1) التجربة المغربية لقضاء الأحداث إن فكرة تعديل قانون المسطرة الجنائية المغربي الصادر في 1959/02/10 كانت جاثمة على صدر المشرع المغربي منذ الربع الأخير من القرن الماضي، ما جعله يتدخل بتاريخ1974/09/28، من خلال الظهير الشريف المتعلق بالإجراءات الانتقالية ويضخ بعض التعديلات المرحلية حتى حين، فإن هذا الحين تحقق بتاريخ 2002/10/03 ميلاد قانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الجديد. وهكذا زف المشرع المغربي للطفل، سيما الذي يكون في نزاع مع القانون، حقوقا وضمانات مشبعة بمبادئ التكريم التي أقرتها الشريعة الإسلامية من جهة، وأحكام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل المغرب من جهة ثانية، آخذا بعين الاعتبار التكوين النفسي والعقلي للطفل والذي لا يقوى على الإيذاء وتحمل الألم، فجعل نظام عدالة الأحداث إنسانيا وفعالا يستنير بالصكوك الدولية. إذ منع التعذيب وحكم الإعدام والسجن مدى الحياة، بل جعل احتجاز الطفل ملاذا أخيرا وقيده بالتعليل وقصر المدة. ثم خلق أجهزة متخصصة في عدالة الأحداث، كي يتسنى معالجة هذه الشريحة من المجتمع بطريقة مخالفة توافق سنها ومستوى نضجها، فتكون قرارات هذه الأجهزة تروم المصلحة الفضلى للطفل أساسا. مرحلة البحث التمهيدي إن الحدث وفق قانون المسطرة الجنائية الجديد هو كل ذكر أو أنثى دون سن 18 سنة جانحا أم ضحية لجريمة أو في وضعية صعبة. ولئن كان المشرع المغربي قد تجاوب مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والتي قام بالتصديق عليها سنة 1993 برفعه سن المسؤولية الجنائية (18 سنة)، فإنه عكس كذلك روح هذه الاتفاقية في تفريقه بين الطفل الذي يكون مرتكبا لفعل جرمي أو عندما يكون في خطر. ولما كانت غاية المشرع المغربي من محاكمة الأحداث الجانحين تهدف أساسا إلى إصلاحهم وتقويمهم ووقايتهم دون اللجوء للمعاقبة والجزاء؛ وذلك باعتماد المعاملة الإنسانية المتمثلة في الاعتراف بحقوقهم ومد يد المساعدة لهم وتفهم ظروفهم، فإنه عمد إلى خلق شرطة خاصة بالأحداث الفصل (19 من قانون المسطرة الجنائية)؛ وذلك تجاوبا مع المادة 2 من القواعد التي أقرها المؤتمر الدولي السابع بالأمم المتحدة حول الوقاية من الجريمة المنعقد في ميلانو سنة 1985، وكذا طلب المنظمة الدولية للشرطة سنة 1947 بإنشاء شرطة خاصة بالأحداث، واعيا بمدى خطورة هذا الجهاز الذي يشكل خط التماس المباشر والاتصال الأول بالحدث عند ارتكابه لفعل يجرمه ويعاقب عليه القانون أو كان هو الضحية لهذا الفعل الجرمي. ودرءا منه للظروف الفظة والمعاملة الخشنة لضابط الشرطة والتي تمليها أحيانا طبيعة شخص المجرم أو خطورة الجريمة، فإن المشرع ألبس ضابط الشرطة المكلف بالأحداث قفازا حريريا يجعل تعامله مع الحدث الماثل أمامه تعاملا رقيقا وناعما وهو ما يؤخذ من المادة 460 حين أتاح له استثناء الاحتفاظ بالحدث لمدة لا تتجاوز المدة المحددة للحراسة النظرية وكلفه باتخاذ كافة التدابير لتفادي إيذائه؛ وبذلك يكون المشرع المغربي قد جعل من