هناك أكثر من طريق لمواجهة التأخر التاريخي العربي، ومن بين هذه الطرق نشير إلى أن إصلاح واقع المعرفة وركائزها المتمثلة في التعليم والاقتصاد وتقنية المعلومات يعد من المداخل المساعدة على تنويع المواجهة، من أجل المساهمة في الإعداد لبناء المجتمعات العربية. ولهذا السبب نخصص مواد هذا العدد لمقاربة واقع الفجوة المعرفية التي تزداد اتساعا في البلدان العربية، الأمر الذي يضاعف من درجات الأمية السائدة. إن صدور تقرير عن أحوال المعرفة في البلدان العربية، يمنحنا فرصة لتوسيع دوائر النقاش حول أدائنا المعرفي، وحول النواقص والثغرات والثقوب العديدة التي ما تزال عنوانا للتخلف المعرفي العربي، في عصر يتميز بإيقاع سريع في التطور التكنولوجي، وفي تطوير أدوات المعلومات والمعرفة، الأمر الذي يركب تحديات عديدة، ويدعونا إلى مزيد من مضاعفة الجهد لتدارك صور الخلل المتفاقمة في المجال المعرفي العربي. وإذا كان من المؤكد أن مجتمع المعرفة اليوم تشرطه بنيات محفزة تتمثل في توسيع حزمة الحريات في المستوى السياسي والاقتصادي وكذا في المستوى الثقافي والمجتمعي، فإن تحسين الشروط المذكورة يقتضي إضافة إلى ما ذكرنا، بناء المؤسسات التي تستطيع بدورها احتضان ودعم قواعد المعرفة، ذلك أنه بدون المؤسسات وبدون قوانين لا نستطيع بناء ما يساعد على تراكم المعرفة، وتراكم الخبرات الصانعة للذكاء البشري. يضاف إلى ذلك، أن الانخراط في مجتمع المعرفة يستدعي الوعي بكون عصرنا يتميز بميلاد ظواهر جديدة بفعل الثورة التكنولوجية، وما ترتب عنها من نتائج في حياة البشر. وقد تولد عن شبكات المعرفة وتقنياتها المتطورة مجموعة من القيم التي أصبحت تتطلب إعادة النظر في منظومات القيم، وفي القوانين التي تدبر حياة الناس ومستقبلهم. ومن هنا تأتي أهمية الانخراط الواعي في مجتمع المعرفة، بكل ما يحمله من تحديات ومهام مستعجلة. صحيح، أننا ما نزال في عتبات دنيا من سلم المعرفة، إلا أننا معنييون بمختلف الإشكالات التي ذكرنا بحكم أن التفكير فيها اليوم يساعدنا على الانتباه إلى الآفاق التي يفتحها مجتمع المعرفة أمامنا، بكل إيجابياته وبكل التناقضات التي يحملها في جوفه. عندما نخصص هذا العدد لتقديم ملف عن الأداء المعرفي العربي وعن المفاهيم الموصولة به والأسئلة التي تطرح عند التفكير في كيفية التحرك نحوه، فإننا نروم من وراء هذا الاختيار توسيع وتعميم الجدل في موضوع الفجوة المعرفية العربية.