* توطئة : * * يأتي هذا التقرير على إثر وفاة مواطنين من مدينة جرادة، بسبب حادثة انهيار أعماق بئر للتنقيب العشوائي على الفحم الحجري ، وذلك من أجل إماطة اللثام عن حيثيات وملابسات القضية، على ضوء ما ثم استقاؤه من معلومات ومعطيات ميدانية،بناءعلى تقارير وعلى تصريحات مواطنين بالمنطقة، بشكل موضوعي. * إن حادثة وفاة الشقيقين، بورزة جدوان وحسين،إثر إنهيار بئر،فاجعة ومأساة لحقت بأسرتين، لكنهامجرد حالة من ضمن حالات إزهاق أرواح المواطنين، حيث التحق الفقيدين بلائحة الشهداء المفتوحة،شهداء لقمة العيش المرة،جراء مظاهر تهميش ممنهج، جعلهمضحية استغلال بشع من طرف لوبيات وسماسرة رخص التنقيب العشوائية باجرادة… * الأمر يتعلق بحادثة انهيار بئر على عمق يتجاوز 70 متر، خلال عملية التنقيب على الفحم، ذهب ضحيتها الشقيقين حسين وجدوان، وخلفا من وراءهما أسرتين دون معيل، ومئات العمال في نفس المهنة، متحسرون لما حصل لأحد زملائهم. * من أجل معرفة حيثيات الحادثة وخلفياتها، يجدر بنا التوضيح للرأي العام الوطني بعض الاختلالات التراكمية، التي أدت إلى هذه الحادثة المفجعة. * نبذة تاريخة عن الأوضاع المزرية لاقتصاد مدينة يعتمد على مهنة استخراج الفحم. * منذ عهد الاستعمار، ظل منجم الفحم بجرادة، المحور الرئيسي للدخل لدى ساكنة المدينة، حيث كان مستغلا من قبل قوات بلجيكية، منذ سنة 1934، لينتقل استغلاله إلى شركة فرنسية إبان الاستعمار الفرنسي، واستمرت ذات الشركة على نفس المنوال. * وقد أحصت الحكومة منذ 1983 حوالي2600 بئر، وفي سنة 1998، قررت وزارة الطاقة والمعادن إغلاق المنجم، حيث أعلنت بداية بأن سبب الإغلاق يعودلإرتفاع تكلفة الإنتاج،لتعود مرة أخرى لتبرر الإغلاق بنفاذ مخزون الفحم،وبالتوازي مع كل هذا وذاك،تسربت الخريطة المنجمية مباشرة بعد الإغلاق، وسقطتبيد حفنة من الملاكين والأباطرة بالمدينة المنجمية،ليستمر استخراج الفحم منذ ذلك الحين إلى حدود اليوم،لكن هذه المرة باستغلال بشع للعمال من طرف أباطرة الفحم وبهمجية أكبر، حيث أن عملية إستخراج الفحم تتم بوسائل جد بدائية،وفي غياب أدنى شروط الصحة والسلامة،وبعلم السلطة المحلية والإقليمية والجهوية، التي وفرت ولازالت توفر كل ظروف إرتكاب جرائم الإستغلال القريبة من القنانة، التي ترتكبها مافيا الآبار، الذين يدفعون بأبناء جرادة نحو الموت والهلاك داخل أعماق تتجاوز أحيانا المائة متر،والذين أيضا محميين بمظلات بعض رجال السلطة، المتعاقبين على تسيير الشأن المحلي بجرادة. فإغلاق المنجم الذي كان يدر أرباحا بأرقام قياسية في خزينة الدولة، تسبب في تشريد مباشرل7000 عامل،وبالتالي تشريد أكثر من سبعة آلاف أسرة. تقول مسؤولة وزارية سابقة بأنه ثم إغلاق الآبار العشوائية بطريقة محكمة، وثم توجيه تعليمات إلى المسؤولين المحليين والإقليميين بمنع استخراج الفحم، نظرا إلى المخاطر المحدقة بالعمال أثناء عملية التنقيب، وانعدام شروط السلامة الأمنية والصحية. لكن احتجاجات الساكنة أدت إلى الضغط على الجهات المعنية من أجل الإبقاء على مورد رزقهم الوحيد،الشيء الذي أدى إلى رضوخ السلطات العمومية لخيار السماح باستغلال العشرات من الآبار، بتراخيص منحت