يتكاثر بمنطقة دكالة عامة ومدينة سيدي بنور بالخصوص استعمال العربات المجرورة بواسطة الدواب " بغال ذ حمير ... " حيث يستعملها البعض كوسيلة لكسب قوته اليومي، في حين أصبحت لدى البعض الآخر وسيلة استثمار، حيث يتم كراؤها للغير بأثمنة تتراوح مابين 30 و 100 درهم لليوم الواحد، بينما نجد فئة تستعملها في عرض سلعتها للبيع كالفواكه والخضر، وفئة أخرى في تقديم خدمات التنقل، وحمل بعض المواد كالاسمنت والرمل وغيرهما من المواد، لذلك نجد العربات تختلف الواحدة عن الأخرى في الحجم والهيكل وعدد الدواب التي تجرها، فمنها ما لها عجلتان ومنها ما لها أربع عجلات، بل هناك من أدخل عليها لمسات الحداثة والتطور فصارت مزودة بجهاز المسجلة أو vcd مفروشة بالحصير ومنها ما صممت بداخلها مقاعد غطتها قطعة كبيرة من البلاستيك فصارت تشبه المقصورات، وهو ما يدخل في إطار تحسين خدمات العربات المجرورة التي تقدمها لزبنائها ، ونظرا لرخص ثمنها، تجد عربة من هذا النوع تقل أزيد من 20 فردا، دون استحضار المخاطر والأخطار التي قد تنجم عن ذلك ، فالراكب الواحد يؤدي 1,50 درهم فقط، في حين يكون مضطرا عند استعمال الطاكسي الصغير إلى دفع 5 دراهم على الأقل، ونظرا للظروف الاجتماعية والاقتصادية للعديد من الأسر فالإقبال على العربات المجرورة يظل في تزايد، الأمر الذي ساهم وبشكل واسع في انتشارها، الى جانب عوامل أخرى منها البطالة والفقر الذي تعيشه أغلب الأسر، خاصة تلك التي تعيش على هامش المدينة أو بدور الصفيح المتواجدة بها، بالإضافة إلى الطابع الفلاحي الطاغي عليها، الأمر الذي يجعلها محاطة بالعديد من الدواوير القروية التي يستعمل سكانها العربات المجرورة في تنقلاتهم من والى المدينة، لقضاء أغراضهم أو لأجل التسوق يوم الثلاثاء موعد السوق الأسبوعي ، كل هذا يبرز مدى أهمية العربات المجرورة بواسطة الدواب في حياة الساكنة كوسيلة أو أداة لحمل الأثقال وتقريب المسافات، ومن زاوية أخرى فهي تشكل مصدر رزق العديد من الأسر، في الوقت الذي تم فيه الإعلان عن ميلاد إقليم سيدي بنور، وبات ينتظر فيه الجميع تراجع عدد العربات المجرورة وعدد مستعمليها نتيجة لما صارت تعرفه المدينة من تنمية في عهد المجلس الحالي من جهة، و من جهة أخرى، بسبب التطور التكنولوجي والعلمي الحديث، حيث ظهرت وسائل نقل متعددة تخدم الإنسانية في كل المجالات وبالسرعة المطلوبة ، وفي الوقت الذي يجب إعفاء تلك الدواب من الجر وحمل الأثقال والتعرض للضرب بواسطة عصي غليظة وأحزمة متينة مع وخزها بواسطة إبر غليظة ( مخيط ) نجدها في تزايد مستمر عكس المتوقع! مما تسبب ويتسبب في العديد من المشاكل، الأمر الذي دفع مؤخرا بالسلطات المحلية والأمنية بمدينة سيدي بنور إلى شن حملة واسعة و مستمرة استهدفت العربات المجرورة والمدفوعة، التي تجوب ليل نهار، أحياء وشوارع المدينة، في خرق صارخ للقانون المنظم لحركة السير والجولان، وفي هذا الصدد، حسب مصدر مسؤول، تم حجز ما يناهز 70 عربة مجرورة بالبغال والحمير، من طرف عناصر شرطة المرور، بتعاون و تنسيق مع السلطات المحلية، تم إيداعها في مستودع الحجز البلدي، وهي الحملة التي خلفت ردود أفعال متباينة، كان رد رئيس مفوضية الشرطة في شأنها صارما، ألا وهو محاربة العربات المجرورة بدون هوادة، حيث لم تثمر التدخلات، ولم تجد تحركاتهم و لا نداءاتهم