يقدم محمد الناجي، الأستاذ المتخصص في اقتصاد الصيد البحري بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط في هذا المقال إحصائيات وأرقاما تعكس الوضعية الحقيقية لهذا القطاع بالمغرب. ويؤكد الناجي، المستشار بمنظمة الأممالمتحدة للتغذية والزراعة (الفاو) بالمغرب، أن قطاع صيد الأخطبوط قد شهد في الآونة الأخيرة، في أقاليمنا الجنوبية، انخفاضا مقلقا في المخزون، وصل إلى سقف حرج، نتيجة مجهود صيد مفرط مطلق العنان، لا يحترم القوانين المعمول بها. واستشهد الناجي، في سياق إبراز ذلك، بآخر دراسات المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، التي أجريت في شتنبر وأكتوبر 2003 والتي أكدت أن المخزون المغربي من الأخطبوط قد تراجع مستواه ب60 بالمائة بين سنتي 2001 و2002 وهو أهزل مستوى سجل على الإطلاق. فضلا عن أن نتائج دراسات أخرى نشرها فريق اللجنة العلمية COPACE، التابع لمنظمة الأممالمتحدة للتغذية والزراعة (الفاو) خلال اجتماعها بالعاصمة الغينية كوناكري في شتنبر الأخير قد أكدت النتيجة نفسها. ويتضمن المقال مجموعة من الآراء والاقتراحات التي من شأنها، إن شرع في تنفيذها واحترامها، العمل على إعادة بعث الحياة في قطاع الصيد البحري بشكل عام، والخروج به من الأزمة التي تعصف به. من جانب آخر، خلفت الاستراتيجية الأخيرة التي أعلن عنها وزير الصيد البحري يوم 24 مارس الماضي، الطيب غافس، بحضور الوزير الأول، إدريس جطو، ردود فعل سلبية في نفوس الصيادين المغاربة الذين اشتكوا من عدم إشراكهم في مسار النقاش الذي شمل ملفهم، والذي أفضى إلى الإعلان عن هذه الاستراتيجية. ويخشى الصيادون المغاربة من التفاعلات السلبية لهذا المخطط على وضعيتهم المادية، فذهب الأمر ببعضهم إلى العودة من جديد لساحة النضال والاحتجاج أمام وزارة الصيد البحري في غضون الأيام المقبلة للتنديد بتجاهلهم من المشاركة في مناقشة وضعية الصيد البحري بالمغرب. ولهذه القضايا ذات الصلة المباشرة بملف الصيد البحري يتطرق الملف التالي، وفيه مقال تحليلي للأستاذ محمد الناجي، والأرضية التي أعلن عنها وزير الصيد البحري، ورد فعل النقابة الوطنية لضباط الصيد في أعالي البحار تجاهها. إعداد عبد الرحمان الخالدي الأستاذ محمد الناجي :يجب إيقاف صيد الأخطبوط إلى حين ظهور علامات تحسن المخزون يتخبط قطاع صيد الأخطبوط، وهو أحد المكونات الرئيسة لقطاع الصيد البحري المغربي ككل، في مشاكل حقيقية، ذلك أن المجهودات المبذولة للحفاظ على الموارد السمكية تتعارض والحاجيات الآنية لمهنيي القطاع. على الأرض، يتطلب تحويل أنشطة وحدات تجميد الأخطبوط إلى أنشطة تعتمد على أنواع أخرى من السمك إلى الكثير من الالتزام من قبل أرباب تلك الوحدات، وكذلك من قبل السلطات العمومية. وتقتضي الفاتورة الاقتصادية لهذا الورش مباشرة تنفيذ إجراءات مرافقة تصب في اتجاه مخطط لإعادة هيكلة شمولية للقطاع، ويهم تحويل النشاط أيضا وحدات الصيد المطالبة باستهداف أنواع سمكية أخرى عوض الأخطبوط. ولذا فإن ضخ أموال استثمارية في البنى التحتية يظل أمرا ملحا، لكن السؤال يبقى هو: كيف وصلنا إلى هذه الحالة؟ مصيدة الأخطبوط: مصدر ل الذهب الأبيض"... تضم هذه المصيدة ثلاثة أنواع من المهن تتخذ من استغلال الأخطبوط هدفا رئيسا، وهي: صيد الرخويات في أعالي البحر وتجميدها، والصيد الساحلي بواسطة الجياب، والصيد التقليدي. ويمارس النوع الأول أسطول يناهز تعداد وحداته 300 سفينة. ويدر هذا القطاع سنويا من 300 إلى 400 مليون أورو، ويمثل نحو 60 بالمائة من إنتاج قطاع الصيد المغربي برمته و35 بالمائة من صادراته. ولقد تلقى قطاع الصيد في أعالي البحار استثمارات قاربت 700 مليون أورو، وتمثلت بالأساس في اقتناء سفن الصيد والتجهيزات الأرضية. ووفر القطاع 10 آلاف منصب شغل مباشر و15 ألف أخرى غير مباشرة. أما الصيد التقليدي للأخطبوط فقد كان يعمل فيه أسطول قوامه 7800 قارب (وحدات مرقمة وقانونية)، وكان يؤمن 25 ألف منصب شغل مباشر، بيد أنه كانت تمارس في القطاع نفسه قوارب غير قانونية، يضاهي عددها العدد القانوني. يشتغل في الصيد الساحلي ما بين 3000 و5000 بحار بشكل مباشر على متن 100 إلى 160 سفينة جيابة تصطاد صنف رأسيات الأرجل بصفة موسمية وغير منتظمة. ولقد حدد المخطط الأخير لتهيئة قطاع صيد الأخطبوط حصص استغلال مقدارها 45 ألف طن بالنسبة إلى الصيد في أعالي البحر، و33 ألفا للصيد التقليدي و 10 آلاف للصيد الساحلي. ...على وشك الانهيار ترجع أولى علامات الاستغلال المفرط لمخزون الأخطبوط إلى أواخر سنوات الثمانينيات، حيث أدى مجهود الصيد المرتفع، الذي كان يعود إلى الأساطيل المغربية والأوروبية، إلى أزمة مالية لم يكن بوسع المجهزين المغاربة التغلب عليها إلا بالتخفيف من الضغط على موارده السمكية، وكان المؤمل من عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي في أواخر العقد الماضي (نهاية سنة 1999) أن يعطي زخما كبيرا وازدهارا للقطاع، ومن ثمة فقد نفذ في هذا الإطار مخطط تهيئة لقطاع صيد الأخطبوط ابتداء من سنة .2001 ولئن كان عدم تجديد الاتفاقية المشار إليها ينطوي على إيجابيات، فإن الاستفادة منها كانت مشروطة بالمحافظة على مستوى معقول من مجهود الصيد، ولكن، على عكس المتوقع، شهد هذا الأخير نموا هائلا بالرغم من المرسوم الذي تم إقراره سنة ,1992 والذي ينص صراحة على تجميد كل أشكال الاستثمارات المتعلقة مباشرة بأنشطة الصيد. وكان مصدر ما سجل من فائض في القدرة الإنتاجية هو التكاثر غير المتحكم فيه لعدد قوارب الصيد، وفي ظل خرق صارخ للقوانين المعمول بها، ذلك أن الجهات المسؤولة اكتفت بتنظيم جزء من هذه الوحدات إبان حملات ترقيم القوارب. وزاد من استنزاف الموارد السمكية قدوم وحدات جديدة للصيد الساحلي من نوع الجياب ليمارس أصحابها صيدا موسميا مناسباتيا. وشهد قطاع صيد الأخطبوط في الآونة الأخيرة، في أقاليم المغرب الجنوبية، انخفاضا مقلقا في المخزون، وصل إلى سقف حرج، نتيجة مجهود صيد مفرط مطلق العنان، لا يحترم القوانين المعمول بها، كما أن الظروف الهيدرومناخية لم تكن مواتية. وحسب آخر دراسات المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري أجريت في شتنبر وأكتوبر ,2003 فإن المخزون تراجع مستواه ب60 بالمائة بين سنتي 2001 و,2002 وهو أهزل مستوى سجل على الإطلاق. ومن جهة أخرى خلص الباحثون إلى حصول تغير وتقلص في البنية المجالية لأماكن الصيد، كما أن بعض المناطق التي عرفت بتركز الأخطبوط فيها قد اختفت. وقد أكدت هذه النتائج دراسات أخرى نشرها فريق اللجنة العلمية دذء، التابع لمنظمة الأممالمتحدة للتغذية والزراعة (الفاو) خلال اجتماعها