لأشخاص ذاتيين. * في هذا الصدد، تقول الإحصائيات المتطابقة ومن أكثر من مصدر، بأن الآبار العشوائية لاستخراج الفحم استمرت في تشغيل حوالي 3000 عامل، غالبيتهممن عمال المناجم المسرحين سابقا من شركة مفاحم المغرب، وكذلك شباب ونساء و قاصرين،فيما تشير الإحصائيات حاليا إلى بقاء حوالي 1500 عامل وعاملة تشتغل في هذا المجال إلى حدود الساعة. * حوادث استخراج الفحم : * شهدت عملية استخراج الفحم بطريقة عشوائية بجرادة، منذ 1998، العديد من الحوادث المؤلمة، بلغ عددها التقريبي، من خلال المعطيات التي توصل بها المركز المغربي لحقوق الإنسان حوالي 187 حالة، منها 47 حالة وفاة، آخرهم، الشهيدين : بورزة جدوان 21 سنة متزوج واب لطفل عمره سنة،وشقيقه بورزة حسين 26 سنة متزوج و اب لطفلين، فضلا عن إعاقات دائمة ناتجة عن كسور على مستوى الظهر،وأيضا هناك إصابات لبعض العمال، بأمراض خطيرة ومزمنة، والمتمثلة في داء السيليكا ومرض السرطان، في ظل تكتم غير مفهوم عن الأوضاع المأساوية لهؤلاء العمال. كما أن كل التصريحات المستقاة من عمال التنقيب العشوائي وكذلك الساكنة بجرادة، تقر بأن هؤلاء العمال لا يتوفرون على الوسائل اللوجستية اللازمة للعمل، والتجهيزات التقنية للانقاذ. * اكتفى رجال الوقاية المدنية، الذين وفدوا إلى مكان الحادث، بتقديم مساعدات بسيطة،نظرا لعدم وجود لديهم خبرة في هذا المجال،حيث تطوع (ويتطوع دائما) عمال الآبار أنفسهم، للقيام بمهمة استخراج جثث شهداء آبار الفحم من الأعماق،وهم الذين يعلمون جيدا مسالك ودهاليز تلك الآبار المرعبة، حيث استغرقت عملية إخراج جثتي الشهيدين حوالي 34 ساعة متواصلة من البحث، مما يدل على الطريقة المأساوية التي ظلت فيها جثثي الشهيدين رحمة الله عليهما. * مستنتجات التقرير : * إن وفاة عاملي التنقيب العشوائي عن الفحم، هو نتيجة واقع مهني غاية في الخطورة، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة بالإقليم، وعدم إيجاد بديل إقتصادي حقيقي كما جاء في الإتفاقية الإقتصادية والإجتماعية التي وقعها المسؤولون بعد تسريح العمال مباشرة والتي لم تعرف طريقها إلى التنفيذ، ،الشيء الذي دفع ويدفع بآلاف المواطنين والمواطنات إلى الارتماء في أحضاء آبار محفوفة بكل المخاطر الصحية ومخاطر الموت. في حين، شكلت عملية منح تراخيص لبعض الأشخاص المحظوظين بإقليم جرادة، ظهور ريع اقتصادي بشع، دفع بالعديد من المواطنين إلى القبول بأجواء عمل خطرة وبدون ضمانات، لا صحية ولا مادية ولا اجتماعية. في حين شهدت المشاريع التنموية، التي تقدمت بها السلطات العمومية بإقليم جرادة العديد من مظاهر الزبونية والمحسوبية، كما أنها همت أنشطة ضعيفة المردودية، فيما واجه مرشحون للإستفادة منها أيضا حرمانا نتيجة وضع شروط تعجيزية عن قصد. * مطالب الساكنة :