آدانا صاغية. وحسب نفس المصدر فإن اجتماعا موسعا، جرت أطوار أشغاله مؤخرا ببلدية سيدي بنور، حضره كل من رئيس المجلس البلدي ، وباشا المدينة، وقائد المقاطعة الحضرية، ورئيس مفوضية الشرطة، تدارسوا خلاله الوضع المقلق، الذي باتت تتسبب فيه يوميا 1400 عربة مجرورة بالدواب، ومدفوعة باليد، بتراب الجماعة الحضرية لسيدي بنور، والتي تسببت مؤخرا في أكثر من حادثة سير، أصيب على إثرها زهاء 30 ضحية، بإصابات متفاوتة الخطورة، ناهيك عن إلحاق أضرار مادية بالممتلكات العمومية والخاصة. بحيث تكفي الاشارة لحادثة السير المروعة التي وقعت بداية شهر شتنبر المنصرم و التي كادت تكون عواقبها كارثية، إثر اصطدام عربة مجرورة بسيارة خفيفة من نوع بوجو 205، في شارع الأمير سيدي محمد، نتج عنها إصابة 11 راكبا، كانوا جميعهم على العربة ، ما استدعى نقلهم في حالة حرجة، إلى المستشفى المحلي. وفي سياق تطورات الأحداث، وأمام اصطدام التدخلات بصخرة الرفض المطلق من طرف الجهاز الأمني، و كذا توثر الوضع، قام المتضررون بتنظيم مسيرة جابوا خلالها عدة نقط، مع وقفات أمام المحجز البلدي وأمام مقر المجلس البلدي ومقر الأمن الوطني، قبل أن يجتمعوا أمام مقر البلدية، للاحتجاج على ما اعتبروه حيفا، طال "حقا" من حقوقهم، حيث اجتمع أكثر من 43 متضررا من الحملة ضد العربات المجرورة، رفعوا اللافتات والأعلام الوطنية، مرددين شعارات التنديد والاستنكار. غير أنهم عادوا بخفي حنين، أي بدون نتيجة، بعد أن أكد لهم رئيس مفوضية الشرطة بأن الحديث عن استمرار العربات بمدينة سيدي بنور، حديث غير مقبول وأنه لا يحب أن يرى ولو عربة واحدة بالمدينة تقل البشر، لما تشكله من أخطار على سلامتهم . ومن أجل إيجاد حل يرضي الجميع، وإثر التنسيق مع السلطة المحلية، عرضت بلدية سيدي بنور، تماشيا مع الوضع الحالي للمدينة حيث ارتقت إلى إقليم الشيء الذي يفرض نوعا من التصدي للاختلالات مع الحزم في اتخاذ القرارات و تنفيذها، عرضت على المتضررين استبدال العربات المجرورة ب"الكوتشيات"، أو بدراجات من نوع "تريبورتور"، كحل لهذه الأزمة و تصحيحا لأخطاء الماضي، حتى يتأتى هيكلة القطاع، وتجاوز مشاكل وسلبيات العربات المجرورة التي ظلت إلى أمد قريب، تجوب أحياء وشوارع المدينة، دون رقيب أو حسيب، وفي تحد واستفزاز صارخين للقانون، وللقائمين على تطبيقه غير أن تفاعل الفئات الاجتماعية المستهدفة مع المقترح كان سلبيا . يبدو أن الحل الذي يرضي الجميع لا يعدو أن يكون سرابا مما قد يؤدي إلى تأجج الصراع، وتحوله إلى انتفاضة ضد قرار لم يراع حسب المتضررين الوضعية الاجتماعية لعدد كبير من الشباب والشيوخ والأطفال الذين جعلوا من العربات المجرورة محلات متحركة لبيع الخضر والمواد الغذائية الأخرى، خاصة وأن المسؤولين السابقين، غضوا الطرف عن هذه الظاهرة إلى أن استفحلت وأصبح من الصعب السيطرة عليها، بحيث لا توجد إحصائيات دقيقة لعددها أو لمالكيها، ومن خلال استجوابنا لبعض المتظاهرين، تبين أن عددها مهول إلى درجة أنك تجد حيا بأكمله يملك كل منزل فيه على الأقل عربة واحدة، مثل دوار القرية ، دوار العبدي، تجزئة الوفاء ...