الحدث، وهو في عهدة الشرطة، وديعة يتعين حفظها وصونها. وجعل لهذا الحفظ ضوابط وآليات تحققه، فضوابطه أنه، أولا، إجراء استثنائي لا يلجأ إليه إلا إذا تعذر تسليم الحدث لمن له حق رعايته، أو اقتضت ضرورة البحث أو سلامة الحدث ذلك بشرط موافقة النيابة العامة. وجعل مدتها هي نفس مدة الحراسة النظرية، أي 48 ساعة ثم أثقل كاهل ضابط الشرطة القضائية بلزوم اتخاذه كافة التدابير لتفادي إيذاء الحدث. وإني لأشفق حقيقة على ضابط الشرطة القضائية من هذا التكليف، لأن الإيذاء كما يتحقق بالعنف، سواء كان لفظا أو فعلا، فإنه قد يتحقق بشدة البرد أو الجوع أو حتى من لسعة نحلة تسبب للحدث ورما وانتفاخا تجعل الضابط محل المساءلة. ومن الضوابط كذلك وجوب إشعار ولي الحدث أو من يحل محله من وصي أو كافل، ولهذا الأخير حق تنصيب محام؛ وبالتالي فلهما حق الاتصال بالحدث بإذن النيابة العامة وبحضور ضابط الشرطة مع إلزامهم بسرية البحث. أما آليات تحقق سلامة الحدث وحفظه لدى الشرطة، أولا: ما جاء في المادة 45 من ق.م.ج وفي الفقرة الثالثة التي أعطت للسيد وكيل الملك زيارة مخافر الشرطة والأماكن المخصصة للحراسة النظرية على الأقل مرة في الأسبوع ومتى شاء ذلك مع تحرير تقرير لكل زيارة. آلية ثانية تتمثل في اتصال ولي الحدث وأحيانا دفاعه بمكان الاحتفاظ به، ومن تم التأكد من كون الحفظ وعدم الإيذاء محققين. آلية ثالثة كذلك نأخذها من المادة 74 من ق.م.ج في الفقرة التاسعة ما قبل الأخيرة والتي ورد بها أنه إذا تعلق الأمر بحدث يحمل آثارا ظاهرة للعنف أو إذا اشتكى من وقوع عنف عليه وجب على ممثل النيابة العامة، وقبل الشروع في الاستنطاق، إحالته على فحص يجريه طبيب، وأردف المشرع في الفقرة الأخيرة بأن لمحامي الحدث أن يطلب إجراء هذا الفحص. وبهذا أجد أن الفقرة 7 من قواعد بكين التي تنص على وجوب تحرير البحث من قبل الشرطة بحضور أحد أولياء الطفل أو محاميه، محققة فيما ذكر آنفا، وذلك لتحقيق ضمانات إنسانية مثل قرينة البراءة، والحق في معرفة التهمة الموجهة له، وحقه في الصمت ثم خلق السكينة والطمأنينة في قلبه. وجدير بالذكر كذلك أن المشرع أعطى للسيد وكيل الملك في الفقرة الأخيرة من المادة 467 من ق.م.ج الحق في أن يكلف قاضي أو عدة قضاة بالنيابة العامة بالقضايا المتعلقة بالأحداث. وهذا الأخير الذي أناطه بمهام جد موسعة لحفظ مصلحة الطفل الذي في نزاع مع القانون بدءا من مرحلة البحث التمهيدي. إذ فضلا عن صلاحياته في المادتين 45 و74 في الجنح من ق.م.ج متعه بصفته ضابط سامي للشرطة القضائية بسلطة تقديرية تتأرجح بين تسليم الحدث لوليه أو من يقوم مقامه أو الاحتفاظ به مدة الحراسة النظرية أو إخضاعه لنظام الحراسة المؤقتة المادة 471 من ق.م.ج مع ما قد يثيره تفعيل هذه المادة من مناقشة فقهية(شخص جدير بالثقة الإيداع نظام الحرية المحروسة). مرحلة النيابة العامة من الضمانت التي جاء بها الكتاب الثالث من ق.م.ج للحدث جانحا كان أم ضحية أم في وضعية صعبة جعل ممارسة الدعوى العمومية في حقه بيد النيابة العامة وحدها (المادة 461 من ق.