جاء تقرير التنمية البشرية لعام 2001 الذي يصدره برنامج الأممالمتحدة الإنمائي (UNDP) هذا العام، تحت عنوان "مساهمة التقنيات الحديثة في خدمة التنمية البشرية" واحتفل بنشره في العديد من العواصم العالمية في العاشر من يوليو الجاري. وحمل التقرير العديد من المتغيرات، أول هذه المتغيرات كان على صعيد دليل التنمية البشرية الذي تباينت مراتب الدول فيه، قياساً بالسنوات السابقة، بسبب اعتماد التقرير مساهمة التقنيات الحديثة في خدمة التنمية البشرية كمعيار لهذا العام، إلى جانب معايير التنمية الأساسية الثلاثة وهي: - العمر المتوقع عند الولادة. - معرفة القراءة والكتابة بين البالغين. - نصيب الفرد من الناتج الإجمالي لكل دولة. متغير آخر كان على صعيد الإنجازات التي حققتها مختلف الدول الأخرى حيث أكد التقرير أن معظم دول العالم ليست على الطريق الصحيح لتحقيق الأهداف التنموية التي اتفق عليها زعماء العالم في قمة الألفية التي عقدت في سبتمبر من عام 2000 الماضي. التقرير الجديد هو الثاني عشر في سلسة التقارير المتواصلة التي يصدرها برنامج الأممالمتحدة الإنمائي منذ عام 1990، والتي تحظى باهتمام متميز سواء من قِبل حكومات الدول الواردة في التقرير أو من قِبل مراكز البحث والدراسات والمهتمين بشؤون التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لما يقدمه التقرير من معلومات متنوعة وبيانات تفصيلية عن مجمل النشاط البشري في هذه الدول من خلال شبكة واسعة من الخبراء المنتشرين في 132 دولة. العرب والتقنية الحديثة اعتمد التقرير لأول مرة دليلاً جديداً لقياس الإنجازات التقنية للدول، ويقوم الدليل التقني الذي أطلق عليه اختصاراً (TAI) بترتيب 72 دولة حسب إنجازاتها في إيجاد واستخدام التقنية الحديثة في التنمية البشرية، وقد جاءت فنلندا في المرتبة الأولى في هذا الدليل ثم الولاياتالمتحدة والسويد واليابان، وأوضح التقرير أن سبب تصدر فنلندا للدليل يعود إلى استخدام الجزء الأكبر من سكانها الإنترنت، بالإضافة إلى وجود نسبة كبيرة من سكانها يتلقون تعليمهم في العلوم المتطورة. وقسّم دليل التقنية الدول ال 72 المصنفة إلى أربع فئات وهي: القادة: وتضم 18 دولة تبدأ بفنلندا تليها الولاياتالمتحدة والسويد .. وتنتهي ب"إسرائيل". القادة المحتمَلون: وتضم 19 دولة تبدأ بإسبانيا تليها إيطاليا وتنتهي بتشيلي. المتبنون الديناميكيون: وتضم 26 دولة تبدأ بالأورغواي تليها جنوب أفريقيا، وتنتهي بالهند، وتحوي هذه القائمة أربع دول عربية هي: تونس وسوريا ومصر والجزائر. المهمشون: وتضم 9 دول تبدأ بنيكاراغوا ثم باكستان وتنتهي بموزمبيق. ومن بين الدول العربية في هذه القائمة السودان فقط. أما على صعيد الدول المصدرة للمنتجات عالية التقنية فصنفها التقرير في قائمة تضم 30 دولة تتصدرها الولاياتالمتحدة ب 206 مليارات دولار في 1998 1999 ثم اليابان ب 126 مليار دولار وتنتهي ب"كوستاريكا" ب 3 مليارات دولار، كما تحتل "إسرائيل" المرتبة 23 بصادرات قيمتها 7 مليارات دولار. وهنا لا بد من الإشارة إلى انخفاض نسبة العرب الذين يستخدمون شبكة الإنترنت، ففي حين بلغت هذه النسبة في الولاياتالمتحدة 54.3% من السكان فإنها لم تتجاوز في العالم العربي 0.6% من مجموع سكان الدول العربية. كما قدم التقرير تحليلاً وقتياً ومثيراً لإمكانية قيام تقنية المعلومات والاتصالات وتقنيات التعديل الوراثي بتقديم مساهمات كبيرة في خدمة التنمية في الدول النامية، واعتبرها أداة للتنمية وليست مجرد ثمرة لها بما في ذلك خفض معدلات الفقر والحد من الأمراض المنتشرة في العالم، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية. لكن التقرير يقول: إن هناك صعوبات كبيرة تعترض انتشار التقنية في الدول النامية، فعلى سبيل المثال فإن الكهرباء منذ اختراع المصباح الكهربائي في سبعينيات القرن التاسع عشر لم تصل بعد إلى حوالي ملياري فرد، أي ثلث