ماذا سيفعل المغرب أمام قوانين: التصريح بالممتلكات، تبييض الأموال، الإجراءات الخاصة بالحكومة الالكترونية، ترسيم مرسوم الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة بالمغرب، وحدة معالجة المعلومات المالية...؟ على هامش «جامعة الشفافية» التي نظمتها جمعية ترانسبارنسي المغرب لفائدة ثلاثين شابا مغربيا ينتمون لدول المغرب العربي (تونس، موريطانيا، الجزائر والمغرب) مابين الفترة المتراوحة 10 إلى 14 أكتوبر الجاري من أجل التحسيس والتكوين في مجال الشفافية والحكامة الجيدة، جالست «الاتحاد الاشتراكي» رشيد الفيلالي الكاتب العام للجمعية بمعية كمال المصباحي عضو مكتب الجمعية، فكان معهما الحوار التالي: } أولا هل يمكن إطلاع القراء على طبيعة هذا النشاط الذي تنظمه جمعية ترانسبارنسي المغرب بالرباط في شهر أكتوبر الجاري؟
>> رشيد الفيلالي: تعتبر هذه الجامعة التي نظمتها جمعية ترانسبارنسي المغرب من 10 إلى 14 أكتوبر 2009، الجامعة الثانية التي يشارك فيها شباب جامعيون ينتمون إلى دول المغرب العربي، بعد الحصول على تمويل بشراكة مع مؤسسة فريدريك، فهي تضم 5 شبان من الجزائر، و5 آخرين من موريطانيا، وتونس ممثلة ب 5 شبان، أما بالنسبة للمغرب البلد المنظم والمضيف فشارك ب 15 شابا، أي ما مجموعه 30 شابا جامعيا يلتئمون حول برنامج محدد من أجل الترسيخ و التحسيس بأهمية الشفافية والحكامة الجيدة في دول المغرب العربي وخاصة في أوساط الشباب الجامعي الذي يعتبر الأمل في هذا المجال.
} ماهي الأهداف الأساسية التي رسمتموها من خلال تنظيم هذه الجامعة؟
>> رشيد الفيلالي: الأهداف العامة تتحدد في ثلاثة أهداف رئيسية، أولا حث الجامعيين بصفة عامة على الاهتمام بموضوع الشفافية والحكامة الجيدة وان اقتضى الحال اختيار هذا الموضوع ليكون أحد المواضيع في أبحاثهم الجامعية المتعلقة بالماستر أو لنيل شهادة الدكتوراه، وفي مجال تكوين المكونين، ثانيا جلب واستقطاب طاقات جامعية وشابة للحركة التي تشتغل في مجال محاربة الرشوة والشفافية، خاصة إذا ما أخدنا جمعيتنا كمثال من ناحية عمر النشطين بها، فالأغلبية الساحقة يتجاوز عمرها 40 سنة، وبالتالي فنحن في الجمعية نحتاج إلى طاقات من الجيل الجديد، ثالثا دعم ومساندة حركة المجتمع المدني للشفافية والحكامة الجيدة ومحاربة الرشوة في دول المغرب العربي، حيث نلاحظ أن المغرب البلد الوحيد الذي يتوفر على جمعية من هذا النوع وقد راكمت تجربة متواضعة في المجال تقدر ب 14 سنة من العمل المضني والنضال، وتريد أن تشارك دول المغرب العربي في هذه التجربة عبر التأطير والتكوين، وعلى سبيل المثال فلقد سبق لي أن زرت موريطانيا في هذا الإطار من أجل دعم حركة تضم 20 جمعية في نواكشوط ووضعنا لبنات للحركة، إلا أن ذلك جاء متزامنا مع عشية إجراء الانتخابات الرئاسية بموريطانيا ففضلنا تأجيل التأسيس إلى وقت لاحق، أما الوضع بتونس فلا توجد أية حركة، لذلك نسعى من خلال هذه الجامعة أن نوصل خطاب الوصول إلى المعلومة على ضوء المبادئ المديرية لمنظمة اليونسكو.
