شهدت العاصمة الألمانية برلين احتفالات صاخبة بمناسبة مرور عشرين عاما على سقوط جدار برلين، هذا الحدثُ التاريخي الذي مهّد للوحدةِ الألمانية وأدى الى إنهاء الحرب الباردة وتغيير الخارطة السياسة لأوروبا. ولقد أقيم بهذه المناسبة أمام بوابة براندنبورغ التاريخية في وسط ِالمدينة احتفال رسمي حضره رغم الأمطار العديد من رؤوساء الدول والحكومات إضافة الى نجوم وفنانين عالميين. و بدأ الاحتفال بعزف مقطوعة للموسيقار الألماني فاغنر من قبل دار الأوبرا لبرلين في التاسع من نوفمبر عام 1989 كان شارع بورنهولم هو أول منفذ إلى برلينالغربية، بعدها أزالت شرطة الحدود كل الحواجز. ففي مثل هذا اليوم كانت أنغيلا ميركل أيضا بين الجموع في شارع بورنهولم وعبرت مع الآلاف الجسر إلى الغرب. وهو سبب كاف لتقف هنا بعد عشرين عاما وتتذكر سقوط الجدار. «أنا سعيدة أن لقاءنا اليوم لا يسير وفق القواعد الدبلوماسية العادية المنظمة جدا، وأن الموقف يشبه إلى حد كبير لقاءنا على الجسر في التاسع من نوفمبر عام 1989 .» وامتدحت ميركل شجاعة مواطني ألمانياالشرقية الذي ساهموا عبر احتجاجتهم في إسقاط الجدار. جدار من الدومينو ولقد شهدت العاصمة برلين أيضا لحظات سقوط الجدار من جديد، ولكن هذه المرة كان جدارا رمزيا. فقد نصبت في مركز المدينة حوالي ألف قطعة من البلاستيك الاصطناعي، سيتم إسقاطها مثل أحجار الدومينو التي كانت عبارة عن رسوم فنية شارك في إعدادها فنانون من المانيا و دول اخرى مثل ِكوريا واليمن. وقالت إحدى الفنانات التي شاركت في هذا العمل«أتعمّد استخدام عناصر محددة مثل الدوائر والطيور لرغبتي في التعبير عن الحرية. فنحن لم نشعر بالحرية قبل الوحدة.» وأضاف فنان آخر «اخترت في لوحتي لألمانيا هذه الرموز. وكان بإمكاني استخدامها لليمن أيضاً. نحن كنّا مقسّمين إلى شمال وجنوب وألمانيا إلى شرق وغرب. والشعور بالحرية هو نفسه في كل مكان في العالم.» الانقسام في اليمن جزء من الماضي اليوم كما هو الشأن في ألمانيا. لكن في أماكن أخرى في العالم لا يزال الجدار والانقسام حاضرين. غير أن كوريا لا تزال مقسّمة إلى شمال وجنوب. انقسام يظهر جليا هنا على الشريط الحدودي. وكان ثلاثة فنانين قد قرّروا أن يجعلوا من انقسام بلدهم موضوعاً أساسياً في أعمالهم، وهذا ما عكسوه على حجارة الجدار التي نقلت لأكثر من ثمانية آلاف كيلومتر إلى كوريا الجنوبية. حيث اعتبر سوك يونغ هوانغ أحد أشهر الكتّاب في كوريا الجنوبية، الذي كان حاضراً في برلين عند انهيار الجدار. وقد عكس تجربته هذه على حجر الجدار. واعتبر في تصريح له أن «السطور التي كتبت على هذا الجزء من الجدار أخذتها من روايتي «الحديقة البعيدة». بطلة الرواية تقف أمام جدار برلين وتفكّر في حبيبها الذي يقبع في السجن.» معبر بوانت شارلي وخلال فترة التقسيم كانت الحدودُ بين برلينالغربيةوالشرقية تضمُ العديدَ من نِقاط العبور التي كانت تخضعُ لحراسةٍ مشددة. وقد اكتسبت احدى هذه النِقاط شُهرة ً عالمية ألا وهي Checkpoint Charlie التي كانت تفصُلُ بين القطاعيْن