، ناهيك عن الأحياء الأخرى التي تتواجد بها العربات بكثافة ملحوظة، وأمام هذا العدد المهول من العربات يصعب بالفعل إيجاد حل يرضي جميع الأطراف، لأن المشكل لم يعد مشكلا بسيطا كما يمكن أن يراه البعض، بل هو مشكل مركب نتج عن فشل الاختيارات التنموية بالمدينة، أوعن غياب هذه الاختيارات بفعل سياسات فاشلة لأجهزة سابقة، مما همش المنطقة وتركها تفرخ أمراضها، فلم يبق أمام المسؤولين إلا حل الاستئصال والبتر، لذلك تحاول السلطة المحلية مع باقي المتدخلين أن تمتص غضب مالكي العربات المجرورة، وفي هذا الإطار ظهر مقترح تخصيص أماكن معينة للباعة المتجولين، شريطة أن يتخلوا نهائيا عن عرباتهم، لكن هذا المقترح لن يكون ساري المفعول إلا بعد شهرين أو ثلاثة، حل رفضه المتظاهرون جملة وتفصيلا، لأنهم لا يملكون قدرة انتظار شهرين أو أكثر بدون أكل، خاصة وأن أغلبهم يعول أسرة تتضمن أكثر من خمسة أفراد. التقت الجريدة ببعض الأشخاص يمتطون العربات المجرورة، واستفسرتهم في الموضوع، فكان تبريرهم لاستعمال العربات المجرورة ، رخص ثمنها وتواجدها بكثرة، بالإضافة إلى حمل كل ما يريدون عليها، لذلك فهم يفضلونها عن غيرها من الوسائل ، السيد مصطفى صاحب العربة صرح لنا بأنها هي الوسيلة الوحيدة التي يكسب بها قوت يومه، وعن الدخل اليومي صرح على أن يوم السوق الأسبوعي هو أفضل أيام الأسبوع، حيث يكون دخله يتراوح ما بين 200 و 250 درهما، أما الأيام العادية فلا يتجاوز دخله 60 إلى 100 درهم، يصرف منها علف الدواب، فلا يبقى منها سوى " بركة " قليلة، حسب تصريحه . السيد مصطفى يبلغ من العمر 52 سنة، يعيل أسرة متكونة من ستة أفراد، يقطن بأحد الدواوير المجاورة ، ليست له وسيلة أخرى للاسترزاق سوى عربته التي يجرها بغل، ظهرت عظام صدره لاصقة على جلده، وهو ما يفسر حالة الجوع التي طالته . مثلت العربات المجرورة بالمدينة تحد صارخ لأصحاب الطاكسيات الصغيرة ، فكان لهذا التحدي عواقب وخيمة، حيث تسببت في وقوع العديد من حوادث السير، بعضها كان مأساويا ، وهذه بعض الحالات التي سجلت في هذا الصدد: فقد أصيبت موظفة بكسر على مستوى يدها اليمنى بعدما تقطع حزام العربة، فهوت بالركاب ، وفتاة أدخلت المستشفى بعدما اصطدمت العربة بإحدى السيارات المسجلة بالخارج ، ورجل أصيب على مستوى ركبته بعدما عضه البغل ، وامرأة فقدت حياتها بعدما داستها عربة بالقرب من مقر المحكمة ... حالات متعددة ومؤلمة ، تزداد آلاما وقساوة في ظل غياب أي تأمين أو ترخيص من طرف الجهات المسؤولة، لذا نجد السلطات المحلية ومصلحة السير والجولان بمركز الشرطة تقوم بين الفينة والأخرى بحملات تمشيط يتم على إثرها إيداع العديد من العربات بالمحجز البلدي، كعقاب على خرقها لقوانين السير، أو ارتكابها مخالفة ما ، وحسب مصدر مسؤول فإن عدد العربات المجرورة يوم السوق الأسبوعي يقدر بحوالي 3400 عربة! في حين يقدر في الأيام العادية بحوالي 1400 عربة ، وحسب نفس المصدر فإن هذه العربات أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على سلامة المواطنين، بالإضافة إلى عدم وجود ولو ترخيص واحد لهذه العربات، التي تعج بها المدينة منذ الصباح الباكر وحتى أوقات متأخرة من الليل ، وهو ما يحدث الضجيج ويقلق راحة المواطنين ناهيك عما تفرزه الدواب من فضلات تضر بصحة الإنسان، كما أنها تلوث البيئة وتفسد الممرات، ناهيك عن تحفر الطرقات. يبدو أن الثلاثي المتكون من المجلس البلدي و السلطات المحلية والأمن الوطني بالمدينة قام و يقوم بتحركات و تدخلات فاعلة و