م.ج) دون سواها قاطعا الطريق بذلك على الإدارة العمومية وكذا المشتكين دفعا لأي ادعاء كيدي قد يضر الطفل ويجره إلى طاولة القضاء وللسيد وكيل الملك فصل قضية الحدث عن الرشداء متى جمع بينهم فعل جرمي ثم إحالة الحدث على القاضي (أو المستشار) المكلف بالأحداث دون أن يرتب أي أثر قانوني آخر (كفرض كفالة أو المتابعة بالاستدعاء المباشر). وفي نفس المادة 461، فإن المشرع المغربي، أسوة بالعديد من التشريعات بالمقارنة، عمد إلى تبني مبدأ الصلح في المادة 41 من ق.م.ج والتي يحيل عليها الفصل 461 من ق.م.ج كآلية بديلة للعقوبة السالبة للحرية؛ وذلك لإنهاء النزاع وتعطيل تحريك الدعوى العمومية. على أن المادة 41 من ق.م.ج جعلت لجوء السيد وكيل الملك للصلح اختياريا وليس إلزاميا؛ وذلك حفاظا على اختصاص النيابة العامة الأصيل في حماية المجتمع وإقامة الدعوى العمومية واستعمال حق الملاءمة، علما أن المشرع حصر الصلح في بعض القضايا البسيطة والمحدودة رعيا للاستقرار الاجتماعي. والسيد وكيل الملك إن كان سفيرا للصلح بمقتضى المادة 41 من ق.م.ج، فإنه مع ذلك ليس له أن ينصب نفسه مكان أطراف النزاع، بل يقترح ولا يلزم ويفسر ويوضح دون أن يملي أو يضغط سعيا منه لتحقيق الغاية المثلى للقانون وهي تحقيق العدالة والانتصار للخير والعفو بدل الانتقام والعقاب، دون أن نغفل الإشارة إلى أن مسطرة الصلح ليست مسقطة للدعوى العمومية، بل موقفة لها فقط. ولوكيل الملك حق بعثها وإحيائها في حالتين، أولهما تراجع المشتكى به عن تنفيذ قرار الصلح المصادق عليه، وثانيهما ظهور أدلة جديدة لم تعرف من قبل تستلزم تحريك الدعوى العمومية. كما للسيد وكيل الملك وفق المادة 461 أن يلتمس بعد إقامة الدعوى العمومية وقبل صدور حكم نهائي في جوهر القضية إيقاف سير الدعوى العمومية في حالة سحب الشكاية وتنازل المتضرر. مؤسسة قاضي الأحداث أحدث المشرع المغربي هذه المؤسسة شأنه في ذلك شأن العديد من التشريعات التي آمنت بضرورة اعتماد مقاربة جديدة للتعامل مع قضايا الأطفال الذين يكونون في نزاع مع القانون بما يعكس حاجة هذه الفئة للرعاية والتوجيه والإصلاح وإعادة إدماجهم بشكل سوي وسلس في المجتمع. ومن تم كان لقاضي الأحداث الجمع بين الصفتين القضائية والرعائية، فتجده دوما يركز على شخصية الحدث من جهة، وظروفه العائلية والاجتماعية من جهة ثانية، بمعنى أنه يميز بين الجريمة كواقعة مادية وبين الفاعل مستقلا عن هاته الواقعة، فيرتب التدبير الملائم والمنسجم مع وضع الحدث هادفا بذلك صون مصلحته الفضلى ولفه ما أمكن بثوب الحماية. ترى من هو قاضي الأحداث؟ نصت المادة 467 من ق.م.ج على أنه يعين قاض أو أكثر من قضاة المحكمة الابتدائية للقيام بمهام قاضي الأحداث لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بموجب قرار لوزير العدل بناء على اقتراح رئيس المحكمة الابتدائية؛ وذلك انسجاما من المشرع المغربي مع المواثيق الدولية التي صادق عليها. ومن تم، فإن للسيد قاضي الأحداث، والذي طوقه المشرع بأمانة الأبوة، خمس قبعات أو خمس تسميات: فهو قاضي ممر؛ وذلك عندما يحال عليه الحدث أول مرة من قبل السيد وكيل الملك والحال ما ذكر له تفعيل مقتضيات تدابير الحراسة المؤقتة المنصوص عليها في الفصل 471 من ق.