أصبح المغرب يتوفر على أكثر من 3 آلاف معتقل في قضايا الإرهاب, وسلطاته الأمنية تعلن عن تفكيك أكثر من 50 خلية أو شبكة إرهابية. وقد عرف منذ ماي 2003 تنفيذ 4 تفجيرات انتحارية, كما سجلت جميع التقارير التي أنجزتها المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية تراجعا كبيرا على مستوى احترام حقوق الإنسان, حيث ارتبطت معظم الانتهاكات بملفات مكافحة الإرهاب. فما الذي ربحه المغرب من انخراطه في الحرب الأمريكية على الإرهاب بعد كل ما خسره على مستوى استقراره الأمني واحترام حقوق الإنسان؟ كان المغرب على رأس البلدان العربية التي انخرطت بشكل مبكر في الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب بعد تفجيرات الحادي عشر من شتنبر 2001، وقد تجلى ذلك على وجه الخصوص من خلال الزيارات المتعددة التي قام بها مسؤولون أمريكيون في الأمن والسياسة للمغرب، من أجل توقيع اتفاقيات أمنية لتبادل المعلومات حول الإرهاب الدولي، كما تجلى الاهتمام الأمريكي بالمغرب من خلال إشادة جورج بوش -الرئيس الأمريكي- بالديمقراطية في المغرب إلى جانب الكويت في خطاب له عام 2003، لدى الحديث عن دعم الديمقراطية في العالم العربي كرد على الإرهاب الديني. فقد أطلقت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر دينامية جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية في القارة الإفريقية والمنطقة المغاربية على وجه الخصوص، وكان المغرب في مركز هذه الدينامية، نظرا للعلاقات التاريخية بين المغرب والولاياتالمتحدة، والاستقرار السياسي والأمني الذي تتميز به المملكة، إذ لم يكن غائبا عن أنظار المسؤولين الأمريكيين كيف أن المغرب تمكن من لجم أي محاولة للانزلاق نحو السيناريو الجزائري المجاور، على الرغم من استمرار الحرب الأهلية الجزائرية لمدة فاقت عشر سنوات. الزيارة الملكية وقبل أن يصل الملك محمد السادس إلى واشنطن يوم 21 أبريل سنة 2002 في زيارة رسمية مرفوقا بكبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين, كان قد علم بمشروع ميزانية المساعدات الخارجية الذي قدم إلى الكونغرس وقتها, والذي يدعو إلى رفع قيمة المساعدات العسكرية إلى المملكة من 3.5 ملايين دولار إلى 5 ملايين, ورفع برنامج التدريب والتعليم العسكري من مليون دولار إلى 1.5 مليون.. وهو ما جعل الزيارة تعطي دفعة قوية للتعاون المغربي الأمريكي خاصة على المستوى الأمني والعسكري، لكن انخراط المغرب في السياسة الأمريكية للحرب ضد الإرهاب, واستعداده لتحمل مسؤولية ما قد ينتج عن ذلك من ضرب لاستقراره الأمني، لم يكن يوازي حجم هذه المساعدات العسكرية والأمنية. ما قبل 11 شتنبر وكان الاهتمام الأمريكي بالمغرب قد تقوى مع تعيين وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة في نزاع الصحراء عام 1997، وهو التعيين الذي لاحظ فيه الجميع محاولة من واشنطن للانخراط أكثر في المنطقة وإبعاد النفوذ الفرنسي التقليدي. لكن المناخ الذي ساد بعد 11 شتنبر جعل الإدارة الأمريكية تستغل انخراط المغرب في سياستها لتوجه ضربة قوية للفرنسيين من خلال تنظيم منتدى المستقبل في الرباط, إذ إنه بعد أن تبنت قمة الدول الثماني، خلال قمتها التي انعقدت في سي آيلاند، ما سمي بمبادرة «الشراكة من أجل التطور ومستقبل مشترك مع منطقة الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا»، سارع