حضر بالدهن كيف جر الوباء الأقلام المغربية، الى مراجعة تاريخية للأوبئة التي اجتاحت البلاد من أزمنة غابرة، واستحضار صداها التاريخي، مما يجثم على المجتمع من واقع الحال من وباء فيروس كورونا المستجد. ومن تم وقع الاختيار على مرحلة عمرية، من طينة اجتماعية عرفت حياتها من الاسرة العلاج بالعرف المحلي، ومن المجتمع العلاج عن طريق الطب العمومي، واللذين جرى العمل بهما جنبا الى جنب من الساحة الاجتماعية . ومن المرحلة العمرية ننقل الى القارئ، حاضرا عايش الماضي من علاج العرف المحلي، والحاضر من طب على مستوى دولي . وهكذا نرى أن إنسان المرحلة العمرية، عاش حقبة طفولته من زمن ما قبل تعميم التعليم المدرسي، ثم المرحلة العمرية المتدرجة بالأطوار التعليمية، الى جانب صيرورة الحياة العامة من الساحة الاجتماعية . لكن ما دفع الى تذكر المرحلة موضوع الطرح، معايشة مرحلة كورونا فيروس، ذات الانتشار والاهتمام العالمي، والتي مست المغرب وافراد جاليته وساكنته الاجتماعية، والذي سخر اعتماداته الذاتية وكل إمكانياته المادية، من إعلان حالة الطوارئ الصحية، المصحوبة بالحجر المنزلي للساكنة، وفرض التعبئة العامة باليقظة الاجتماعية والاقتصادية، لإنقاذ المجتمع وساكنته من انتشار الوباء العالمي، الذي دخل البلاد، من حالات وافدة، تطورت من الاختلاط العام الى حالات محلية، استوجبت استنفارا اجتماعيا، بالغ الأثر على النشاط البشري، والصحة العامة بالمجتمع . فترة ما قبل المدرسة من المرحلة العمرية : هي مرحلة كفالة الاسرة بالحياة الفردية من بداية النشأة الاجتماعية، وبداية العمل بالطب المعاصر، غير أن عقلية الاسرة وإمكانية المجتمع، وقتها لازالت في حدود الاعتماد على الذات، من الفرد والمجتمع . ومن تم كانت الاسرة تلجأ أولا الى التداوي بالأعراف المحلية، لأن العلاج الطبي مكلف ماديا، واللجوء اليه هو آخر ما يمكن للأسرة أن تتحدث عنه في إطار المساعدة الاجتماعية، إذ وقتها كانت طفولة المرحلة تعاني من أمراض موسمية، ناتجة عن التحول المناخي من دورته السنوية، وأخرى ذاتية من بنية الفرد الجسمية . أمراض الطفولة الموسمية : غالبا ما كانت تلك الأمراض تظهر على الأطفال في فصل الخريف، وهي أمراض معدية تصيب العيون بالرمد الحبيبي، كل ما كان يعتمد في التصدي له، غسل الوجه لإزالة تعمش العيون كل صباح بالماء الدافئ الممزوج بالملح المعدني، إلى أن ينتهي الموسم وتتحسن التغذية، وتختفي معالم وجوده من وجه الطفولة . أما المرض الذاتي فكان غير معد، ويتجلى في ضربات البرد الجانبية المسماة من اللسان– بوجنب العسري- : يخفق منه القلب بالضرب، مع ضيق النفس من الصدر، حيث يصاب الطفل بالنخم الثقيل والسعال الخانق للنفس من الصدر، مع ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بالليل، وحشرجة النفس في النوم . وكان العرف المحلي يعالج ضربة البرد تلك بالكمد اليدوي، الذي يتم بالمادة الزيتية المدفئة على المرجل للقفص الصدري من الجانبين، ثم يركن الطفل بعد الكمد الى فراش النوم حتى الصباح، حيث تلوح من معاودة الكمد من اليوم الموالي، بوادر الانفراج الصحية من الاصابة . غير أن تلك الاسعافات التي تخفف من الحالة، تجعلها تتجدد مرة أو مرتين في الشهر، خلال فصل البرودة الموسمية، كلما أقبلت الاسرة على استبدال ملابس الطفل، أو اقباله هو ايضا على الجري واللعب