الأمريكي و السوفيتي في برلين. ففي بداية الستينيات وقفت الدباباتُ السوفيتية في مواجهة ِ الدبابات الأمريكية، مما هدد بتحوّل الحرب الباردة الى حربٍ ساخنة. كان هذا المعبر الحدودي مسرحاً لأحداث تاريخية إبان الحرب الباردة. إنه يذكر ايضاً بأكثر من ألف ممن قتلوا أثناء محاولتهم الهربَ إلى الشطر الغربي من المدينة. وهو واحد من النقاط الحدودية الثلاث عشرة بين شرق المدينة وغربها. و بعد بنائه بشهرين، أخذت الدبابات الأمريكية والسوفياتية مواقعها على طرفي المعبر. وقد تلقى المسؤولون العسكريون من الطرفين الأوامر بالاستعداد التام لإطلاق النار. وبعد يومين انسحبت الوحدات السوفيتية، ما أسفر عن انفراج الأزمة التي أثرت في الرئيس الأمريكي انذاك جون كنيدي. وفي عام 1963 ألقى كيندي خطابه الشهير أمام مبنى البلدية بعد زيارة قام بها لمعبر Checkpoint charlie ، رمز الحرب الباردة ليطلق عبارته الشهيرة باللغة الألمانية، ولكنة انجليزية «أنا برليني.» وفي عام 1962 تركزت أنظار العالم على Checkpoint Charlie مرة أخرى. ففي حادث مأساوي أطلقت شرطة الحدود الألمانية الشرقية النارَ على الشاب Peter Fechter أثناء محاولته الفرار. وظل Fechter رغم استغاثته طويلاً، ينزف حتى الموت أمام أعين الجنود. ولم تنقله شرطة الحدود الشرقية إلى الشطر الشرقي إلا بعد فوات الأوان. وبمرور السنوات، حوّلت ألمانياالشرقية المعبر الحدودي إلى حصن منيع. وفي عام 1989، أي في الذكرى الأربعين لتأسيسها شّيدت ألمانياالشرقية حواجز معدنية إضافية. لكن هذه الحواجز لم تدم طويلاً. أزيل معبر Checkpoint Charlie بعد أسابيع قليلة. وتحول بعدها مباشرة إلى نصب تذكاري خاص، يذكّر بضحايا الجدار. ويعتبر معبر Checkpoint Charlie اليوم من أكثر المواقع استقطاباً للسياح في برلين، والذين يتجاوز عددهم في بعض الأيام ألف سائح في الساعة. كرونولوجيا التاسع من نوفمبر مساء التاسع من نوفمبر اجتماع طاريء للجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم في ألمانياالشرقية سابقاً. أعقبه مؤتمر صحفي لعضو المكتب السياسي Schabowski تحدّث خلاله عن قانون انتخاب جديد. وبعد ساعة من بدء حديثه، أعلن فجأة عن القوانين الجديدة للسفر قائلا: « يمكن للأفراد تقديم طلبات بالسفر إلى الخارج دون شروط ودون ذكر أسباب السفر ودرجة القرابة مع من يريد السفر إليهم. وستقوم السلطات بإعطاء الأذن بالسفر في وقت قصير.» وبعد سؤاله، مراراً وتكراراً، ثبت أن Schabowski لا يعرف أيضاً عن دوافع هذه التغييرات. وقد بث التلفزيون الألماني الشرقي الخبر بصورة عابرة، لكن مواطني ألمانياالشرقية لا يشاهدون بثه على أي حال. خلافاً للتلفزيون الألماني الغربي الذي أذاع النبأ في الساعة الثامنة مساء. وبدأها بعبارة: ألمانياالشرقية تفتح الحدود. على الساعة الثامنة والنصف تجمع آلاف من مواطني ألمانياالشرقية في معبر شارع Bornholmer الحدودي بهدف العبور إلى غرب المدينة. وفي باديء الأمر حاولت شرطة الحدود الألمانية الشرقية تنظيم تدفق عبور هذه