بالعاصمة الغينية كوناكري في شتنبر الأخير. وحسب معطيات المعهد نفسه، فإن استغلالا أفضل لموارد هذا القطاع كان سيمكن، بعد سنة ,2002 من تطوير درجة المردودية بنسبة 25 بالمائة. ويرى المعهد ذاته أن مدة الراحة البيولوجية المطبقة حاليا غير كافية، وحتى التدابير المتخذة إلى الآن أظهرت قصورا في إرجاع الأوضاع إلى مستوى مقبول من حيث المخزون الوطني من الأخطبوط. سؤال تغيير المهنة وقع قطاع صيد الأخطبوط ضحية التصرفات التي سادت خلال السنوات الأخيرة، سواء تعلق الأمر بأسطول الصيد في أعالي البحر، أو أسطولي الصيد الساحلي والتقليدي، وهو ما وضع الوحدات الصناعية للتجميد ورجال البحار في اختبار صعب. إن كل مكونات القطاع غدت تعاني من مورد سمكي في طريقه إلى الانقراض، ومن مهنة تتدهور في اتجاه الإفلاس. وزاد من ذلك اعتراف الفاعلين في القطاع بافتقادهم لإمكانية الرؤية المستقبلية فيه. يوجد أصحاب أسطول الصيد في أعالي البحر الآن على حافة الإفلاس، بحيث انخفض حجم صيده لسنة 2002 بنسبة 54 بالمائة، وفي قيمة مصايده بنسبة 53 بالمائة، مقارنة بسنة .2001 أما سنة 2003 فقد عرفت شللا شبه تام، بحيث لم تتجاوز مصيدة الأخطبوط ستة آلاف طن، في وقت كان السقف الذي حدده مخطط التهيئة في حدود 45 ألف طن. ثم إن حال الصيد التقليدي ليس بأحسن من سابقه، ذلك أن فترات الراحة البيولوجية أحالت آلاف الصيادين على طوابير المعطلين. ولم يكن بوسع مجهزي السفن أمام ندرة المورد السمكي سوى التوجه نحو مصايد بديلة، أما أصحاب الصناعة المرتبطة بالأخطبوط، فإن برنامجا واسع النطاق لتحويل نشاطهم يتم إعداده. وبالرغم من الظرفية الحرجة التي يجتازها قطاع صيد الأخطبوط، إلا أن قطاع الصيد المغربي ككل ما زال يختزن موارد كامنة مهمة يمكن أن تنتج بها الثروات ومناصب الشغل. ماذا تفعل الإدارة؟ دخلت وزارة الصيد البحري في المراحل النهائية من وضع الخطوط الكبرى لمخطط عمل منبثق من استراتيجية أعدتها لجان متخصصة مكونة من المهنيين، وممثلين عن الإدارة، وعن البحث العلمي. ويرمي المخطط إلى خفض ما نسبته 50 بالمائة من إنتاج الأخطبوط، وكذا من خفض إنتاج صنف السمك بنسبة تتراوح ما بين 30 و50 بالمائة، وذلك بخفض عدد سفن الصيد وإعادة توجيه أنشطة وحداته، إذ سيكون على أصحابها ترك بعض الأنواع من المصايد والعمل في أخرى كفيلة بضمان فرص تنمية قطاع الصيد. واتخذت إجراءات أخرى كخفض مصانع تجميد الأخطبوط الموجودة بمدينة الداخلة بنسبة 45 بالمائة، وقد قبل أصحاب 37 بالمائة من إجمالي وحدات التجميد بالمدينة تحويل نشاطها من الأخطبوط إلى أصناف أخرى كاستغلال مخزون السمك السطحي في جنوب المحيط الأطلسي. وبهذا الصدد بلورت وزارة الصيد مخطط تهيئة واستغلال المصايد السطحية، يمكن الأقاليم الجنوبية للمغرب من مشاريع مندمجة تساهم في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية. وتراهن الوزارة نفسها على تشجيع استغلال أنواع سمكية أخرى غير الأخطبوط، وتطوير قطاع صيد الأسماك الموجودة في الأعماق الكبيرة، والتي هي موضوع أبحاث ميدانية تندرج في إطار التعاون بين المعاهد العلمية للأبحاث البحرية بالمغرب ودول أوروبية. وعلى أرض الواقع دائما، فإن تمديد فترات الراحة البيولوجية لا يعدو أن يكون حلا على المدى القصير لا يحقق المطلوب، وفي حال إذا