مع الأطفال الى درجة التعرق . ويبقى الكمد الأولي من تدخل استعجالي للتخفيف من الحالة، والتي يبقى الحسم في علاجها من عرض على الطبيب، أو من عارف مختص، بأمراض البيئة، وضربات الريح من الحالة المناخية، يعمل بطريقة، وأخرى ضاربة من الحكمة العلاجية : آخر الدواء الكي . وهنا يأتي دور شيخ الكرامة والتطبيب بالعافية، الذي لا ينتظر ظهور الأعراض، بل يباشر العمل بعد تقصي الأحوال، وإحاطة من الأسرة بأعراض الاصابة المستجدة، التي تعتري صحة الطفل من نوبات متكررة . بداية العملية العلاجية : حين حضور شيخ الأعراض المرضية، وبعد تناول الخفيف من الطعام بالبيت، وشرب كوب من الشاي، يطلب تحضير مرجل من النار خصيصا للعملية، ثم يشرع في تحضير أدوات عمله وهي : عدة مجتمعة من لشف، حديدية استشفائية، خاصة بالعلاج من الكي، توضع على موقد النار من المرجل، بعيدة عن أنظار الطفل، إلى أن يحمر لهب حديدها ويسهل النفث الثاقب من احمرارها . بعد ذلك يعرض عليه الطفل للفحص، واختبار مدى استعداده لتحمل المعالجة بالكي، ومن تم يأمر الملتفين حوله تمكين وإحكام حركة الطفل ومباشرة العملية، بعزل جلدة القفص الصدري بالأصبوعين، ونفثها مكواة بالمثقاب واحدة بعد أخرى من جنبات اليمين واليسار والبطن، والتي تكون موطن عرضة للإصابة، وحين الانتهاء يركن الطفل من العملية الى الفراش والتدفئة، وخلالها يوصي الأهل بالسهر على رعاية أماكن الكي بالتنظيف الجاف من التعفن، واستبدال الملابس، ومتابعة الحالة الى أن تندمل الجروح من أماكن الاكتواء وهو آخر التعافي من الاصابة، على لسان المرحلة العمرية . فترة الوقاية والتطبيب المدرسي : في ظل النظام الاجتماعي وخلال الأطوار التعليمية، عرفت الحياة المدرسية من الحقبة التاريخية، حملة تلقيح من وباء الجدري، وهي حملة اجتماعية استفاد منها العموم، وكان الاقبال بالطوابير الممددة، تسهر عليها المصالح الصحية بالمستشفيات العمومية، مع حضور متحرك للسلطة المحلية على مستوى من القيادة المحلية والادارة الحضرية . وتجري العملية بالمشراط من الدراع الأيسر، وقد لقيت اقبالا وتجاوبا من الساكنة، خوفا من تفشي الوباء، والذي كانت تخلف الاصابة به آثارا وثقوبا من الوجه، من حقب على وجوه مسنة . ومن الوجهة العائلية كانت الاسرة تشتكي أيضا، حالة طفلها من أوجاع معوية بالبطن، تراود شخصه بين فترة وأخرى، تتركه يتلوى منزويا بالتوجع، مما جعلها تلجأ الى عرض الحالة على معالج بالطرق العرفية . كان من وقتها العلاج بسيطا، حيث أخذ العارف بالحالة الطفل المصاب من يديه، وبالضبط من مكان اللحمة المفصلية بين سلامية السبابة والابهام، و شرع من البسملة في الدلك بسبابته وإبهامه، من وجه وباطن اليد مهلا غير مؤلم، وحين انتهى، ختم بالدعاء الشافي لرفع الألم، ومن وقتها غاب وجع الألم من الحالة الموجعة . أمراض العيون : خلال الطور الابتدائي من حياة المرحلة العمرية موضوع القراءة، تعرضت عيون التلميذ الى تصدع في الرؤية يدمع العينين من الاشعاعات الشمسية نهارا، ومن الضوء الناصع ليلا، حيث تسيل العينان بالدمع من أثر الضوء، وحين يكون في مكان ظليل تكون رؤيته عادية، وعيناه غير دامعتان . ومن تلك الاصابة عرضت الاسرة وقتها الحالة على الطب العمومي المختص، الذي يعاين الحالة بالفحص ويحدد للممرض العمومي نوع الدواء وعدد القطرات في العين، فضلا عن مرهم دهني