يعتبر تشخيص الحالة الحقيقية لقطاع الصيد البحري ومعرفة مسببات الأزمة الحالية من أولى الأولويات، لمعرفة إن كانت، بالفعل، مرتبطة بأزمة غياب استراتيجية أم إشكالية التكلفة مع ارتفاع أسعار المحروقات أم بتواجد الأساطيل الأجنبية؟ أم أن الأمر يتعلق بالفوضى التي يعيشها القطاع على مستوى تنظيم المحاورين الأساسيين للوزارة ، والتي ظهرت بوضوح خلال الجلسة الثانية من جلسات تقديم الاستراتيجية الوطنية للصيد البحري. هل ستتمكن الاستراتيجية الجديدة من إيجاد الحلول اللازمة لإنقاذ القطاع، خاصة أنه يعتبر من دون شك أحد أعمدة الاقتصاد الوطني ، ويعد أيضا أحد القطاعات الأساسية التي تساهم في خلق فرص الشغل وله مكانة هامة في مجال الصناعة الغذائية بالمغرب؟ المهنيون طالبوا قبل لقاء أكادير بالعمل بجدية مع المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، على إيجاد مصايد جديدة وإرشاد الصيادين المغاربة إليها عوض توجيه المراكب الأجنبية إليها فقط، كما يتوجب الاستفادة من خبراته وحل المشاكل والصعوبات التي يتخبط فيها الصيد الساحلي والتي توشك أن تفضي إلى إفلاس مجموعة من الصيادين بعد أن ارتفعت تكلفة التجهيز والإبحار، حيث تستحوذ في أغلب الأحيان على أزيد من ثلثي المدخول ، دون الحديث عن الأجر اليومي للمستخدمين في القطاع، علما بأن نسبة المصاريف التي تتطلبها كل وحدة من أجل الإبحار والاصطياد تفوق 75 % ، إضافة إلى الاقتطاعات الإجبارية المفروضة على المجهزين لفائدة الإدارات والمكاتب والمؤسسات، هذه المشاكل لخصها المهنيون في التراجع الخطير في الموارد السمكية نتيجة عمليات استئجار البواخر العملاقة الروسية واليابانية المدمرة، كما تتلخص أيضا في ارتفاع ثمن قطع الغيار وارتفاع الضرائب والرسوم وتعددها، إضافة إلى أداء رسوم غير مستحقة لفائدة المكتب الوطني للصيد وارتفاع قيمة التأمين (حوادث الشغل- التأمين على البحارة والمراكب) وكذلك تجميد عملية العصرنة والتحديث من طرف الوزارة الوصية، والتي تدخل في إطار تأهيل قطاع الصيد الساحلي، دون الحديث عن عدم تفعيل الأغلفة المالية التي تقدر ب 105 ملايير سنتيم - حسب تصريح المهنيين- والمقتطعة من الاتفاقيات المبرمة مع الدول الأجنبية وانعدام الدعم للقطاع من طرف الدولة . المهنيون الذين ينتظرون تفعيل الاستراتيجية الجديدة قبل الحكم عليها نبهوا إلى تقلص اليد العاملة في ميدان الصيد البحري، لاسيما تلك المتخصصة منها، نتيجة عدم تحيين اللوائح المتوفرة لدى الوزارة الوصية، ناهيك عن عدم الاعتناء بالعنصر البشري، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل بعض الوحدات التي تضطر أحيانا إلى عدم الإبحار بسبب النقص الحاصل لديها في اليد العاملة، مما يدل على أن عدم وجود استراتيجية بحرية وطنية للنهوض بقطاع الصيد البحري بشكل يساير تطور باقي الأنشطة الاقتصادية ، يزيد الطين بلة ، ويضاف إليه الارتفاع المهول في أسعار المحروقات في السنوات الأخيرة الذي بات يهدد المهنيين بالإفلاس، خاصة في القطاع الساحلي، حيث لم يعد باستطاعة البحارة الاستمرار في ممارسة نشاطهم .الإستراتيجية الجديدة لقطاع الصيد البحري تهدف بالأساس ، بحسب ماورد في التقديم الذي عرض على أنظار جلالة الملك، إلى المحافظة على الموارد البحرية وتأهيل القطاع والرفع من مساهمته في تطوير الاقتصاد الوطني. ويتوخى منها تدبيرمسؤول يستجيب للمعايير الدولية وتطوير البحث العلمي بشكل متقدم في هذا الميدان كما أنها ستعمل على عصرنة وتحديث أسطول الصيد البحري . لكن وجهة نظر المهنيين تبقى بعيدة كل البعد عما ذهبت إليه الورقة التقديمية للاستراتيجية ، ولعل البلبلة التي وقعت خلال لقاء أكادير هي التي دفعت بالسيد الوزير إلى عقد اجتماع مع المهنيين صرح خلاله بأن الاستراتيجية ليست كتابا منزها وبأن لقاءات ستعقد لمباشرة النقاش حول القطاع .قبل أن يختم قوله بأن تفعيل الاستراتيجية سينطلق منذ اليوم الموالي ، وهو ما اعتبره البعض محاولة من الوزارة لفرض الأمر الواقع على المهنيين. وفي انتظار معرفة مآل الاستراتيجية وإن كانت الوزارة ستقوم بالفعل بمراجعة بعض بنودها والأخد بعين الاعتبار آراء المهنيين، يبقى قطاع الصيد البحري ببلادنا مفتوحا على جميع الاحتمالات في ظل تعدد المحاورين وتضارب المصالح.