سكان العالم، وهناك مليارا فرد أيضاً لا يستطيعون الحصول على الدواء الكافي الضروري منخفض التكلفة مثل البنسلين الذي تم تطويره منذ عقود مضت. وطالب التقرير بتشجيع المهاجرين من الدول النامية إلى الدول المتقدمة من ذوي المهارات على العودة إلى بلادهم، حيث إن هجرة الكفاءات يمكن أن تكون مورداً قيماً للبلدان التي تنشأ منها، وبالتالي تعويضها عن جزء من الخسائر التي تتكبدها؛، فالهند على سبيل المثال تخسر نحو ملياري دولار سنوياً من الموارد نتيجة لهجرة خبراء التكنولوجيا منها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. وكذلك عرض التقرير للعديد من جوانب القصور والضعف في مختلف جوانب الحياة التي ما زال أكثر دول العالم يعاني منها، فقد جاء في التقرير أن معظم دول العالم ليست على الطريق الصحيح لتحقيق الأهداف التي وضعتها قمة الألفية للأمم المتحدة التي عقدت في سبتمبر من العام الماضي لتحسين الظروف المعيشية. ويمكن ملاحظة جوانب القصور في النقاط التالية: أ الصحة: هناك 83 دولة - بها 70% من سكان العالم - ليست على المسار الصحيح لخفض عدد المواطنين الذين لا يستطيعون الوصول لمياه شرب آمنة إلى النصف. كما يوجد 2.3 مليار نسمة لا يحصلون على الصرف الصحي، و968 مليون دون إمكانية للحصول على مصادر مياه محسنة. و34 مليون نسمة يعيشون بمرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز حتى نهاية 2000، و2.2 مليون نسمة يموتون سنوياً من التلوث الهوائي. ب التعليم: هناك 854 مليون بالغ لا يعرفون القراءة والكتابة، 543 مليون منهم من النساء مع نهاية عام (2000). كما يوجد 325 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس في المراحل الابتدائية والثانوية، منهم 183 مليون فتاة. ج محدودية الدخل: هناك 74 دولة - بها ثلث سكان العالم - ليست على المسار لخفض محدودية الدخل بحلول 2015 إلى النصف، فعلى مستوى العالم يوجد 1.2 مليون نسمة يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، وهناك 2.8 مليار يعيشون على أقل من دولارين في اليوم. د - الأطفال: هناك 93 دولة -بها 62 في المائة من سكان العالم- ليست على المسار الصحيح لخفض الوفيات دون سن الخامسة بمقدار الثلثين بحلول عام 2015، إذ يوجد 163 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من نقص الوزن، كما لا يزال هناك 11 مليون طفل دون سن الخامسة يموتون سنوياً (30 ألف كل يوم) من جراء أسباب يمكن منعها. دليل التنمية.. سقوط 21 دولة يعتبر دليل التنمية البشرية من أهم المؤشرات على قياس مدى تقدم الدول أو تراجعها في التنمية البشرية، وكان الدليل يضم في السنوات الماضية 174 دولة، وانخفض هذا العدد في دليل عام 2001 إلى 162 دولة، إذ تم إسقاط 12 دولة، من بينها دولتان عربيتان هما العراق وجيبوتي، أما الدول العشر التي أُسقطت وجميعها كانت تتمتع بتنمية بشرية متوسطة، فهي: سانت كينس ونيفس، دومينيكا، سيشيل، غرينادا، كوبا، سانت لويسا، مولدوفا، الرأس الأخضر، جزر سليمان، سان تومي وبرينسيبي، ويقول بعض المسؤولين في البرنامج الإنمائي: إن سبب إسقاط هذه الدول من تقرير التنمية البشرية لعام 2001 إنما يعود إلى غياب المعلومات اللازمة عن هذه الدول. ومن خلال قراءة الدليل يمكن تسجيل النقاط التالية: - احتلت النرويج المرتبة الأولى في التقرير مبعدة كندا إلى المرتبة الثالثة بعد احتلالها المركز الأول ست سنوات متتالية، بينما جاءت أستراليا في المرتبة الثانية، وتراجعت الولاياتالمتحدة إلى المرتبة السادسة متراجعة بمقدار ثلاث مراتب عن السنة السابقة، بينما جاءت في المرتبة الأخيرة من الدليل سيراليون التي يُتوقع للطفل المولود فيها أن يموت قبل سن التاسعة والثلاثين. - جاءت "إسرائيل" في المرتبة 22، متقدمة مرتبة واحدة عن عام 2000، وذلك بعد دول الاتحاد الأوروبي، في حين أن أول دولة عربية وهي البحرين احتلت المرتبة 