أي دور للإحصاءات في معرفة ظاهرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية؟ ما هي أسبابها وتطوراتها؟ وما هي انعكاساتها على الاقتصاد الوطني، وعلى القدرة الشرائية للأسر المغربية؟. أسئلة سيقاربها خبراء في مجال للإحصاء، خلال اليوم الدراسي الذي ستنظمه المندوبية السامية للتخطيط في سياق احتفال القارة الافريقية السنة الماضية باليوم الافريقي للإحصاء تحت شعار: «التحديات التي يفرضها ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتنمية الزراعية: دور الإحصاءات». انعقاد هذا اللقاء الذي سيحتضن أشغاله الاثنين المقبل مقر مديرية الإحصاء بالرباط يتزامن مع ظرفية عالمية صعبة عاشها ويعيشها المغرب والعالم منذ السنة الماضية، نتيجة الأزمة الحالية والارتفاع الكبير لأسعار المواد الغذائية على المستوى الدولي والوطني أيضا، مما سيجعل منه مناسبة لفتح النقاش حول هذه الظاهرة، والتأكيد على أهمية تأهيل القطاع الزراعي لمواجهة غلاء المواد الغذائية الأساسية. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية التوفر على إحصائيات زراعية شاملة موثوقة ومتجددة لإنجاح برامج التنمية الفلاحية بإفريقيا، لتحقيق الأمن الغذائي في القارة وأغلب دولها ومنها المغرب. وإذا كانت أشغال هذا اليوم الدراسي ستؤكد مداخلاتها على ضرورة تطوير النظام المعلوماتي لتوفير قاعدة أساسية للتخطيط والادارة والرصد في القطاع الزراعي، فاللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة لمنظمة الأممالمتحدة كان لها رأي آخر تضمنه بيانها بمناسبة الاحتفال باليوم الافريقي السنة الماضية، حيث أشارت إلى أن أكبر عائق في وجه تحقيق التنمية الزراعية في العديد من البلدان الافريقية يتجلى بالأساس في افتقار عدد من الدول الافريقية الى قاعدة معلوماتية إحصائية جيدة وشاملة في قطاع الزراعة والتغذية. اللجنة الاقتصادية لإفريقيا لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصفت النظم الإحصائية المتوفرة في عدد من الدول الافريقية بالهشة وغير المنسقة، وغير المندمجة في النظم الإحصائية الوطنية العامة، واعتبرتها نظم منقوصة الموارد وغير المستدامة، مؤكدة على أنه بالرغم من اعتياد عدد من البلدان الافريقية على مدى نحو أربعة عقود على جمع الإحصاءات الزراعية، لم تتمكن بصورة عامة من تطوير نظم إحصائية زراعية وطنية لها أهداف ووجهة استراتيجية محددة. وحسب خبراء في مجال الإحصاء، فإن هذا الوضع يطرح بالدرجة الأولى إشكالية تحقيق الأمن الغذائي ومحاربة الفقر وسوء التغذية في القارة الافريقية، ويضع التنمية الفلاحية من جديد ضمن أولويات أجندة التنمية بافريقيا لأجل تحقيق أهداف الألفية للتنمية والوفاء بالالتزامات الخاصة بمؤتمر القمة العالمية للأغذية. وتقوم اللجنة الإفريقية للإحصاءات الزراعية بإشراف وتنسيق مع شعبة الإحصائيات التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة بمرافقة جهود دول القارة الافريقية لإحداث وتطوير أنظمة وطنية للإحصائيات حول الزراعة مناسبة وحديثة، خاصة تلك المتعلقة بالأمن الغذائي ومتابعة أهداف الألفية، والعمل على تحسين القدرات الإحصائية الزراعية لدول افريقيا في ما يخص تجميع وتحليل وتوزيع واستغلال المعطيات الإحصائية المتعلقة بالتغذية والفلاحة والوسط القروي والصيد البحري. وبالنسبة للجنة الافريقية للإحصاءات، فالحاجة تدعو إلى إحداث تحول هيكلي للقطاع الزراعي في افريقيا، يستند إلى استخدام أفضل للعلم والتكنولوجيا وتوسيع نطاق الهياكل الأساسية، وفرض الوصول الى الأسواق لزيادة المردودية والإنتاجية. كما ينبغي بالنسبة لها أن يستند التخطيط والادارة والرصد للقطاع الزراعي على أدلة سليمة، بالنظر لما يتسم به من أهمية للاقتصاد ولرفاهية الأمم الافريقية. وإذا كان الاحتفال باليوم الافريقي للإحصاء السنة الماضية يروم زيادة الوعي العام بشأن الدور الهام للإحصاءات في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلدان والقارة الافريقية، فإن خطة عمل مراكش للإحصاء لسنة 2004 تسير في نفس المنحى الذي تنحاه «الفاو» لأجل إخراج الأنظمة والبرامج الإحصائية الزراعية بالدول الافريقية ضمن المقاربة المندمجة التي يقترحها من خلال البرنامج العالمي للإحصاء الزراعي 2010. وتتضمن خطة عمل مراكش، إحداث وتنفيذ استراتيجيات وطنية لتنمية الإحصاءات بجميع الدول النامية الفقيرة. كما تنفذ الخطة في إفريقيا من خلال إطار العمل الاستراتيجي الاقليمي المرجعي لبناء القدرات الإحصائية في القارة. المندوبية السامية للتخطيط تتبنى نفس التوجه وتسير في اتجاه تنفيذ هذه الخطة، إذ سيكون اليوم الدراسي الذي ستنظمه مناسبة لتقديم باكورة أشغالها المنجزة حول ظاهرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وأسبابها وتطوراتها وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني، وعلى القدرة الشرائية للأسرة المغربية ودور الإحصاء كآلية لرصد هذه الظواهر والمساهمة في وضع سياسة فاعلة للأمن الغذائي. وللإشارة، فإن اليوم الافريقي للإحصاء الذي يصادف يوم 18 نونبر من كل سنة، قد اعتمدته الدورة ال 25 للجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة لمنظمة الأممالمتحدة سنة 1990 والدورة ال 16 لاجتماعات الوزراء المسؤولين عن التخطيط الاقتصادي والتنمية، وأيده بعد ذلك مؤتمر الدول الافريقية المنعقد في مراكش سنة 2004.