} يأتي تنظيم هذه الجامعة للشفافية بعد أيام قليلة عن صدور تقرير ترانسبارنسي الدولية ، بما فيه الجانب المتعلق بالمغرب، هل بالإمكان تنوير القراء عن المحاور الأساسية لهذا التقرير بشكل موجز؟
>> كمال المصباحي: يصل عدد الدول المساهمة في التقرير الدولي التي تصدره جمعية ترانسبارنسي الدولية، 18 بلدا من بينها المغرب، فبالنسبة للمغرب التقرير اهتم بسؤالين أساسيين: الأول يتعلق بكل التدابير والاجراءات والقوانين التي وضعتها السلطات في المغرب ما بين 2007 إلى غاية يونيو 2008، ويقاس هذا السؤال بما مدى مطابقة هذه التدابير والقوانين مع اتفاقية الأممالمتحدة ضد الفساد، الذي يعتبر المغرب من الدول الموقعة والمصادقة عليها ومن المفروض أن يحترم بنودها، لذلك ركزنا على سرد العديد من هذه التدابير كالتصريح بالممتلكات، قانون تبييض الأموال، الإجراءات الخاصة بالحكومة الالكترونية، ترسيم مرسوم الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة بالمغرب، وحدة معالجة المعلومات المالية... والسؤال الثاني الذي تضمنه التقرير هو أن أهمية هذه التدابير والاجراءات والقوانين تكمن في ما مدى تفعيلها وتطبيقها على أرض الواقع، ووصلنا إلى خلاصة تتمثل في مفارقة غريبة، إذا ما قارنا المغرب مع العديد من الدول نجده جد متقدم في وضع الآليات والقوانين، لكن إذا ما تمعنا في الواقع نجد أنه ليس هناك أمثلة تحيلنا على أن هذه الإجراءات والقوانين استطاعت أن تفعل في محاربة الرشوة. وانطلاقا من أدبيات ترنسبارنسي، سن القوانين وإرساء تدابير وإجراءات خاصة بالشفافية لها أهميتها لكن التفعيل والتطبيق له أهمية كبرى.
>> رشيد الفيلالي: إن مجموعة من القوانين في مجال الشفافية والحكامة الجيدة بالمغرب مطالبة بفعل سياسي يومي أقوى، فهذا الفعل السياسي هو الذي سيعطي الإشارة القوية لتطبيق وتفعيل هذه القوانين، لأنها بالفعل مفارقة غريبة ومحيرة، ونعطي مثال فالتصريح بالممتلكات الهدف الأساسي منه هو لكي نعرف مدى استفادة القائمين على الشأن العام من مناصبهم والمسؤوليات التي يتحملونها لإدارة الشأن العام لمدة زمنية معينة، فالتصريح بالممتلكات لدينا منذ زمان لكن التفعيل يبقى جامدا ويراوح مكانه.
} هل يمكن أن نعرف لماذا تم اختيار قطاع العقار بالمغرب كموضوع اشتغال في تقريركم حول وضعية محاربة الرشوة بالقطاع الخاص بالمغرب؟
>> كمال المصباحي: للإشارة إن تقرير ترانسبارنسي الدولية يضم 500 صفحة بمساهمة 18 تقرير دولة، وصياغة التقرير تكون منطلقة من دفتر تحملات تحدد منهجية إعداد التقارير الفرعية للدول والتقرير العام ترانسبارنسي الدولية، فالموضوع الذي تم اختياره هو القطاع الخاص والفساد، أما بالنسبة للمغرب، الفساد والإفساد بالقطاع الخاص يعرف أشكالا عديدة خاصة به ترتبط بتضارب المصالح، عدم مصداقية المعلومات، عدم التصريح بالعمال، التملص الضريبي، عدم احترام مقتضيات مدونة الشغل، عدم احترام مصالح المساهمين، مصالح المجلس الإداري، مصالح كل أطراف الإنتاج، أما بالنسبة للتقييم الدولي فتدفقات الأموال لإفساد أصحاب القرار من طرف بعض المؤسسات العالمية وصل ما بين 30 إلى 40 مليار دولار، هذا بالنسبة للبلدان المتخلفة أو السائرة في طريق النمو، فالكلفة المتفق عليها تصل لحوالي 5 إلى 8 في المائة، أي ما بين 5 إلى 8 ملايير دولار هي الضريبة المدفوعة انطلاقا من غياب الشفافية بالنسبة للصفقات العمومية، فإذا ما قارنا هذا المعطى بما جاء به البنك الدولي، على مستوى المغرب العربي، فإن كلفة عدم الشفافية وانعدام الحكامة وكلفة غياب المراقبة وبالخصوص الصفقات العمومية، تصل مابين 0.5 إلى 1 في المائة من الناتج الداخلي الخام، والناتج الداخلي الخام يناهز 80 مليار دولار، فإذا ما طبقناه فقط على 0.5 في المائة ، فسنجد كلفة عدم الشفافية والحكامة الجيدة بالمغرب بقطاع العقار تصل إلى 400 مليون دولار سنويا هذا دون الأخذ بعين الاعتبار القطاع غير المنظم الذي يناهز 40 في المائة ببلادنا، مما يعني أن هذا الرقم لا يعطي الصورة الحقيقية والواقعية عن الرشوة في العقار بالمغرب. وهنا لا بد من الاشارة إلى أن هناك استمارة وجهت إلى شركات عالمية، فما يناهز 30 في المائة من أطر هذه الشركات في تعاملهم بهذه الدول يطالبون بدفع عمولات، و أكدت هذه الأطر على أن الرشوة كلفة إضافية تصل إلى 10 في المائة داخل المشاريع الاقتصادية للشركات العالمية مما يستلزم من أصحاب الشركات استرجاع هذه الأموال الضائعة في أمور أخرى كضعف جودة المنتوج أو «تقليص مدة صلاحية المنتوج».
