منذ انتخابات 2002 وتشكيل الحكومة التي تلتها والتي استبعدت الأحزاب المشاركة من رآستها، بدأت بوادر انتهاء مرحلة سياسية دون أن تظهر بوضوح ملامح مرحلة جديدة، لكن هذا التحول لم يتضح بشكل كافٍ إلا بعد انتخابات 2007، التي كشفت بشكل عار عمق الأزمة المتجلية في الانفصام شبه التام بين المجتمع وبين النسق السياسي الذي انبنى على الصيغة السياسية للمرحة الممتدة من 1996 إلى 2007 . 1 - المرحلة المنتهية (1992 - 2007) : تميزت بداية هذه المرحلة بالتقاء عدد من المتغيرات التي وفرت شروط فرصة سياسية لتحقيق طفرة نوعية في النضال الديمقراطي تؤدي إلى تحقيق الانتقال إلى الديمقراطية، حيث تبلور لدى القوى الديمقراطية برنامج سياسي موحد تلخص في أولوية الإصلاح السياسي والدستوري وتأسس تحالف واسع حول هذا البرنامج تمثل في «الكتلة الديمقراطية»، وترافق كل ذلك مع حركية اجتماعية نقابية وحقوقية متصاعدة. في المقابل استنفد الحكم شعارات مرحلة «المسلسل الديمقراطي» ( أو الهامش الديمقراطي حسب تعبير قوى اليسار) أمام تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وعجز الحكومات المعتمدة على الأحزاب الإدارية المتهالكة عن مواجهتها ووسط مناخ دولي ملائم للتحولات الديمقراطية بعد انتهاء الحرب الباردة في بداية التسعينات. وقد صمدت إجمالا أطراف الكتلة ما بين 92 و96 في التشبث ببرنامجها السياسي وفي الحفاظ على حد أدنى من تماسك وحدتها، رغم التنافس بين طرفيها الأساسيين (الاتحاد والاستقلال) حول من يكون المخاطب أو المفاوض الأول من طرف الحكم، ورغم بعض التكتيكات الانفرادية للتقدم والاشتراكية الذي كان دائما سباقا إلى الدعوة إلى المشركة من أجل «الإصلاح من الداخل». وقد بدأت تضيع الفرصة السياسية لتحقيق الانتقال الديمقراطي التي توفرت في بداية هذه المرحلة بمجرد تصويت أغلب أطراف الكتلة بالإيجاب على دستور 96 بمبرر إعطاء «إشارة سياسية» لإرساء الثقة مع الحكم، وليس موافقة على نص الدستور، ثم جاء تشكيل حكومة «التناوب التوافقي» كاستكمال لصفقة سياسية ظاهرها المشاركة في الحكومة لتحقيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية توفر الشروط لاستكمال الانتقال الديمقراطي وجوهرها التخلي عن شرط أولوية الإصلاح السياسي والدستوري مقابل تقاسم (شكلي) للسلطة. ورغم الاختلافات حول مدى نجاح أو فشل هذه التجربة (الاختلاف أصبح مقتصرا على فترة 1998 - 2002) في تحقيق ما وعدت به من إصلاحات اقتصادية واجتماعية ومن مكاسب حقوقية وغيرها، إلا أن الجميع - في الصف التقدمي - بمن فيهم من قادوا التجربة متفقون على أنها لم تؤد إلى النتيجة الأساسية التي راهنوا عليها ألا وهي تحقيق (أو استكمال) الانتقال الديمقراطي. وإذا كانت القوى المشاركة في الصيغة السياسية التي حكمت مرحلة 1996 - 2007 قد فشلت في تحقيق أي من أهدافها (أو أهمها على الأقل) ولم تستطع إقناع جماهيرها بما تعتبره إنجازات لها، فإن أحزاب اليسار غير المشارك في هذه التجربة قد فشلت كذلك في أن تشكل معارضة فاعلة للحكومات التي كانت واجهة لها فأحرى أن تقدم بديلا جذريا عن تلك الصيغة السياسية يمكن أن يعبئ فئات المجتمع المتنورة التي انفضت من حول الأحزاب التقليدية وأن تقودها في معركة انتقال حقيقي إلى الديمقراطية. وإذا كان من خلاصة لهذا الفشل المزدوج فهي أن القوى الديمقراطية في المغرب تتقوى ويتوسع نفوذها السياسي بشكل جماعي عندما تتوفر الشروط الموضوعية والذاتية لذلك وخاصة شرط توحيد عملها وتتراجع أيضا بشكل جماعي عندما تختلف خططها السياسية وتتشتت قواها. 2 - المرحلة السياسية الجديدة: 2.1 - منعطف انتخابات 2007: إن انتخابات شتنبر 2007 لم تكن مجرد نكسة انتخابية للأحزاب الديمقراطية وخاصة اليسارية ناتجة عن فشل مشاركتها في الحكومة أو لضعف تواصلها مع المواطنين، بل كانت (انتخابات 2007) منعطفا سياسيا كبيرا كشف عن عمق أزمة النسق السياسي بأكمله، دولة ومؤسسات وأحزابا، وتجلت هذه الأزمة في المظاهر التالية: - فقدان الغالبية الساحقة من المواطنين لأية ثقة في المؤسسات السياسية في شكلها الحالي وفي الانتخابات التي تفرزها، وخصوصا فقدان الأمل في أي تغيير لأحوالهم من خلال المشاركة في هذه الانتخابات؛ - انهيار كبير لإشعاع ومصداقية الأحزاب الديمقراطية، المشاركة في تجربة 1998 - 2007 وحتى المعارضة لها، وسط جماهيرها المعتادة، ووسط الفئات المتعلمة والمتنورة في المجتمع، واختلال وتفكك تنظيماتها وإطاراتها الجماهيرية، النقابية وغيرها؛ - انتصار إستراتيجية الاحتواء والإفساد (انتخابيا) على محاولات الصمود والمقاومة أمام طوفان النفوذ والمال، فإذا كانت الدولة قلصت بشكل كبير من التزوير السافر للنتائج لفائدة أحزابها أو حتى الأحزاب المستقلة عنها، فقد أطلقت العنان للجميع «للتنافس» على استعمال المال واستقطاب الأعيان. 2.2- التراجع السياسي: انطلاقا من تجليات منعطف انتخابات 2007 ومما كشفته من أزمة في النسق السياسي واختناق للمشروع الديمقراطي يطرح السؤال حول سمات المرحلة المقبلة. وإذا كانت هذه المرحلة تتميز أساسا بسمة التراجع، فسيكون من المهم تحديد فيما حصل التراجع؟ ومن الذي تراجع؟ (الدولة، الأحزاب، المجتمع؟). - في موقف الدولة: ما زالت الطبيعة الأساسية للسلطة السياسية الحاكمة مستمرة، والتي تتمثل في أسلوب الحكم السلطوي الاستبدادي المرتكز على فئة اجتماعية ضيقة لكنها قوية بوسائلها وإمكانياتها، لأنها مرتبطة بالأنشطة الريعية وبنظام الفساد والزبونية. ولتعزيز سيطرته يعمد الحكم إلى أسلوب احتواء أكبر عدد ممكن من النخب المفترض فيها أن تعبر عن مصالح أوسع فئات المجتمع عن طريق الإرشاء السياسي والمادي وتوزيع المنافع والمواقع، دون أي تنازل عن سلطاته ولا عن احتكاره لمصادر الثروة وطرق توزيعها. يتبع عضو المجلس الوطني* للحزب الاشتراكي الموحد