المغرب إلى الترحيب باحتضانه لقاء دوليا يجمع الدول الثماني، وبلدان منطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي، وبعض الشركاء الأوربيين، باعتباره «فضاء للحوار والتشاور, ويسعى وفق تصوره وبنائه لأن يكون مرنا ومنفتحا على مجموع بلدان المنطقة وشركائهم الذين يرغبون في الانضمام إليه». وفي خلفية هذا العنوان الرسمي، كان الحديث جاريا عن إدماج الاتحاد الأوربي في المشروع الأمريكي للشراكة مع الشرق الأوسط الكبير، بعد تعديل جزئياته. ما يعني أن مستقبل علاقات دول الضفة الجنوبية للمتوسط بالاتحاد الأوربي سوف ترتهن إلى الدور الأمريكي المتعاظم. بينما رفعت الأطراف الغربية شعار تشجيع الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. مع تخصيص لقاء على هامش المنتدى، ل«المجتمع المدني». هذا الأخير صعد من انتقاداته للمنتدى، رفقة عدد من التنظيمات السياسية، باعتبار اللقاء الذي احتضنته الرباط في دجنبر 2004، وصفة لتطبيق الخطط الأمريكية بالمنطقة، وفرض المكون الإسرائيلي وسط العالم العربي. قاعدة عسكرية أمريكية ولم يكن خافيا على فرنسا أن مزاحمة واشنطن لها في المنطقة تدخل ضمن محاولة تحييد دورها التاريخي في المنطقة المغاربية، وضمن هذا التوجه الأمني لواشنطن انطلق الحديث عام 2005 عن رغبة الولاياتالمتحدة في بناء قاعدة عسكرية في المغرب، على بعد 300 كيلومتر من أكادير، بحيث تكون محط استراحة للطائرات الحربية الأمريكية المتجهة من وإلى منطقة الشرق الأوسط، وتكون نقطة انطلاق لأي عملية عسكرية في إفريقيا. وجاء تسريب الخبر خلال مناورات عسكرية مغربية أمريكية قرب طان طان تحت اسم «الأسد الإفريقي07»، شارك فيها حوالي 300 فرد من القوات العسكرية الأمريكية. وفي تلك الفترة بدأت تتكثف المناورات العسكرية المشتركة بين الجيشين المغربي والأمريكي، سواء بشكل ثنائي أو ضمن مجموعات تشارك فيها بلدان إفريقية أخرى كالجزائر وتونس والنيجر ونيجريا ومالي وجيبوتي. وفي فبراير 2006 وخلال أسابيع قليلة فقط قام مسؤولان أمريكيان كبيران بزيارة المغرب، الأول هو مدير مكتب التحقيقات الفدرالي روبرت مولر، والثاني هو دونالد رامسفيلد كاتب الدولة في الدفاع آنذاك، حيث قابلا الملك محمد السادس وتباحثا مع مسؤولين أمنيين مغاربة حول سبل دعم التعاون الأمني والاستخباري بين الطرفين، وجاءت زيارة رامسفيلد للمغرب في إطار جولة قادته إلى بلدان المغرب العربي، إثر تقرير استخباري أمريكي أظهر أن غالبية المقاتلين العرب الذين يتوجهون إلى العراق لقتال القوات الأمريكية تنحدر من أصول مغاربية. هذا الاهتمام الأمريكي الأمني بالمغرب سوف يأخذ بعدا أكثر تقدما مع موافقة حلف الناتو عام 2007 على منح المغرب صفة الشريك عوض صفة العضو المراقب التي كان يتمتع بها من قبل. كما كان المغرب عنصرا مهما في «الشراكة العابرة للصحراء لمكافحة الإرهاب» التي وضعتها واشنطن في المنطقة لمحاربة الإرهاب في الساحل الإفريقي، حيث أصبح المغرب يشارك بصفة دائمة في جميع المناورات والتداريب العسكرية التي تجريها الولاياتالمتحدة في المنطقة، إلى جانب كل من الجزائر وتونس وموريتانيا والنيجر ومالي والتشاد والسينغال ونيجيريا. فما الذي ربحته المملكة مقابل توديعها للاستثناء المغربي ودخولها إلى عالم مكافحة الإرهاب الأمريكي؟ ربح المملكة من حرب الإرهاب الجواب الذي يقدمه الطيب الفاسي الفهري في لقاءاته الخاصة يتحدد أساسا في جانب الدعم الذي تقدمه أمريكا بخصوص قضية الصحراء بعد دعمها لمشروع الحكم الذاتي بشكل رسمي, إضافة إلى برنامج تحدي الألفية والتبادل الحر, الذي فشلت دول الجوار في الظفر به. الاتفاقية التجارية التي تم التوقيع عليها في 15 يونيو 2004، بدأت إرهاصاتها بشكل مبكر، خلال زيارة قام بها مساعد كاتب الدولة المكلف بشؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وليام بيرنز الى المغرب، شهر دجنبر 2002. تفعيلا لما أُعلن عنه أثناء زيارة الممثل التجاري الأمريكي روبرت زوليك للمغرب، في 23 يناير 2002، من رغبة الطرفين في إلغاء الحواجز الجمركية القائمة بينهما. ليتضح بعد ذلك أن السعي الأمريكي إلى هذا الاتفاق كان يندرج في إطار «دائرة التنمية المتسعة»، أي الخطة الرامية إلى جعل المكسيك قاعدة للمنتوجات الأمريكية في أمريكا اللاتينية، فيما يلعب المغرب الدور نفسه في إفريقيا، والأردن في آسيا. مسار طويل عرفته المشاورات والمفاوضات الممهدة لهذا الاتفاق، حيث تطلب الأمر عقد سبع جولات، ميزها حضور مكثف ووازن للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية الأمريكية المعنية، فيما استأثر في الجانب المغربي، فريق ضيق يترأسه الوزير الحالي للشؤون الخارجية والتعاون، الطيب الفاسي الفهري، ورافق ذلك تعتيم كبير وإصرار على تهميش الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والجمعويين. وسنوات بعد التوقيع على الاتفاقية، تبقى إشكالات واستفهامات كبيرة دون أجوبة من الجانب المغربي، حول قدرته على مجاراة العملاق الأمريكي في المبادلات التجارية، وانعكاسات هذا الانفتاح على القطاعات الهشة مثل الفلاحة والأمن الغذائي. تحدي الألفية أما بالنسبة إلى «تحدي الألفية» فهي وكالة حكومية مستقلة تم إنشائها لإرساء شراكة مع بعض الدول السائرة في طريق النمو. وقد أنشأها الكونغرس في يناير 2004 ثمرة التزام الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال قمة مونتيري (المكسيك) المنعقدة سنة 2002 حول التمويل من أجل التنمية، وهي القمة التي نادى من خلالها الرئيس جورج بوش ب«عقد جديد من أجل تنمية شاملة»، مما يمكن من تفعيل المساهمات الكبرى للدول المتقدمة بمسؤولية أكبر للدول النامية. تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. وتتلقى الوكالة تمويلها من الكونغرس الأمريكي باعتباره مؤسسة عمومية، تربط بين منح مساعداتها، و»الحكامة الرشيدة، والحرية الاقتصادية واستثمار الموارد البشرية». أي أنها «تشجع» الدول على إنجاز الإصلاحات السياسية بتقديمها قروضا وامتيازات تفضيلية تساير برامج تنموية أخرى تقوم بها الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول أخرى مانحة للقروض. وقبل أن يستفيد أي بلد من تلك المساعدات، تبحث مؤسسة تحدي الألفية في مؤهلاته على أساس 16 مؤشرا تخص السياسة المستقلة والشفافة كالاستثمار في التعليم، ومراقبة تفشي الرشوة وتدبير الموارد الطبيعية. وفي حالة استجابة البلد لهذه الشروط، قد يطلب منه مجلس إدارة المؤسسة تقديم اقتراحات حول طبيعة المساعدات التي تتم بالتالي في إطار عقد. لكن لا يجب أن ننسى أنه بعد 11 شتنبر أصبح الانخراط في البرنامج الأمريكي لمحاربة الإرهاب هو أول شرط تفرضه واشنطن.