م.ج. ثم هو قاضي منفرد ينظر في المخالفات والجنح الضبطية موضوع اتهام الحدث. ثم يرأس غرفة الأحداث في الجنح التأديبية عدا تلك التي يباشر فيها التحقيق. ثم قاضي التحقيق متى نظر إليه السيد وكيل الملك بهاته الصفة عملا بالفصل 83/470 من ق.م.ج. وأخيرا فهو قاضي يعيد النظر في التدابير المنصوص عليها في المادة 481 كيفما كانت الهيئة القضائية التي أصدرت المقرر دون إغفال دوره وفق المواد 502/503/516 من ق.م.ج. وبالنسبة للحالة الأولى، تعتبر جد دقيقة وحاسمة في حياة الحدث وللقاضي نفسه، لما قد تثيره من معطيات تؤثر على سير الدعوى وعلى ما سيترتب عنها، ناهيك عن جملة إشكالات تطفو على طاولة القاضي الذي عليه إخراج الحدث منها بأخف الأضرار إن لم نقل دونها. (إمكانية طرح الإشكالات والمفارقات وكذا المعوقات التي تثار أمام السيد قاضي الأحداث عند التقديم الأول للحدث أمامه: العنف + سرقة الأصول دون تنازل الأصل هنا واليا ومشتكيا أو الحضور دون ولي...). مميزات وسيمات المحاكمة في عدالة الأحداث لعل من أهم السمات النبيلة التي حبا بها المشرع المغربي قضاء الأحداث أن جعله، فضلا عما تقدم من قول، قضاء سريا، وذلك تجاوبا مع الصكوك الدولية التي تربأ بالحدث عن الوصم بالجرم من خلال إعلان محاكمته والتعريف بشخصه. وزكى المشرع المغربي هذا الاتجاه المادة 466 من ق.م.ج حين حظر نشر بيانات الجلسات الخاصة بالأحداث في الكتب والصحافة والإذاعة أو بالصور أو التلفاز وكل ما من شأنه التعريف بهوية الحدث الجانح. من سمات قضاء الأحداث كذلك، أو من حسناته، أن محاكمة هذا الأخير تتم بحضور ولي أمره حتى ينعم بكامل الطمأنينة والتوازن النفسي فتكون إرادته حرة طليقة في التحدث أو الصمت، علما بأن الواقع العلمي اليومي أفرز جملة إشكالات ظل النص قاصرا عن تصورها ففتح باب الاجتهاد لمعالجتها وجعلها تفعل وفق روح القانون وما يرتضيه المشرع المغربي ومن ورائه المشرع الدولي «قد يكون الولي مشتكيا سرقة أو عنف ضد الأصول وقد يكون مشغلا وقد يتخلف عن بينة أو إكراه يحول بينه والحضور». سمة ثالثة: هي المحاكمة بحضور محام سواء منصبا من ولي الحدث أو أقاربه أن انتدبه له السيد قاضي الأحداث أو عين من قبل نقيب هيئة المحامين؛ وذلك إيمانا من الشرع بلزوم ضمان تفعيل كافة شكليات وإجراءات المحاكمة العادلة وطابعها الإنساني والحمائي. سمة رابعة: هو أن القضاء جاء منفردا ومميزا بطابعه الانفتاحي على المحيط الخارجي ممثلا في الأسرة والشخص الجدير بالثقة ثم مراكز حماية الطفولة والرعاية وأقسام الإيواء ومؤسسات وجمعيات المجتمع المدني التي تروم خدمة أطفال هذا البلد. في إطار المحاكمة دائما، نجد المشرع المغربي حدد الجزاء في المخالفات المرتكبة من طرف الأحداث متى تعذر تفعيل مقتضيات الفصل 41 من ق.