40. - تباينت مواقع الدول العربية في دليل التنمية البشرية لهذا العام، فقد ضم الدليل 18 دولة عربية بعد استبعاد العراق وجيبوتي إضافة إلى الصومال وفلسطين من قبل، ومن خلال دراسة مواقع الدول العربية في دليل التنمية البشرية يتضح أن الفرق كبير بين أول دولة وهي البحرين وآخر دولة وهي إريتريا ويبلغ الفرق بينهما 108 مراتب، كما تتوزع الدول العربية على التصنيفات الثلاثة التي يعتمدها التقرير وهي: تنمية بشرية عالية، ومتوسطة، ومنخفضة، وذلك على النحو التالي: أ - تنمية بشرية مرتفعة: تضم 48 دولة منها أربع دول عربية فقط وهي: البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر، وهذه الدول حافظت على تصنيفها ضمن الفئة الأولى لكن مراتبها اختلفت عن العام الماضي 2000، فقد سجلت دولة البحرين فقط تقدماً مقداره مرتبة واحدة، بينما تراجعت الكويت سبع مراتب وقطر ست مراتب، وحافظت الإمارات على مرتبتها السابقة. ب - تنمية بشرية متوسطة: تضم 78 دولة منها 10 دول عربية مرتبة في الدليل على النحو التالي: ليبيا، لبنان، السعودية، عمان، الأردن، تونس، سوريا، الجزائر، مصر، المغرب، إذ سجلت جميعها تقدماً يتراوح بين 4 مراتب للأردن كحد أدنى 17 مرتبة للبنان كحد أعلى، بينما كانت سلطنة عمان الوحيدة التي سجلت تراجعاً سلبياً مقداره 15 مرتبة عن العام الماضي. ج - تنمية بشرية منخفضة: تضم 36 دولة منها أربع دول عربية أيضاً، وهي اليمن، السودان، موريتانيا، إريتريا وجميعها سجلت تقدماً إيجابياً. اختلال الترتيب يرى العديد من الخبراء أن حذف 12 دولة من دليل التنمية البشرية يجعل من تقويم الأداء التنموي للدول الواردة في الدليل غير دقيق مقارنة بالعام الماضي على الأقل؛ لأن تقدم بعض الدول جاء على حساب حذف دول أخرى من الدليل، أما بالنسبة للدول العربية فإن النتائج يمكن أن تصنف ضمن محورين: الأول: تصنيف دقيق: ويتضمن الدول التي جاءت تحت تصنيف تنمية بشرية مرتفعة؛ لأن أياً من دول القائمة لم يُحذف. الثاني: تصنيف غير دقيق: ويشمل الدول الواردة تحت تصنيف تنمية بشرية متوسطة فقد تم حذف 11 دولة ومن مواقع مختلفة، وإذا تم أخذ مواقع الدول المحذوفة بأنها حافظت على مرتبتها كما كانت في عام 2000 فإن مراتب الدول العربية الواقعة ضمن هذه الفئة ستختلف عما أورده التقرير لصالح تراجع مراتب أكثر الدول العربية، حيث 7 دول عربية سجلت تراجعاً عن العام الماضي وبمراتب عالية نسبياً، وأكبر من المرتب الإيجابية التي سجلتها الدول العربية الأخرى. ويخلص تقرير التنمية البشرية لعام 2001 الذي اعتمد محور مساهمة التقنيات في جهود التنمية البشرية كمعدل لقياس تقدم الدول بالإضافة إلى محاور التنمية البشرية الأساسية -إلى أن الدول التي ستفشل في تحقيق استغلال فعال للتقنية غالباً ما ستجد نفسها تتراجع وتتخلف في التنمية البشرية ومهمشة أيضاً في الاقتصاد العالمي. لذلك يدعو التقرير جميع الدول إلى أن تبدأ مسيرتها في هذا المجال حسب استطاعة كل دولة، إذ تقول "نانسي بيردسال" المستشارة الخاصة للتقرير: +لا تستطيع كل الدول أن تكون عند الحد الأقصى للتقدم، ولكن في سوق اليوم العالمي المستند إلى المعرفة تحتاج كل دولة مهما كانت درجة فقرها إلى بناء قدراتها الخاصة للتحكم ومواءمة للتقنيات العالمية مع حاجاتها المحلية، وهذا يعني الاستثمار في التعليم الثانوي والبحث الجامعي وخلق الحوافز للشركات لتدريب العاملين بها؛. وهكذا، بينما تتسابق العديد من دول العالم لرفع مستويات التنمية البشرية لديها يتضح أن أغلب الدول العربية ما زال أداؤها ضعيفاً في محاور التنمية البشرية الأساسية، بينما يكشف عن خلل خطير في مجال مساهمة التقنيات الحديثة في التنمية البشرية، إذ أظهر التقرير أن الدول العربية ما زالت في مواقع مهمشة على الصعيد العالمي فيما يتعلق بتقنية المعلومات والاتصالات وجميع التقنيات الحديثة إنتاجاً واستخداماً. عبد الكريم حمودي