لمدة اسبوع أو اسبوعين . واستمرت المعاناة لمدة ثلاث سنوات، الى أن حل بالمستشفى فريق طبي اجنبي متدرب، حيث عاين من الفحص الحالة وشخص لها العلاج، في قطرة تخدير سطحي يسمح للممرض بمزاولة حقنة من مؤخرة زاوية العين، لمرتين في الاسبوع، على مدى شهرين متواصلين، انهيتا المعاناة، وحل من عمل الطبيب الشفاء التام للعينين. قافلة الصحة المدرسية : القافلة عبارة عن أطقم طبية متجولة عبر الثانويات بسيارة متنقلة حاملة لجهاز راديو الكشف بالصورة الاشعاعية على صحة وسلامة القفص الصدري من مرض السل الرئوي المعدي . حيث يجري الفحص على الأطر التعليمية والادارية العاملة بالمؤسسة، وتلامذة الاقسام التربوية، في إطار فحص عام يشمل كل ثانويات المدينة . أما من وجهة الوباء الذي اجتاح المجتمع وقته فقد تمثل في وباء الكوليرا، وهو مرض يصيب الانسان بالإسهال الجارف والمفرط، إن لم يبادر المصاب بعرض الحالة على الطبيب تعرض للوفاة . وكان وقتها يتم النصح بالنظافة والحمية الغذائية للحد من المرض المعدي الذي تطور الى وباء متنقل يجتاح الساحة العمومية . مرحلة التشغيل الذاتي : هي مرحلة التخفيف من الاعباء الفردية على كاهل الاسرة والمجتمع، إذ بعد مرور حالة الوباء سالمة على الشخص، انتقل الى مجال العمل في الحقل الفلاحي الموسمي وتربية الماشية، والاعتماد على التسوق الاسبوعي منها، من منطقة شبه جافة لا تتعدى المردودية الانتاجية، سنة خصبة أو يزيد من كل عشر سنوات عجاف، لطابع المناخ الجاف الذي يسود من انتاجية الفلاحة التقليدية . والتشغيل الذاتي وسط حالة الجفاف الموسمي الذي حاصر المغرب وقتها، هو العمل الذي طبع حياة الشخص الى عهد الاعلان عن وباء كرونة فيروس، وهو وباء عالمي عطل البطولات الرياضية القارية، وأغلق الحدود الدولية، وأدخل الساكنة الى بيوتها، وألزم السلطات الصحية بالتجنيد العملي المستمر لمواجهة الوباء، وأخرج السلطات العمومية الى الحراسة من الشارع والطريق العام لحفظ النظام، والسهر على التزام السكان بحالة الطوارئ الصحية من الحجر المنزلي . وخلال ظهور الوباء من الساحة الاجتماعية تعبات الدولة قمة وقاعدة لمواجهة الأحوال الطارئة، حيث أحدثت صندوقا ماليا خاصا لمواجهة الطوارئ الاجتماعية، رصدت له الأموال من ميزانية الدولة، مع فتح الباب أمام التطوع المادي والاحسان المنظم في إطار جمعوي نحو الجهات المعزولة، والذي لم يبخل فيه المواطن والمؤسسات العمومية والخاصة على المساهمة الطوعية، لمواجهة الحالة القاهرة التي يمر منها المجتمع، والتي تستوجب عليه تجنيد إمكانياته والاعتماد على ذاته . ولم يسبق في تاريخ الأوبئة التي مر منها المغرب، أن جند البلد نفسه، واحتاط على ساكنته، كما لقي الوباء الاهتمام والمتابعة الوقائية والطبية والاعلامية كالذي جرى عليه الحال، من كورونا فيروس، بل تعددت الاقلام وفاض حديثها بالليل والنهار، من الرجال والنساء، عن الحالة الوبائية التي وضعت المحيط الاجتماعي في كامل تعبئته ووعيه ويقظته الاجتماعية والصحية والاقتصادية، جعلت الساكنة تعيش في جو من الاطمئنان، والالتزام بقواعد النظام والأمن الاجتماعي وإن في السرد المرتب للحالة الفردية، من وسط الاسرة والمجتمع، ما يعطي المثل الحي من مرحلة عمرية، ناطقة عن حقبة اجتماعية، وكيف تدرجت اطوارها في الحياة من وسط أعراف الأسرة، ومنظومة الصحة الاجتماعية .