م.ج في التوبيخ والغرامة، علما أن الحدث دون سن 12 سنة يسلم لوليه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو كفيله دون أي جزاء، كما أن المشرع المغربي، وإنشادا منه للمصلحة الفضلى للحدث، جعل الاختصاص «خلافا لقواعد الاختصاص» لمحل إقامة الحدث أو وصيه أو المقدم عليه أو كفيله أو للقاضي الذي عثر في دائرته على الحدث. كما يكون كذلك هذا الاختصاص منعقدا للقاضي الذي يكون بدائرته مكان إيداع الحدث؛ وذلك تيسيرا لمحاكمة الحدث وتسريعا لعجلة الدفع بالمصلحة الفضلى للحدث نحو مرفئها السليم مادام أن للحدث ولوليه ولكافله والمؤسسة التي يكون نزيلا بها حق المطالبة بتغيير التدبير المتخذ سلفا في حقه وتعويضه بما يصونه ويقيه من كل إيذاء أو إبعاد يضرب به. أما في الجنح الضبطية: فينسحب عليها كذلك ما سبق من قول، وللقاضي تفعيل مقتضيات الفصل 471 التي يبقى المناط في التدرج بين فقراتها هو طبيعة شخص الحدث وظروفه العائلية والاجتماعية وما إذا كان متمدرسا من عدمه؛ وذلك تأسيسا على تقرير مفصل ينجزه السيد مندوب الحرية المحروسة الذي ينفذ بأمر قاضي الأحداث إلى بيت أسرة الحدث ومحيطه الضيق كالحي الذي يقطن به ثم المدرسة ونوعية رفقته. كما أن للقاضي أن يكلف الإدارة المكلفة بالشؤون الاجتماعية أو إحدى الجمعيات المؤهلة لهذه الغاية بإنجاز البحث الاجتماعي للحدث دون أن تنسى بأن للقاضي حسب المادة 461 و476 أن يؤجل البث في حق الحدث بقرار معلل متى كان متابعا عن نفس الأفعال مع متهمين رشداء إلى حين البث في حق هؤلاء ما لم يكن ذلك متعارضا مع مصلحة الحدث، وأوجب في مثل هذه الحالة تقديم المطالب المدنية الموجهة في حق الحدث أمام قضاء الرشداء يحضرها وليه ويغيب عنها الحدث رحمة به(465 ق.م.ج). بالنسبة للجنح التأديبية: فإن الحدث يمثل أمام غرفة الأحداث المشكلة وجوبا من قاضي الأحداث رئيسا وقاضيين اثنين ثم ممثلا للنيابة العامة وبمساعدة كاتب للضبط تحت طائلة البطلان 477 وتتم المحاكمة كذلك تحت ظل نفس السمات المومأ لها أعلاه لتنتهي غرفة الأحداث بعد اختتام المناقشات ثم المداولات إلى ترتيب آثار الفصول 480 إلى 484 من ق.م.ج. ولعل أهم نقطة تثير الجدل والنقاش في قضاء الأحداث وتؤرق كافة المتدخلين في عدالة الأحداث هي اللجوء إلى العقوبة السالبة للحرية مما يطرح السؤال: متى يكون هذا اللجوء؟ وما علله ومبرراته؟ وماهي ضوابطه ثم إلى أي مدى يمكن التحرك في مساحته؟ ونقول جوابا عن ما ذكر إن كان المشرع المغربي، انسجاما منه مع قواعد بكين والرياض وطوكيو، يهدف أساسا إلى جعل الطابع الاحتجازي للطفل والمقاربة الجزائية هي الملاذ الأخير «كالكي عند العرب» فجل اللجوء إلى العقوبة الحبسية استثناء من القاعدة تمليه ظروف القضية وخطورتها أو طبيعة شخص الحدث، ثم علقه على وجوب التعليل من جهة، وعلى النزول بالعقوبة في حديها الأدنى والأعلى المنصوص عليهما في القانون إلى النصف من جهة ثانية، علما أن نقصان التعليل وفساده يوازيان انعدامه، كما أن قراءتنا، الشخصية لمقتضيات المادة 473 من قق.