إن مكافحة آفة الإرهاب أمر يهم كل الأمم، وقد ظلت المسألة على جدول الأعمال الدولي لعدة عقود. ودخلت مرحلة تاريخية في عام 2006 عندما وافقت جميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة لأول مرة على إستراتيجية عالمية لتنسيق جهودها لمكافحة الإرهاب. تقع المسؤولية الرئيسية عن تنفيذ الإستراتيجية العالمية على عاتق الدول الأعضاء، تعمل فرقة العمل المعنية بالتنفيذ في مجال مكافحة الإرهاب على ضمان أن تسعى منظومة الأممالمتحدة لتلبية احتياجات الدول الأعضاء وتزويدها بالدعم اللازم في مجال السياسات ونشر المعرفة المتعمّقة للإستراتيجية والتعجيل بتوصيل المساعدة التقنية عند الاقتضاء. كان رد المجتمع الدولي على الإرهاب قويا وحازما خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. وهناك اتفاق عام جوهريا حول الأهداف والخطوط العامة، رغم وجود اختلافات في ما يعني التركيز على الأدوات العسكرية وبفرض "تنفيذ القانون" بشكل قسري وأيضا حول الجوانب المتعلقة بالوقاية من الإرهاب ومكافحته وتلك التي تعني الظروف التي يمكن أن تشجع انتشار الدعاية المتطرفة وتجنيد الإرهابيين. والاتحاد الأوروبي من جانبه يشدد على الحاجة إلى مقاربة متكاملة، تحقق التفاعل بين الأدوار الجوهرية التي تلعبها العناصر المختلفة المشكلة لهذا المنهج (التحريات الاستقصائية الاستخباراتية والبعد السياسي-الدبلوماسي والحوار بين الثقافات والحوار بين الأديان ومكافحة التمويل وأمن النقل وإستراتيجية مكافحة التجنيد ونشر الفكر الراديكالي أو المتشدد). وحسب أحد المبادئ الأساسية للاتحاد الأوروبي، وهو المبدأ الذي اعترفت به الأممالمتحدة أيضا في عدد من وثائقها، مثل الإستراتيجية الشاملة لمكافحة الإرهاب التي أقرتها الجمعية العامة في سبتمبر – أيلول 2006، يجب أن تطور أعمال مكافحة الإرهاب في ظل احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وسيادة القانون. لا يستطيع أن يدعي أحد عدم وعي الناتو بالمخاطر الناجمة عن الإرهاب، وليس أدل على ذلك من تصريح رؤساء دول حلف الناتو في نوفمبر 2006 بأن " الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل هما الخطران الرئيسان المرجح أن يواجها الحلف خلال العشرة أو الخمسة عشر عاماً القادمة." فقد أبدى الناتو تصميماً قوياً على محاربة الإرهاب وأخذ على عاتقه " حماية المواطنين والأراضي والقوات والبنية التحتية في الدول الأعضاء واستخدام كافة الوسائل الممكنة لمحاربة الإرهاب بشتى صوره وأنواعه". وجاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر كي تؤكد على ضرورة إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب، إذ أظهرت الدول الأعضاء، سواء في إطار الحلف أو بشكل منفرد، عزمها على استئصال شأفة الإرهاب وتمكن الناتو خلال فترة وجيزة من تحقيق تقدم كبير على هذا الصعيد من خلال تطوير الجوانب المختلفة لأعماله وأنشطته لمواكبة هذا الخطر الهائل. ومع ذلك، فإن الحلف يفتقر إلى إستراتيجية تجمع بين قدرات محاربة الإرهاب التي يتمتع بها الناتو من أجل تحقيق هدف واضح؛ فالناتو يمتلك الوسيلة والهدف ولكن تعوزه الرؤية والإستراتيجية للقضاء على الإرهاب. وتتطلب مقاومة الإرهاب الدولي استجابة دولية شاملة ومتعددة الجوانب يعززها تنسيق للجهود والوسائل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والقانونية والاجتماعية والعسكرية، إن لزم الأمر. ولاشك أن بنية حلف الناتو تؤهله لأن يكون واحداً من أفضل المنظمات الدولية لمواجهة الخطر الناجم عن ظاهرة الإرهاب الدولي. ما الذي يمكن أن يقدمه الناتو؟ أولاً: تمثل المادة الخامسة حجر الأساس الذي ترتكز عليه جهود محاربة الإرهاب حيث تنص هذه المادة على أن أي هجوم مسلح على دولة أو أكثر من دول الحلف يعتبر هجوماً على كافة الدول الأعضاء، وبالتالي فقد رأى مجلس الحلف عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة أن هذه المادة تظل نافذة وضرورية في عالم يعاني من ويلات الإرهاب الدولي وقرر الحلف تطبيق هذه المادة إذا ثبت ضلوع جهات خارجية في هذه الهجمات. ثانياً: يمثل الحلف منتدى دائم لإجراء مشاورات سياسية لا تقتصر على الدول الأعضاء فحسب بل تشمل الدول الشريكة والمنظمات الدولية الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى إيجاد جبهة موحدة لمكافحة الإرهاب الدولي وذلك من خلال تبادل المعلومات والبيانات وترسيخ أواصر التعاون إن لزم الأمر. ثالثاً: يتمتع الحلف بالقدرة على شن سلسلة متكاملة من العمليات العسكرية بمشاركة العديد من الدول والتي تشمل القدرة على التخطيط العملياتي وإمكانية استخدام سلسلة واسعة من الإمكانيات العسكرية في أوروبا وأمريكا الشمالية وذلك لما يحظى به من بنية عسكرية متكاملة. ويحرص الحلف على الاستفادة من التجارب والخبرات التي اكتسبها خلال العمليات التي ترتبط بالحرب على الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر مثل المساعي الفعالة في البحر المتوسط والعمليات الجارية في أفغانستان إلى جانب مهام التدريب في العراق. شكل ظهور الإستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، البداية الفعلية لمراجعة أمريكية شاملة للأهداف والوسائل والتحديات التي تواجه الأمن القومي الأمريكي في المراحل السابقة لأحداث 11 سبتمبر 2001. إذ سعت الولاياتالمتحدة لإعادة تعريف وتحصين أمنها القومي وفقاً لإدراكها لما تواجهه من أنماط تهديد جديدة، والتي يعد الإرهاب من أبرزها. فقد لبى الأخير حاجة الولاياتالمتحدة إلى عدو مركزي تستهل به القرن الحادي والعشرين. فليس بإمكان الولاياتالمتحدة أن تعيش بدون ضد تقهره، ومقاوم تسلبه أرادته، ومستقل تزرع لديه هواجس الخوف من مصير مجهول بعد أن تشوش أهدافه. وقد تجلى ذلك حال تسلم إدارة الرئيس بوش الابن مسؤولياتها في يناير 2001. إذ مارست سلوكاً متشدداً أفصحت عنه مجموعة من السياسات التي عكست بمجملها رؤية محافظة تجاه القضايا والملفات التي تتعامل معها الولاياتالمتحدةالأمريكية داخلياً وخارجياً. وذلك عبر تأكيد إعمال القوة الأمريكية، و يرى في ذلك كثير من الجمهوريين ومعهم عناصر مؤثرة في الإدارة الأمريكية. فالولاياتالمتحدة ترى نفسها وطناً استثنائياً وتاريخي النشأة، لابد من أن يسود ويهيمن، ولا بأس من ممارسة القوة في سبيل ذلك. وعلى الرغم من إن (الحرب على الإرهاب) أصبحت العنوان الرئيس للإستراتيجية الأمريكية في مرحلة ما بعد أحداث أيلول / سبتمبر 200بتمويله.رة الأمريكية لم تطرح تعريفاً محدداً لما أعلنت الحرب عليه. إذ راح المسئولون الأمريكيون يكررون حديثاً عاماً عن شبكات وتنظيمات إرهابية ونظم ترعى الإرهاب وتقدم له المعونة، وجهات تقوم بتمويله ...الخ. وفي هذا الإطار أصبح العرب والمسلمون في بؤرة التعريف الأمريكي للإرهاب. فالعديد من التنظيمات التي أدرجتها الإدارة الأمريكية على لوائحها كتنظيمات إرهابية موجودة في دول عربية وإسلامية، كما إن الإدارة الأمريكية عدت الأسلوب العسكري/ الأمني هو المدخل الرئيس لمكافحة الإرهاب في حرب ستكون طويلة وممتدة ومتعددة الجبهات والأساليب، حسب التوصيف الأمريكي الرسمي لها، بكل ما يعنيه ذلك من تجاهل أمريكي ربما كان مقصوداً للأسباب والعوامل البنائية التي خلقت الإرهاب ولم تزل تغذيه. أي أن الإستراتيجية الأمريكية تقوم على التعامل مع مظاهر الإرهاب وليس مع جذوره وأسبابه. مقوضة لأي تمييز بين الإرهاب من ناحية، والحق المشروع في مقاومة الاحتلال الأجنبي من ناحية، وهو حق يقره القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة، فضلاً عن تجاهلها الدعوات كافة التي طالبت بعقد مؤتمر دولي في إطار الأممالمتحدة للاتفاق على تعريف لمفهوم الإرهاب وتحديد سبل مكافحته استناداً إلى الشرعية الدولية. ومما زاد من ضبابية الموقف الأمريكي من الإرهاب، إصرار الإدارة الأمريكية وربما قناعتها بأنها تستمد قدراً كبيراً لنفوذها من القبول الواسع لدورها حول العالم. فهي ترى إن الدور الأمريكي لم يكن مقبولا فقط، وإنما كان مطلوبا بشدة أيضاً في معظم القضايا الدولية،أثارت دون أي أدراك للشكوك القوية التي تنال من مصداقية ذلك الإصرار ولاسيما