تحكي كنيسة «الذكرى» الواقعة في قلب العاصمة الألمانية «برلين» التحولات التاريخية التي عرفتها ألمانيا وتلخصها في هندستها وشموخها واختلاف عناصر تزيينها، فالكنيسة مقسمة إلى جزءين جراء آثار الحرب، كما يحكي ذلك أحد المرشدين السياحيين بعين المكان، واجهتها الخلفية دمرت، غير أنها ظلت شامخة شاهدة على مرحلة حاسمة من تاريخ ألمانيا. الهدوء السائد بها يعكس حياة مدينة بكاملها، التي مهما ازدحمت شوارعها إلا أن زائرها يشعره بالأمان من خلال هندسة وشموخ بناياتها وأرضيتها المغطاة بحجر «الجرانيت». برلين الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من ألمانيا، البوابة الشرقية لأوربا الغربية، منذ إعادة اختيارها كعاصمة لألمانيا بعد توحيد البلاد، شهدت العاصمة الألمانية تحولات كبيرة في مختلف المجالات. تتمتع المدينة الواقعة على نهر «شبري» بمكانة لا مثيل لها بفضل كونها مركز الثقل السياسي لألمانيا. ومن المعالم البارزة التي تتمتع بها برلين هناك بوابة براندنبورغ التي تعد شعار المدينة ودور الأوبرا الشهيرة بها ومسارحها وقاعاتها، إضافة إلى معرضها السياحي العالمي. هذا بالإضافة إلى مبنى الرايخستاج (البرلمان الاتحادي الألماني) بقبته الرائعة التي تضفي رونقا خاصا على المدينة وتجتذب ملايين السياح سنويا. جدار للتاريخ المتجول في شوارع برلين يستحضر، من خلال هندستها المعمارية، تاريخ شعب فرقته ذات يوم الإيديولوجيات عبر جدار فاصل بين الشرق الشيوعي والغرب الليبرالي، جدار طويل ذاك الذي فصلها إلى شطرين، واحد كان يطلق عليه اسم «برلين»الشرقية وآخر يسمى بالغربية كان الغرض منه تحجيم المرور بين هذه الأخيرة «ألمانياشرقية، بني أواسط سنة 1961 وجرى تحصينه على مدار السنين، ليتم هدمه بعد ذلك بشكل شبه كامل سنة 1989. الجدار أصبحت بقاياه اليوم مزارا للسياح القادمين لاستكشاف تاريخ ألمانيا من خلال عاصمتها، وعلى ضفتيه مُحيت آثار الحدود وباتت برلين«الشرقية» و «شقيقتها الغربية» نموذجا للتطور الذي شهدته ألمانيا بعد سقوط الجدار، ويبرز بذلك بصمات مهندسين عالميين كبار، في «المدينتين»، مثل «ريسو بيانو» في «بوتسدامربلاتس» و»دانييل ليبسكيند» في المتحف الأثري. تقدم برلين بمتاحفها، التي تفوق 170 متحفا، كنوز الثقافة العالمية للزوار، وتقع بين نهري «شبري» و«كوبفرغرابن» مجموعة مشهورة من المتاحف الأثرية كإرث ثقافي عالمي، تتواجد في قاعاتها وبناياتها مجمعات أركيولوجية وتعرض فيها فنون يرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر. وتعرض متاحف برلين كذلك هيكل «بيرغامون» والتمثال النصفي «لنوفيرتيني» الذي يرمز ل «أجمل فتاة في مدينة برلين» وأعمال فنانين قدامى وشباب أمثال «غيوتو» و»بيكاسو» و»جوزيف بويس» و»جورج باسيليز» و»كايت هارينغ». كما يجد المرء في متاحف برلين مجمعات فنية مشهورة لفنانين كبار مثل «هاينس بيرغريون» و»إيريش ماكس» و»فريدريش كريستيان» التي تغني وتكمل عروض هذه المتاحف وتجلب الفن المعاصر والكلاسيكي إلى برلين، لأن المدينة، كما هو مدون في التاريخ، استقرت بها حركة فنية شبابية، حيث كانت مصدر إلهام العديد من الفنانات والفنانين العالميين في أعمالهم لجاذبيتها وتياراتها المختلفة. التوحيد عوض الحدود أدت المظاهرات السلمية التي قام بها الألمان في ألمانياالشرقية سابقا إلى سقوط حائط برلين في خريف سنة 1989. احتفلت ألمانيا بيوم الوحدة في برلين بعد مرور سنة واحدة على هذا الحدث التاريخي وأصبحت هذه الأخيرة العاصمة الاتحادية بموجب قرار أصدره البرلمان الألماني «البونتستاغ» في سنة 1991 ومقرا للحكومة الاتحادية وللبرلمان الألماني. واليوم، لا توجد آثار التفرقة سوى ما تبقى من الجدار، فجميع الألمانيين سواسية ولم تعد الإيديولوجيات تفرق بينهم. برلين، النموذج السابق للحدود غير جلده ليساهم في التوحيد بين «شعبيها»، رغم أن هويتها وثراتها وثقافتها لم تكن تقبل القسمة. التذكار الذي يخلد لمحرقة اليهود بالعاصمة برلين يزيد من تأكيد الألمان على ضرورة المصالحة مع ماضيهم، الذي بصمه العديد ممن مروا منها بالدم. برلين اليوم تختلف عن برلين ما قبل سنة 1989 التي كانت تمثل عاصمة «الحرب الباردة» وهي تزهو بحياة جميلة.