م.ج نجدها تحمل في الفقرة الأولى «لا يمكن أن يودع بالمؤسسة السجنية الحدث الذي لم يبلغ 12 سنة كاملة ولو بصفة مؤقتة ومهما كان نوع الجريمة» قرينة قانونية قوية يستحيل كسرها أو دحضها. أما الفقرة الثانية من نفس الفصل، والتي أجازت الإيداع -ولو بصفة مؤقتة- للحدث المتراوح عمره ما بين 12 و18 سنة بمؤسسة سجنية، قرينة قانونية بسيطة يمكن كسرها بعلة عدم ضرورة هذا التدبير أو بعدم استحالة توافر تدبير آخر بديلا عنه وكأني بالمشرع يقول في عدالة الأحداث باستحالة اللجوء للعقوبة السالبة للحرية لسبب بسيط هو أن التعليل الناقص أو الفاسد للإيداع بالسجن يبقى محققا بالنظر لكمية التدابير التي أغنى بها المشرع الكتاب الثالث من ق.م.ج كبدائل للعقوبة الحبسية. من الضمانات التي أعطاها المشرع المغربي للحدث في إطار المحاكمة العادلة أنه فتح للسيد وكيل الملك، عملا بمقتضيات المادة 83 والمادة 470 من ق.م.ج، إمكانية المطالبة بإجراء تحقيق في النازلة. وفي هذه الحالة، تطبق المسطرة المقررة في القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي. وأخيرا وليس آخرا، نشير إلى قاضي الأحداث بصفته الخامسة أو قبعته الخامسة -إن صح القول- حين يُركن إليه بعد الفصل في أسباب إحالة الحدث على القضاء للنظر في التدابير المتخذة في حقه بتعديلها وفق ما يخدم مصلحته الفضلى ووفق ما يستجد في وسطه العائلي وحياته اليومية أيا كانت الجهة مصدرة للقرار مع وجوب الإشارة إلى ما تطرحه الفصول: 501/502/503/516 من ق.م.ج من إشكالات ومفارقات قانونية. ويبقى من الحقيق القول والتحدث عن مؤسسة مهمة، نتمنى أن تكون رائدة في عدالة الأحداث، وهي مؤسسة نظام الحرية المحروسة والتي عمدنا، شخصيا، إلى تحويلها إلى مؤسسة للتبليغ والصلح وتسليم الحدث لأوليائه بعد تسلمه من قاضي الأحداث حين التقديم أو من طرف المؤسسة المودع بها؛ وذلك خدمة لمصلحة الحدث. 2) إمكانية تفعيل العدالة الإصلاحية للأحداث بالمغرب تعتبر العدالة الإصلاحية أسلوبا جديدا للتعامل مع الجريمة يهدف بالأساس إلى الاعتراف بأثرها على الضحية وعلى المعتدي نفسه ثم المجتمع الذي وقعت فيه، ذلك خلافا للعدالة الجنائية التي تجعل من الجريمة عملا مسيئا للدولة وخارقا للقانون. ومن تم نجدها تحمل في أحشائها مقاربة الانتصار للصلح بدل العقاب وتوطيد النسيج الاجتماعي من خلال النشر كثقافة الرحمة والعفو عوض إذكاء روح الضعينة والانتقام. أما عن إمكانية تفعيل العدالة الإصلاحية بالمغرب، فإني أجد المشرع المغربي يلامس هذا النوع من العدالة في الكثير من أطرافه (الفصل 41 و516 و513 من ق.م.ج). ولعل ما يعوق تجسيد عدالة الأحداث هو أن نظام التحويل خارج العدالة التقليدية يستلزم تحقق آليات بنسبة عالية من التدريب والكفاءة والجرأة، علما أننا نرى، شخصيا ،أن شروط ميلاد هاته الآليات قد تحقق منذ أن تبنى المشرع المغربي جملة الصكوك والمعاهدت التي تؤثث فضاءه وتعبد طريقه. * نائب رئيس المحكمة وقاضي الأحداث بالدار البيضاء