في ظل حربها على الإرهاب، والتي أثارت تساؤلات عميقة بشأن مدى رشاده الإستراتيجية الأمريكية بكليتها، هذا من جانب، ومن جانب آخر فمن المعروف أن استحواذ الولاياتالمتحدة على مكانة القوة العظمى الوحيدة في العالم هو بحد ذاته أمر يستفز الكثير من القوي الدولية التي تخشى تقليديا من هيمنتها. على الرغم من استنكار القوى الدولية للعمليات الإرهابية وتأكيدها على مساندة ودعم مصر، إلا أن السياسات المتبعة من جانب بعض الحكومات الغربية تعكس التناقض ما بين المعلن من رؤى وتصورات وما يتم تنفيذه على أرض الواقع، وهو ما يتجسد في السلوكيات التالية: 1- انتقائية في مواجهة التنظيمات الإرهابية: حيث ارتكزت الرؤية الأمريكية في مواجهة التنظيمات الإرهابية على انتقائية المواجهة للتنظيمات الإرهابية لاسيما وأن قرار مجلس الأمن رقم 2170 لعام 2014 الذي صدر تحت البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة والذي تشكل على أثره التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية حدد أهداف التحالف في مواجهة تنظيمي داعش والقاعدة، دون أن يشمل باقي التنظيمات الإرهابية المنتشرة في العالم العربي وإفريقيا، وهو ما يعكس البعد المصلحي الانتقائي للولايات المتحدةالأمريكية. 2- احتضان جماعة الإخوان المسلمين: وذلك من خلال توفير الدعم المناسب لأنشطتها والسماح لها بلقاء قيادات مؤثرة داخل المؤسسات الغربية النافذة، وهو ما جسده لقاء عدد من أعضاء الجماعة هم: وليد شرابي، وجمال حشمت، وثروت نافع، ومها عزام، وعبد الموجود داريدى بممثلين للخارجية الأمريكية، في واشنطن، في يناير 2015 فضلاً عن الإعلان عن اعتزام ترتيب لقاء آخر خلال يونيو 2015، وهوما اعترضت عليه مصر واستدعت السفير الأمريكي الأمر الذي حال دون عقد هذا اللقاء. يضاف إلى ذلك منح حق اللجوء وتوفير الحماية القانونية للمتورطين من الجماعة سواء في أعمال عنف أو التحريض عليه، وهو ما عكسته أزمة الصحفي بقناة الجزيرة أحمد منصور والذي رفضت السلطات الألمانية تسليمه لمصر، وهوما يعنى رغبة الدول الغربية في الاحتفاظ بورقة الإخوان للمساومة بها في ظل التغيرات الدراماتيكية التي تشهدها دول المنطقة، فضلاً عن رفض تحميل الجماعة مسئولية الأعمال الإرهابية التي تحدث في مصر في ظل الرعاية والدعم المقدم لها بما يحول دون إدانة هذه الدول بشكل غير مباشر. دخل تنظيم ولاية سيناء الإرهابي، الذراع العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية داعش محط اهتمام المصريين والعالم أجمع بعد الهجمات الدموية الغادرة التي نفذها مساء يوم الخميس 29 يناير 2015 واستهدفت 14 هدفا عسكريا حيويا بمدن العريش ورفح والشيخ وزيد وأسفرت عن استشهاد 29 مصريا وإصابة 80 آخرون أغلبهم من العسكريين المصريين. لذلك اهتمت الحكومة المصرية بوضع إستراتيجية مصرية لمواجهة التنظيمات الإرهابية بإفريقيا قدمها إلى القادة الأفارقة وزير الخارجية سامح شكري الذي يترأس الوفد المصري في أعمال القمة الرابعة والعشرين بالقمة الإفريقية التي عقدت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا على مدار يومي الجمعة والسبت 3031 يناير 2015م. وزير الخارجية، سامح شكري، شدد أمام القمة الإفريقية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا على أن تكون مقاومة الإرهاب مقاومة شاملة، تتعلق بمحاربة كافة التنظيمات الإرهابية التي تقوم بأنشطتها على مستوى القارة، خاصة أن مصر الدولة الإفريقية الأهم تعانى من تنامي التنظيمات الإرهابية فضلا عن دولة نيجيريا التي تواجه تنظيم بوكو حرام الإرهابي الدموي منذ عدة أعوام. تعليقا على تقرير مفوض السلم والأمن الإفريقي في استعراض النزاعات القائمة في القارة الأفريقية، وما تواجهه من تحديات مختلفة، وفى مقدمتها مكافحة الإرهاب تحدث وزير الخارجية سامح شكري عن الرؤية المصرية إزاء هذه النزاعات، خاصة فيما يتعلق بضرورة أن يتم التوصل إلى حلول من خلال الآليات الأفريقية الواجبة لهزيمة الإرهاب في فترة هي الأخطر على الإطلاق في تاريخ التنظيمات الإرهابية المسلحة.