} لماذا اختيار قطاع العقار بالمغرب دون غيره؟
>> كمال المصباحي: في ما يتعلق بأرضية التقرير الخاص بالمغرب فهو قطاع العقار، أولا لاعتبارات بسيطة؛ فالمواطن المغربي ما يحتاجه كحاجيات أساسا وأولوية هي السكن والتعليم والصحة، فالاهتمام بموضوع الفساد والإفساد وعدم الشفافية والمراقبة بهذا القطاع له أهمية كبرى سواء تعلق الأمر بالمجتمع ككل أو أثره على حياة المواطن والفاعلين بالقطاع ككل، حيث نجد مواقف صريحة في هذا المجال ، فالفدرالية الوطنية للبناء والمقاولات تؤكد على أن كلفة الصفقات العمومية تقارب 100 مليار درهم سنويا وهذا يظهر خطورة الوضع على الاقتصاد الوطني المغربي، فيمكن اعتبار ذلك خسارة مالية في مجال البناء والتعمير، فالواقع أصبح يظهر أن هناك تلاعبات وعدم وجود حكامة جيدة ومراقبة تعم هذا القطاع أدت إلى عدة اختلالات كانهيار عمارات، وغرق مناطق صناعية بكاملها في الفيضانات، آخرها ما حدث في طنجة وسطات، الحرائق التي شبت في بعض المعامل بالمحمدية والدارالبيضاء. لذلك نعتبر من خلال هذا التقرير أن العمل السياسي، وهنا لا نتحدث عن الإرادة السياسية، في إطار محاربة الرشوة ووضع شفافية أحسن واصلاح فعلي لأشكال المراقبة والعدالة، ضروري، لكي تكون لها مردودية وآثار ايجابية مباشرة على تقوية المؤهلات المالية والبشرية للاقتصاد المغربي.
>> رشيد الفيلالي: فجميع أشكال الفساد والإفساد وعدم الشفافية في الصفقات الخاصة بقطاع العقار ومصداقية المعاملات كلها تشكل عائقا حقيقيا للسياسات العمومية في هذا المجال، وأحسن مثال يمكن أن نعطيه في هذا الإطار المعاملة بالبيع بما يسمى "النوار" الذي له عدة انعكاسات سلبية على جميع المتعاملين به والخاسر الأكبر فيه هي الدولة التي تضيع في العديد من الملايين من الدراهم كضرائب، والمواطنون ذوو الدخل المحدود. لكن دعوني هنا أشير إلى قضية حيوية، إن اللامساءلة وعدم المراقبة والتتبع مابين المقاولة العمومية والمقاولات الخاصة التي تسند لها صفقات عمومية في مجال العقار ببلادنا، وبامتيازات تفضيلية كبرى، تجعل المواطن المغربي الذي يثق في خطاب الدولة، ضحية تلاعبات خطيرة وبدون ضمانات، سوى العقد الذي وقعه المواطن مع الشركة الخاصة المعنية بالمشروع.
} نعر ف أنه مرت سنة على تنصيب الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، فما هو موقف جمعية ترانسبارنسي المغرب من هذه الهيئة وحصيلتها الأولية؟
>> رشيد الفيلالي: إن موقف الجمعية من الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، واضح وصريح منذ بداية تأسيسها، حيث كنا نتمنى أن تحظى الهيئة باختصاصات أوسع وأكثر في التقصي و إطلاق المتابعات، إلا أنها جاءت محرومة من ذلك، كيف يعقل أن الهيئة انتظرت لما يزيد عن عشرة أشهر للحصول على الموارد المالية؟ إن محاربة الفساد والإفساد والرشوة مسؤولية الحكومة بالأساس وليس مسؤولية الهيئة. فالتمثيلية في هذه الهيئة تتكون من 4 ممثلين للإدارات، 2 ينوبون عن القطاع الخاص و 2 كممثلين للمجتمع المدني، فنعتبر أن هذه القطاعات كالداخلية والمالية، يجب أن تكون كرافعة لمواجهة هذه الظاهرة، ولا يتسم عملها بنوع من الانتظارية، لأن الشفافية والحكامة الجيدة تهم الجهاز التنفيذي بالدرجة الأولى والمجتمع ككل.
} وماذا يمكن أن تقولوا لنا عن الفساد والإفساد الانتخابي؟ >> كمال المصباحي: بخصوص تدفق الأموال في الانتخابات الأخيرة التي عرفتها بلادنا، فبالرغم من أن الدولة عملت على إرساء بعض القوانين والآليات كقانون الأحزاب، وتمويل الحملات الانتخابية، والمحاسبة والمراقبة إلا أن الملاحظ أن هناك عمليات تدفق الأموال بشكل رهيب ومدهش وبشهادة جميع الفاعلين السياسيين، وكانت عنصرا حاسما في عمليات إفساد اللعبة الانتخابية خاصة المتعلقة بالانتخابات التي تهم الناخبين الكبار في انتخابات مجالس المدن ، والجهات ، أو ثلث مجلس المستشارين.