الحشود إلى الشطر الغربي. لكن عند الساعة التاسعة والنصف مساء فتحت الحدود واندفعت الحشود دون تنظيم. هنا انفتحت أولى الثغرات الكبيرة في الجدار للعبور إلى الغرب. أما في الجهة الشرقية من بوابة براندنبورغ البرلينية، فبقيت الحراسة مشددة. وعلى أي لم يكن هناك معبر حدودي في هذه المنطقة. وبعد نصف ساعة من منتصف الليل، تدفق العابرون من غرب المدينة إلى بوابة براندنبورغ لما لها من رمزية. وقد واجهتم سلطات ألمانياالشرقية بخراطيم المياه. لكن ذلك لم يغيّر شيئاً من حقيقة انهيار الجدار. رسالة غير متوقعة لأوباما في ذكرى سقوط جدار برلين توجه الرئيس الأمركي باراك أوباما إلى العالم وسكان برلين مساء في رسالة مسجلة غير متوقعة تم بثها خلال الاحتفالات بالذكرى العشرين لسقوط جدار برلين أمام بوابة براندبورغ. وقال أوباما «قلائل منا كانوا يتوقعون أن ألمانيا الموحدة ستقودها يوما امراة أتت من براندبورغ ألمانياالشرقية سابقا، أو أن حليفها الأمريكي سيقوده رجل من أصول إفريقية، لكن القدر الانساني هو ما صنعه البشر». كي مون يحيي من ساهموا في إسقاط الجدار بدوره، حيى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المواطنين الذين ساهموا في إسقاط جدار برلين قبل عشرين عاما، مؤكدا أن «تاريخهم يبقى حتى اليوم مصدر إلهام». وقال بيان أصدره المكتب الإعلامي لكي مون «قبل عشرين عاما، بدل سقوط جدار برلين مسار التاريخ وبات رمزا لانتصار المواطنين العاديين في سعيهم الى الحرية». وأضاف «من واجبنا ألا ننسى أبدا المعركة التي خاضها من ناضلوا من أجل حقوقهم الأساسية وحرياتهم. إن تاريخهم يبقى حتى اليوم مصدر إلهام». وتابع كي مون «إنه تذكير بفاعلية تحرك الشعوب من أجل الخير المشترك، سواء عبر النضال من أجل حقوق الإنسان العام 1989 أو عبر التحرك في القرن الحادي والعشرين للتغلب على الفقر وإطعام الجياع والتصدي للإحتباس الحراري. إن الأممالمتحدة تحييهم اليوم». ساركوزي: سقوط جدار برلين «دعوة لإسقاط» الجدران الأخرى كما أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن سقوط جدار برلين هو بمثابة «دعوة لإسقاط الجدران التي مازالت عبر العالم تقسم شعوبا». وقال أمام بوابة براندبورغ، رمز تقسيم برلين «إذا كنت سعيدا لأني هنا، هو لأن سقوط جدار برلين يعتبر اليوم بمثابة دعوة، دعوة لنا جميعا لمحاربة القمع وإسقاط الجدران التي ما تزال عبر العالم، تقسم مدنا وأراض وشعوبا».وأضاف الرئيس الفرنسي أمام مئات آلاف الأشخاص الذين اجتمعوا برغم المطر للاحتفال بالذكرى «في التاسع من نوفمبر 1989، أنتم البرلينيون، أدهشتم العالم بتحقيقكم حلمكم الذي هو حلم الحرية». وأوضح «البرلينيون هم الذين دمروا جدار الذل هذا الذي كان العالم بإسره يعتقد أنه غير قابل للتدمير». وأشار إلى أنها «الرسالة التي تفتخر أوروبا المتصالحة بتوجيهها إلى العالم». وقال «لهذا السبب يشعر الأوروبيون اليوم في قلوبهم ما كان ينشده البرلينيون ليلة التاسع من نوفمبر قبل عشرين عاما: نحن أشقاء، نحن البرلينيون أشقاء».