ما فشل، فإن وزارة الصيد تعتزم التقليص من عدد وحدات الصيد. إن تدبيرا من هذا النوع يستتبع إعداد برنامج مرافق ومخطط تقويم. ويشار هنا إلى أن عقدة برنامج تهم القطاع هي في طور الإعداد، بيد أنه يبقى التذكير بأن الأنشطة غير المنظمة تظل ضمن الأسباب الكامنة وراء المأزق الحالي، فالقوارب غير القانونية تفلت من أي تقنين، مما يعني أنها قد تخرق بسهولة أي حظر للصيد يتم إقراره. تحديد المسؤوليات من المؤكد أن قطاع الصيد البحري يعتمد في وجوده على ثروات البحر الغنية، وهذا يعني أنه لا مناص من المحافظة على هذه الثروات بترشيد استغلالها حتى لا نصل إلى الباب المسدود في آخر المطاف. وهنا لا بد من تحديد المسؤوليات، وتحديد أدوار كل واحد من المشرفين على قطاع الصيد البحري بالمغرب. من هذا المنطلق يمكن القول إن كل مواطن ملزم بحسن الاستغلال والتدبير والحفاظ على هذه الثروة، التي تعد تراثا وطنيا مشتركا، وهذا واجب وطني لا يستثنى منه أحد. ويجب على المسؤولين أن يعوا المسار الحقيقي الذي يجب أن تتبعه أي قرارات استراتيجية خاصة بهذا المجال، من جنس حق الاستغلال مثلا. هذه القرارات يجب أن يصادق عليها الشعب المغربي بكل فئاته عبر ممثليه الرسميين، وعلى الدولة في هذا السياق أن تضطلع بدور أكبر بصفتها المشرف العام على القطاع. كما على المهنيين أن يساهموا في تنمية القطاع، عبر دفع الواجب المستحق نظير استغلالهم للموارد السمكية الوطنية. وانطلاقا من هذه المفاهيم والمحددات، يجب التذكير بأن جميع الرخص التي تمنح لصالح المستغلين للقطاع يجب أن تمنح وفق المعايير الموضوعية التي يحددها القانون المنظم، كما على هذه الرخص أن تتضمن الشروط الإضافية التي تضمن استغلالا أمثل للثروات البحرية الوطنية. وعلى ضوء هذه المبادئ، يتضح جليا أن الإدارة المكلفة بالصيد كانت الضحية الأولى، لتساهلها وترددها في اتخاذ القرارات اللازمة، ويكفي أن نرجع قليلا إلى الماضي لتأكيد هذه الحقيقة. فغداة انتهاء صلاحية الاتفاقية التي كانت تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي في مجال الصيد البحري (نهاية 1999)، كان المخزون السمكي المغربي قد وصل إلى مستويات مقلقة جدا، وهو ما كان يلزم المسؤولين باتخاذ قرار سريع يتم بموجبه انسحاب جميع أساطيل الصيد الأجنبية من المنطقة الاقتصادية الخالصة للمغرب. وقد أكدنا منذ عام 1991 أن هذا الانسحاب سيسمح للثروات البحرية الوطنية بالنمو والتكاثر، وتجاوز المرحلة الحرجة التي تسببت فيها أساطيل الصيد الأجنبية بالخصوص (وقد تحققت تلك التخمينات فيما بعد، حيث سمحت هذه التدابير بظهور تحسن واضح للإنتاج السمكي الوطني). كما أوصينا بالإبقاء على حجم الأسطول الموجود آنذاك في المياه المغربية (حوالي 285 سفينة صيد) للحفاظ على الثروات الوطنية، وخاصة ما يتعلق بأسطول سفن الجياب التي تستهدف الأخطبوط. على الصعيد ذاته، نبهنا السلطات العمومية، عبر عدة مقالات، إلى الخطر المرتقب من منح تراخيص جديدة خاصة بالصيد، ففي هذه الحالة، يعرف مجال الصيد البحري الوطني فائضا كبيرا في الاستثمار، ونتيجة ذلك، تضطر السلطات إلى التفكير في إعادة هيكلة القطاع، وهذا أمر في غاية الصعوبة، لأن المستفيدين سيطالبون السلطات ذاتها بتعويضات كبيرة عن الأضرار التي ستلحقهم جراء تدني مردوديتهم، أو سحب رخص