وهذه السياسة هي التي جعلت عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يرقى لحدود 12 ألف فلسطيني، وهو رقم قياسي في تاريخ كافة الاحتلالات . وقد كانت وما زالت مسألة الاستيطان والمستوطنات مركز خلاف حتى بين الإدارة الأمريكية التي تطالب بوقف الاستيطان، وإزالة بعض المستوطنات ودولة إسرائيل التي ترفض ذلك . وقد أعلنت السلطة الفلسطينية منذ أيام قليلة رفض العودة للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي قبل وقف الاستيطان والبدء بتفكيك بعض المستوطنات ، بينما ترفض إسرائيل ذلك واعتبره نيتنياهو مجرد ذريعة فلسطينية لوقف التفاوض ، مطالبا الإدارة الأمريكية بالضغط على الجانب الفلسطيني وليس الإسرائيلي . هذا الظرف الشائك ازداد تعقيدا بطلب إسرائيل الجديد الاعتراف الفلسطيني والعربي الرسمي العلني ب «يهودية الدولة الإسرائيلية». إزاء هذا التناقض الواضح والصارخ في بين الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني في كافة القضايا الرئيسية ، يتوصل تحليلي إلى استحالة قيام دولة فلسطينية حقيقية في أرض الواقع ، تمارس صلاحياتها باستقلالية كباقي دول العالم . وبالتالي فلا معنى لتهديد مسؤول فلسطيني قبل أسابيع قليلة بإعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد إذا تعثرت المفاوضات ، فمن حيث الإعلان الكلامي الشكلي فالدولة الفلسطينية معلنة وقائمة من طرف واحد منذ عام 1987 في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر كما أشرت سابقا ، ولكن لا دولة ولا صلاحيات على الأرض ، حتى إصدار جواز السلطة الفلسطينية وتأشيرة دخول لأي فلسطيني وتنقل الفلسطينيين بمن فيهم وزراء السلطة يحتاج لموافقة إسرائيلية ، ودولة إسرائيل تتحكم في المعابر والمياه والكهرباء وشبكة الاتصالات الأرضية والفضائية . إذن ما الحل ؟ ما البديل؟ يتداول الفلسطينيون في مجالسهم وجلساتهم الخاصة بعض الأفكار البديلة التي لا يجرؤ كثيرون على مجرد الحديث فيها، كي لا تطالهم تهم الخيانة والعمالة وقلة الوطنية وعدم المشاركة في النضال والتحرير والاستشهاد...إلخ هذه المعزوفة الكلامية الخطابية ومن هذه الأفكار : أولا : العودة لمصر والأردن أي أن يعود قطاع غزة للإدارة المصرية والضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية كما كان الوضع قبل هزيمة عام 1967 . وهذا البديل مستحيل لأنني أعتقد أن جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية ترفضان ذلك بوضوح وصراحة ، لأنه لا توجد أية دولة تقبل أن تكون المسؤولة عن تبعات الاحتلال ونتائجه ، فمصر لن تقبل أن تعود لإدارة القطاع وهو في هذا الوضع البائس لأنها ستكون مسؤولة عن هذا البؤس ، ناهيك عن إدارة شؤون شعب نحو غد مجهول ستتحمل مصر عندئذ نتائجه المجهولة هذه . وكذلك الأردن يرفض، كما أرى، أن يعود لضم الضفة للمملكة الأردنية الهاشمية في وضعها مقطع الأوصال ، لأن هذا الضم يعني الموافقة على الاستيطان والمستوطنات الإسرائيلية، والاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل وهو مرفوض أردنيا وعربيا وإسلاميا . وهذا الحل أيضا سيكون مرفوضا من حكومة حماس المقالة في عرف السلطة الفلسطينية ، ومن السلطة الفلسطينية التي تعتبر غير شرعية ولا دستورية في عرف حماس ، لأن السنوات الماضية أوجدت امتيازات سلطوية للطرفين يتمتع بها عدد محدود من قياداتهم ، من المستحيل التنازل عنها حفاظا على هذه المصالح الشخصية التنظيمية وليس غيرة وطنية وشعبية . ثانيا : عودة الاحتلال الإسرائيلي المباشر أي كما كان الوضع في القطاع والضفة منذ عام 1967 وحتى اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1988 ، حيث كانت أوضاع الحياة اليومية للمواطنين على الأقل تسير بيسر وسهولة ، وهذا البديل أرى أنه سيكون مرفوضا بصراحة وقوة من الطرف الإسرائيلي أولا ، لأن هناك شروط وتبعات دولية للاحتلال لن يقبل الطرف الإسرائيلي بتلبيتها والقيام بها ، كما أن الوضع الحالي حيث الانقسام والاقتتال الفلسطيني أفضل خدمة لدولة إسرائيل ، فلماذا تريح إسرائيل الفلسطينيين من قتالهم وصراعاتهم الداخلية التي وصلت حد التصفية واستعمال السلاح ، وحملات إعلامية وفتاوى تكفير شرعية لم تصدر بهذه الشدة ضد الاحتلال ذاته. إذن ما هو المتوقع؟ المتوقع هو أن يستمر الوضع الحالي حيث «إمارة حماس»في القطاع المحاصر البائس ، و « دويلة عباس» التي لا تملك ولا تحكم في الضفة لسنوات طويلة قادمة ، والمبكي أن القيادتين في القطاع والضفة لا تعانيان أبدا ، فمن يتحمل البؤس والفقر والحصار والاعتقالات هم الغالبية المسحوقة من الشعب الفلسطيني ، لذلك وحسب اتصالاتي وما يأتيني من اتصالات ، فلو أنه فتحت أبواب الهجرة لسكان الضفة والقطاع ، لما بقي هناك إلا نسبة بسيطة من الشعب وعلى رأسهم هذه القيادات التي أثرت على حساب الشعب ، وهذا ما يفسر تراجع القضية الوطنية يوما وراء يوم .