فعالة، لأجل الحفاظ على السير العادي بالطرقات داخل المدار الحضري، و الحفاظ على سلامة مستعمليها من المواطنين، تماشيا مع نصوص الميثاق الجماعي، في هذا الصدد. و من جانبه فقد تطرق المشرع المغربي إلى العديد من النصوص في القانون الجنائي خاصة في الفصلين 608 و 609 والمتعلقة بالمخالفات حيث نص الفصل 608 في النقطة 1 و 10 على مايلي : الفصل 608 : ظهير 6 / 5 / 82 ، يعاقب بالاعتقال من يوم إلى خمسة عشرة يوما وبغرامة من عشرين إلى مائتي درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط : من ارتكب أعمال عنف أو إيداء خفيف من ضايق الطريق العام بأن وضع أو ترك فيه دون ضرورة مواد أو أشياء من أي نوع كانت ، تعطل أو تحد من حرية المرور أو سلامته أما الفصل 609 فقد نص في النقط 14 و 15 و 17 و 27 و 32 و 37 منه على مايلي : الفصل 609 : ظهير 6 / 5 / 82 . يعاقب بغرامة من عشرة إلى مائة وعشرين درهما من ارتكب إحدى المخالفات التالية: 14 سائقوا العربات والناقلات والسيارات من أي نوع كانت أو دواب الجر أو الحمل أو سيارتهم بحيث يكونون متمكنين دائما من توجيهها وقيادتها بالتزام جانب واحد من الشارع أو الممر أو الطريق العام بالانحياز والتنحي أمام السيارات الأخرى وترك نصف الطريق على الأقل لتسهيل مرورها عند اقترابها . 15 من أجر خيولا أو غيرها من دواب الجر أو الحمل أو الركوب أو تركها تجري داخل مكان آهل بالسكان ، وكذلك من خالف النظم المتعلقة بالحمولة أو السرعة أو قيادة السيارة . 17 من قاد حصانا أو أية دابة أخرى من دواب الركوب أو الجر أو الناقلات بسرعة زائدة وخطيرة على الجمهور . 27 من عيب أو أتلف بأية وسيلة كانت طريقا عاما أو اغتصب جزءا منه . 32 من ألقى أو وضع في الطريق العام قاذورات أو فضلات أو أزبالا أو ماء الغسيل أو أي مادة من شأنها أن تؤدي بسقوطها أو أن تنشر روائح ضارة أو كريهة . 37 من ارتكب علانية قساوة على حيوان مستأنس مملوك له أو معهود إليه برعايته، وكذلك من أساء معاملته بالزيادة في حمولته . على سبيل الختم إذا كان القانون يعاقب على العديد من المخالفات التي قد ترتكب من طرف أصحاب العربات المجرورة، وإذا كانت سلامة المواطنين مشتركة بين الجميع من سلطات محلية ومجلس بلدي وشرطة ومجتمع مدني، فإن طابع المنطقة الفلاحي يستوجب على جميع المتدخلين في شؤون المدينة خصوصا و أن المدينة أصبحت اقليما القيام بتنظيم أصحاب هذه العربات والتدخل لأجل توعيتهم بواقعهم، مع ضرورة التعاون لما فيه مصلحة الجميع ، خدمة لسلامة البيئة وصحة المواطنين والحفاظ على جمالية المدينة، وإيقاف نزيف الحوادث المؤلمة التي تقع بين الفينة والأخرى بسبب هذه العربات . لأجله فترك الأمور لحالها والكتابة على الأوراق وإصدار القرارات دون تفعيلها كما كان سلفا، لم يعد له وجود و الشهادات التي استقيناها من شرائح مختلفة، وإن اختلفت في تفسيراتها، فهي في الواقع تتشابه، تحكي معاناة شريحة عريضة من فقراء أومهمشي المدينة لكنهم و كغيرهم يحلمون بمدينة تأويهم، يرفضون أن تظل سيدي بنور مدينة العربات المجرورة بامتياز، بل يتوقون إلى فضاء أجمل يكبر فيه أطفالهم بعيدا عن عربة وحمار يتقاسم معهم الأكل والنوم أحيانا، وفي انتظار أن تتحقق أحلامهم لازالوا يثقون فيما ستسفر عنه تحركات الثلاثي المسؤول في مواجهة الظاهرة قصد تحقيق ذلك.