الصيد منهم، وهو ما سيعود بالضرر الكبير على مجال الصيد في آخر المطاف. والغريب في هذه القضية، هو أن هذا السيناريو الذي كان مجرد تخمينات في السابق، أصبح حقيقة واقعة في الوقت الحالي! ففي الوقت الذي غادر فيه الأوروبيون المياه المغربية، عرف إنتاج الصيد البحري في المغرب نموا ملحوظا، وهو النمو ذاته الذي عرفته نسبة المهنيين العاملين في القطاع وغيرهم، الذين استغلوا التساهل الذي ميز أداء السلطات المختصة، لمضاعفة طرق صيدهم بوسائل مشروعة وغير مشروعة، لتعود الأزمة إلى سابق عهدها وكأن شيئا لم يتغير. هذه الوضعية ألزمت السلطات المعنية باتخاذ تدابير تقنن وضعية قوارب الصيد غير القانونية! وفرضت محطات للراحة البيولوجية، وهي التدابير التي اتخذت شكل سياسة الهروب إلى الأمام. كيف يمكن تجاوز هذه الأزمة؟ للأسف الشديد، لا توجد حلول سحرية للوضعية الحالية، ذلك أن العودة من جديد للظروف الطبيعية والعادية للصيد ستأخذ على الأقل سنة كاملة. وللتدليل على ذلك فإن الاستغلال المفرط لمخزون الأخطبوط بموريتانيا مثلا استدعى ثلاث سنوات كاملة للحصول من جديد على مستوى طبيعي من الإنتاج، وتبعا لذلك فإن كل تدخل عاجل لا يمكنه إلا أن يقلص من خطورة الأزمة الراهنة من خلال إعداد الميدان لصياغة استراتيجيه قطاعية حقيقية. إن قطاع الصيد البحري هو أحد القطاعات الذي عرف تسييرا متعثرا، وهذه الحقيقة ما تزال ثابتة، على اعتبار أنه إلى حين الشلل الكامل لمسلك الأخطبوط، قامت لجنة تضم المعنيين بالصيد في أعالي البحار، بمحاولة تطوير استراتيجية لكل القطاع. وانطلاقا من واقع الأزمة الحالية التي يعرفها قطاع الصيد البحري بالمغرب، أصبح لزاما الشروع في نقاش وطني جاد حول هذا القطاع وحول سبل تطويره وحول توقعات موارده. وكان من المنتظر أن تكون هذه المهمة تحت مسؤولية المجلس الأعلى لاستغلال والمحافظة على الثروة السمكية، غير أن هذا المجلس فقد حياده عندما أصبح تحت رئاسة وزارة الصيد البحري. وفي انتظار وجود استراتيجية معقلنة للصيد البحري، هناك عدة إجراءات يمكن اعتمادها للخروج بالقطاع من واقع الأزمة. حاليا، يجب إغلاق قطاع صيد الأخطبوط لفترة غير محدودة (قد تستغرق سنة أو سنين)، إلى حين ظهور علامات تحسن المخزون. ذلك أن تقليص مجهود الصيد يترتب عليه إيجاد مخطط تقويم بعض الإجراءات الموازية. كما أن الصيادين يجب أن يستفيدوا من صندوق التعويضات على البطالة، هذا الصندوق الذي يجب دعمه من قبل الدولة في البداية، ثم سرعان ما يعوض من خلال مداخيل الصيادين أنفسهم بواسطة اقتطاعات. لا مناص من تقليص مجهود الصيد إلى حدود تضمن استمرارية مخزون رأسيات الأرجل، وهذا الأمر يشمل كلا من عدد الوحدات المسموح لها بمزاولة أنشطة الصيد، من جهة، والحصص المخصصة لكل مهنة، من جهة أخرى. على المدى المتوسط والمدى البعيد، يجب تقوية وسائل الرصد والتقويم المتعلقة بتتبع حالة المخزونات. وفي السياق نفسه، سيكون لتطوير المعهد العلمي للبحث في الصيد البحري إلى مؤسسة مستقلة النفع الكثير. وفي الأخير، لا بد من توفر المنطقة الجنوبية على مشاريع مندمجة تعتمد على استغلال الأسماك العائمة، الأمر الذي سيسهم في تخفيف العبء عن الموارد التقليدية وفي تحويل الطلب المنبثق عن الوحدات الصناعية إلى أنواع سمكية أخرى في إطار إعادة هيكلة شاملة.