* على ضوء ما ثم تداوله خلال الاحتجاجات الشعبية، يمكن اختزال مطالب ساكنة مدينة جرادةفيما يلي : * فتح تحقيق نزيه وشفاف في حق كل المسؤولين الذين تعاقبوا على تسيير الشأن المحلي،سواء تعلق الأمربالسلطة المعينة أوالمنتخبة. * خلق بديل إقتصادي آني،وذلك من خلال إحداث وحدات إنتاجية مندمجة، في مجالات الفلاحة والصناعات التحويلية والغذائية والخدماتية، بديلة لشركة مفاحم المغرب لضمان الشغل والعيش الكريم لساكنة المدينة المنجمية. * تحديد نسبة تفضيلية لاستهلاك الكهرباء و الماء الصالح للشرب لفائدة الساكنة المعمول بها سابقا بشركة مفاحم المغرب. * إعادة النظر في المرسوم الذي يحرم الإقليم من عوائد ضريبية مهمة، لفائدة الإدارة العامة للمكتب الوطني للكهرباء. * ضرورة افتحاص جميع مشاريع برنامج التأهيل الحضري 20082011 : مجزرة، سوق أسبوعي، المسبح البلدي، المحطة الطرقية، قرية الصناعة التقليدية…في شطره الأول، وكذا المشاريع المندرجة في إطار الشطر الثاني من برنامج التأهيل الحضري وسياسة المدينة 20152018. – * تسريع وثيرة المشاريع المرتبطة بتهيئة الأحياء السكنية (33 حي ) في إطار تصميم عقلاني * مطالب المركز المغربي لحقوق الإنسان * تنشيط الحي الصناعي بجرادة * خلق وحدات تعاونية إنتاجية في شتى المجالات، خاصة في المجال الفلاحي، حيث تزخر المنطقة بأفضل شبكة للفرشات المائية، وأراض خصبة، مناسبة لمختلف الزراعات الموسمية، خاصة البواكر والحوامض والخضر. * تسريع وثيرة تسوية الوعاء العقاري سواء تعلق الامر بالملك الجماعي او الملك الخاص للدولة او الأملاك أخرى. * إخراج المتحف المنجمي لترسيخ هوية المدينة المنجمية . * استرجاع مخيم السعيدية بأعتباره إرثا تاريخيا ورافدا ثقافيا لساكنة المدينة . * تفعيل مقتضيات الدستور المتعلقة بالديقراطية التشاركية، وإشراك الهيئات والفعاليات المدنية في مسلسل إعداد ومواكبة وتقييم السياسات العمومية بالإقليم * خلاصة التقرير : * يجب فتح تحقيق حول ملابسات الحادثة الأليمة، وتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات اللازمة. * تعويض عائلات الضحيتين مع ايجاد حل جدري لآبار الفحم العشوائية * التحقيق في مسألة منح تراخيص استغلال المناجم لفائدة أشخاص ذاتيين، كما لو أن الأمر يتعلق بمقالع الأحجار، في حين أن استغلال المناجم يتطلب إمكانات هائلة وقدرات تقنية كبيرة، وبإشراف مؤسسات ضخمة. * انسجاما مع مقتضيات الدستور المغربي، وكذا الخطابات الملكية، بضرورة اعتماد للمقاربة التشاركية، وجب على المسؤولين المحليين والإقليمين، معينين ومنتخبين، فتح قنوات الحوار والتواصل مع فعاليات المجتمع المدني، والإنصات إلى هموم الساكنة عبرهم، وإعداد السياسات العمومية بما يتلاءم وتطلعات الساكنة، كما يتعين على فعاليات المجتمع المدني، أن تضطلع بدورها في تأطير المواطنين، والترافع من أجل المصلحة العامة، بعيدا عن الحسابات والخلفيات السياسية، وذلك بإعداد عريضة مطالب، والتفاوض بشأنها، وفق الآليات المعمولة بها في هذا الشأنن حيث يتعهد مناضلو ومناضلات المركز المغربي لحقوق الإنسان، الوقوف صفا واحد مع كل الفعاليات المدنية الجادة، من أجل المساهمة في هذا الورش النضالي، بما يمكن من دعم مطالب الساكنة، والعمل على تحقيقها على أرض الواقع. الرحمة والمغفرة لشهداء لقمة العيش المرة بآبار التنقيب باجرادة، وما ضاع حق وراءه طالب * حرر بجرادة بتاريخ 26 دجنبر 2017 * تقرير من إعداد لجنة التحقيق المحلية، تحت رئاسة الأخ عبد القادر أكيلي * تحت إشراف المكتب الوطني للمركز المغربي لحقوق الإنسان *