تعتمد الجماهيرية الليبية، في تحديدها لمطالع الأشهر القمرية -التي تحدد تواريخ أهم عيدين في الإسلام و هما عيد الفطر و عيد الأضحى- على مركز علمي للاستشعار عن بعد. و هو أسلوب علمي، كان من الممكن أن يكون أكثر فائدة لو اعتمدته كافة الدول العربية و الإسلامية. و لكن اعتماده من طرف الحكومة الليبية وحدها، ربما يكون قد أخرج الدولة الليبية عن إجماع الأمة الإسلامية و أبعد الشعب الليبي وِجدانيا عن بقية الشعوب العربية والإسلامية، بحيث أصبح يصوم و يحتفل بعيد الفطر بفارق يومين أو أكثر عن باقي الدول الإسلامية، حتى تلك التي تقع شرق ليبيا ببَوْنٍ بعيدٍ. و قد دأبت الجماهيرية، و إن خالفت الدول الإسلامية الأخرى في تاريخي الصوم و عيد الفطر، على الالتزام بالموعد العادي لعيد الأضحى؛ إلا أنها هذا العام قرَّرت الاعتماد على مركز الاستشعار عن بعد، الذي حدد يوم الخميس الماضي -و هو يوم الوقوف بعرفة- يوم عيد تُنحر فيه الأضاحي ، و ذلك قبل حلوله في ماليزيا و أندونيسيا البعيدتين شرقا و قبل مكةالمكرمة نفسها. هذا الإعلان الرسمي خلق نوعا من الانقسام داخل الشارع الليبي. و جعل كثيرا من المواطنين الليبيين - و هم في نظام جماهيري- يعقدون حلقات في المساجد لمناقشة هذا الموضوع، ضدا على التعليمات الرسمية التي منعت إقامة صلاة العيد يوم الجمعة ،و منهم من امتنع عن نحر الأضحية يوم الخميس، و ذلك التزاما ببعض الفتاوي الشرعية. و من بين هذه الفتاوي، فتوى للشيخ أحمد القطعاني (و هو واحد من الفقهاء المرموقين و له عشرات اللقاءات والمحاضرات والبحوث داخل ليبيا وخارجها) ، يقول فيها «أن من ذبح أضحيته يوم الخميس، فهي مأدبة لحم لا علاقة لها بالنسك الشرعي إطلاقا» مؤكدا في نفس الوقت أن موقفه هذا «موقف شرعي و ليس سياسيا». إلا أن الشيخ القطعاني، الحذِر جدا (و معه كل الحق في حذره) عبر عن أمله في أن «ينتبه ولاة الأمر في ليبيا إلى معالجة هذا الخلل و ذلك بإسناد الأمور إلى لجنة شرعية معتبرة» و ليس إلى مركز للاستشعار عن بعد. و حول موقف الزعيم الليبي معمر القذافي -الذي لا يملك نظريا أي منصب في جهاز الدولة الجماهيرية- قال الشيخ أحمد القطعاني ،لإحدى الصحف العربية، أن «الأخ العقيد ليس على علم بهذا الخلل و إلا لتدخل بسرعة لوقف هذا العبث و إفساح المجال للرأي الشرعي في الأمور الشرعية» و نحن إذ نتفهم الحذر الشديد الذي يتحدث به الشيخ القطعاني، و هو حذر قد تمليه الرهبة من العواقب الوخيمة ، إلا أننا نشك في أن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي «ليس على علم» بما يحدث داخل جماهيريته، خاصة و الأمر يتعلق ، في حالتنا هاته، بموعد عيد جماهيري مثل عيد الأضحى. أما عن احتمال تدخله «لوقف هذا العبث» فهو احتمال وارد فعلا، و لكن قد لا يكون العبث هو ما يقوم به مركز الاستشعار عن بعد -كما يعتقد الشيخ القطعاني- و إنما قد يكون العبث ، من وجهة نظر المسؤولين الليبيين، هو ما يصرح به الشيخ القطعاني نفسه.