نخصص عدد اليوم من «الملحق الثقافي» لتقديم التقرير الصادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي والمنتدى الاستراتيجي العربي، حول «المعرفة في الوطن العربي» والذي تم إعلان صدوره في دبي خلال يومي 28 و 29 أكتوبر 2009. أما عنوان هذا التقرير الأول من سلسلة رباعية فهو «نحو تواصل معرفي منتج»، والهدف من هذه السلسلة معاينة ومتابعة الأداء المعرفي في البلدان العربية، وذلك من زوايا مختلفة بهدف تعيين طبيعة وعمق الفجوة الرقمية العربية، مع محاولة لرسم أبرز التحديات التي يطرحها مجتمع المعرفة اليوم، سواء في الدول التي بلغت عتبات متقدمة في توسيع دوائر مجتمع المعرفة، أو في البلدان العربية التي تعاني من أمية مضاعفة، أمية معرفية وأخرى رقمية. كان الاحتفال بإطلاق هذا التقرير الأول مناسبة لمناقشة الأسئلة الجديدة المتعلقة بالتأخر المعرفي العربي، وذلك للتفكير في سبل الإصلاح المعرفي في أبعاده التقنية، وفي روحه المتعلقة بالبعد التنويري والنقدي، للتمكن من محاصرة مختلف عوائق الفجوة المعرفية التي تزداد اتساعا بحكم التراجعات العديدة الحاصلة في المجتمعات العربية سواء في المستوى السياسي أو في المستوى الاقتصادي أو المعرفي، وذلك بحكم تداخل وتكامل هذه المستويات. شارك في إعداد التقرير مجموعة من الباحثين من مختلف الأقطار العربية، وحرره خمسة خبراء من بينهم الأستاذ كمال عبد اللطيف ( من المغرب ) الذي شارك في الاحتفال المذكور، وقدم عرضا حول أبرز محاور التقرير، كما عمل على إعداد إطاره النظري العام المتعلق بالمفاهيم والإشكاليات. وقد وافانا مشكورا بملخص عام، كما اختار لملحقنا عينة من أبرز القضايا التي أثيرت في التقرير. ثلاثية المعرفة والتنمية والحرية منطلقان اثنان يشكلان رافعتين مركزيتين في تقرير المعرفة العربي ويوجهان مختلف فصوله، سواء منها الفصل الذي يتناول بالبحث المفاهيم والمرجعيات أو الفصل الذي يخوض في البيئة التمكينية، وكذلك باقي الفصول التي اعتنت بأهم مرتكزات وتجليات مجتمع المعرفة. يتحدد المنطلق الأول في تصورنا في العلاقة بين ثلاثية المعرفة والتنمية والحرية. فعندما نتحدث عن علاقة التنمية الإنسانية بالمعرفة نكون قد استحضرنا الجانب الغائي الذي يجعل المعرفة في خدمة التنمية، وعندما نتحدث عن الحرية نكون بصدد التفكير في الأطر الاجتماعية والسياسية المساعدة في عملية العناية بالمعرفة والإبداع. ذلك أن هناك نوعاً من التفاعل الخلاق بين توسيع فضاءات الحرية وبناء المعرفة. أما المنطلق الثاني فترسمه العلاقة بين مطلب التنمية وبناء مجتمع المعرفة حيث أصبح من المؤكد اليوم أن تجليات المعرفة اتجهت لتفعيل الجهود التنموية المجتمعية بما فيها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الرامية إلى مغالبة النواقص التي تحد من إمكانية توسيع وتعميم الرفاه البشري. إن المعرفة حق إنساني وهي طريق يروم تذليل العديد من الصعوبات والعقبات التي تعترض طريق الإنسان، إضافة إلى أنها تشكل اليوم ضرورة تنموية بالغة الأهمية، حيث تؤكد معطيات الحاضر في البلدان التي بلغت عتبات متقدمة في مجال امتلاك وحيازة المعرفة وتقنياتها أن التوظيف الممارس لمنتوج المعرفة في جميع مجالات النشاط الاقتصادي والاجتماعي، يساهم بفعالية في توسيع خيارات الإنسان وفي مزيد من تحرره من أجل تحقيق التنمية الإنسانية الشاملة. ويجدر التأكيد هنا على أن التلازم والترابط بين المعرفة والتنمية لا ينبغي أن يفهم في إطار أي نوع من الحتمية الميكانيكية او السببية المباشرة، بل ينبغي أن يتم استيعابه في إطار الجدل التاريخي الذي يقيم تفاعلات مركبة ومعقدة بين هذه الأسس، ليركب انطلاقا منها تجليات وأقطاب مجتمع المعرفة.