في يونيو 2008، طلب بوش من الكونغرس، رفع حظر التنقيب عن النفط في الساحل الأمريكي الذي ظل سارياً منذ 1981، أي منذ 27 سنة. عندما أخذ بوش زمام الحكم كان ثمن البنزين في أمريكا هو 1,7 دولار للگالون الواحد. لكن، بعد 7 سنوات، أصبح ثمنه 4 دولارات للگالون. كانت ولاية بوش فاقدة لأي سياسة طاقية متكاملة، قادرة على خلق الاستقلالية عن العالم الخارجي، وحمل الحزب الجمهوري خصمه الحزب الديمقراطي، تهمة أنه كان عقبة أمام أي إصلاح لسياسة الطاقة. نانسي ريلوزي رئيسة الكونغريس، كانت حادة مع بوش، إذ اعتبرته، مجرد صدى لكل الشركات النفطية الكبرى الأمريكية، وأنه ناطق رسمي لها داخل البيت الأبيض، وأن برنامجه ليس إلا خدعة أمام الشعب. فهو لا يسعى إلى خفض ثمن البترول إلا لتطوير استقلالية أمريكا أمام مصدري النفط ( خاصة العرب والروس ). كان نقاشا بليداً نوعا ما، بين إدارة بوش وباقي المهتمين بملف الطاقة، بحيث أن كبرى شركات النفط الأمريكية أصبحت في عهد بوش الإبن تستحوذ على 68 مليون متر مربع من النفط، والتي لم تقم باستخراج أي قطرة منها فوق الأرض الأمريكية. بل هو استحواذ بوضع اليد، من خلال عدم محاولة استغلال أية حقول نفطية من قبل هذه الشركات، الذي ليس له سوى معنى واحد هو عدم الاهتمام بالمواطن الأمريكي، والبحث عن الربح الخاص بهذه الشركات فحسب. لقد ظل «ماكين» ضد سياسة التنقيب عن النفط، مثله مثل بوش، لكن مع ارتفاع النفط واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية غير معطفه أو جِلْدَهُ، لكنه تحول ثم بعد أن حصل على 2 مليون دولار أرباحا صافية من خلال ما يملكه من أسهم داخل هذه الشركات العملاقة. في إحدى الحلقات المسائية بقناة CNN انفجر المعلق والضيوف بالضحك، لأن ماكين حمل كل الإخفاقات النفطية في 30 سنة الماضية لأوباما. فأجابه جاك كافيرتي، وهو بالكاد قادر على استرجاع أنفاسه من الضحك: « إن أوباما لا يبلغ من العمر سوى 46 سنة. وهو في الكونغرس منذ 3 سنوات فقط. ولا أظنك ستحمله أيضاً التلوث الحاد إبان الألعاب الأولمبية ببكين (صيف 2008) ولا العطب في ثقب الأوزون» ثم أضاف: «السيد ماكين إنك تتواجد في الكونغرس منذ 22 سنة خلت وهي مدة لم تكن لك فيها أي سياسة نفطية تخدم الصالح العام». وفي صيف 2008، وفي دروة الصراع الانتخابي تقدمت كل من هيلاري كلنتون و ماكين باقتراح يقضي بإعفاء ضريبي على كل عملية شراء للنفط خلال الصيف لتشجيع العائلات على قضاء عطلهم والسفر مع أبنائهم. كان هذا معناه، وكما عبر عنه محلل قناة CNN بأنه محاولة لشراء أصوات الناخبين. لكن أوباما، كان ذكيا في استراتيجيته، إذ كان حريصا على عدم محاكاة برامجهم. بل إنه انتقدها بقوة. لقد رأى في مشروع عطلة الصيف محاولة لحرمان صندوق الدولة من 10 بَلايين دولار، والتي ستكون لها انعكاسات وخيمة في بناء البنية التحتية للشعب الأمريكي من قناطر وطرق، والتي أصلا تعاني من خصاص مهول. كان رأيه أن الإعفاء الضريبي سيرفع الاستهلاك، والذي لن تربح منه سوى الشركات النفطية العملاقة بأمريكا وعلى حساب جودة الحياة للمواطن الأمريكي. النتيجة أنه أطلق رصاصة الرحمة على هذا الطرح في مهده. وكان ذلك مكلفا بالنسبة لهيلاري كلينتون التي وضعت نفسها في كفة واحدة مع ماكين. كان بوش قد تقدم في ماي 2008، بطلب استخراج 76000 برميل نفط يومياً من الاحتياط الاستراتيجي لأمريكا البالغ 700 مليون برميل التابع لشركة ريتروليوم RETROLEUM . والذي وضع أساسه سنة 1975 بعد صدمة الحصار النفطي العربي سنة 1973. وظلت الإدارات الأمريكية تعتبر هذا الاحتياطي، العملية الوحيدة والجدية في وضع برنامج متكامل لاستقلالية الطاقة الأمريكية. لكن ما أراده بوش سقط في عملية التصويت بالكونغرس ووصل حينها ثمن البترول إلى 75 دولار للبرميل. لقد أصبحت الوعود والأهداف تتكاثر مع اقتراب لحظة الحسم الانتخابي، تحدث حينها ماكين عن خفض 60 % لانبعاث الغاز وبتخصيص 2 بليون دولار في 15 سنة القادمة لتحديث كل التكنولوجيا المرتبطة بالبيئة، ثم وعد بإقامة 45 مركز نووي للطاقة بحلول سنة 2030، دون أن يجيب أين سيضع كل التقنيات النووية لهذه المراكز. ثم التزم بتخصيص مكافأة ب 300 مليون دولار لأي مشروع ناجح لصناعة بطاريات كهربائية بديلة خاصة في قطاع السيارات. كان له نهجه، أنه في حالة فوزه، فإنه ملتزم بأن 10% من استهلاك الطاقة ستكون من خلال الطاقات المتجددة، وطالب المواطنين بخفض استهلاكهم والتزم بإخضاع الشركات الكبرى لاقتطاع ضريبي يكون مدخلا لإصلاح بيئي عام. عمليا ظل ماكين، ضد أي إصلاح بيئي، وأخفق في تحرير مشروعه الخاص بالبيئة بالغرفة التشريعية. لهذا رأى أوباما أن ما يراه ماكين من ضرورة الإصلاح الضريبي على أي عملية شراء للبنزين، لن تصب إلا في صالح الشركات العملاقة الأمريكية بما لا يقل عن 4 بلايين دولار. لهذا يرى أوباما ضرورة الحد من انبعاث الغاز ب 81% مع نهاية 2050، وخفض نفقات العائلات، خاصة المتعلقة بالطاقة بنسبة 1000 دولار لملايين العائلات الأمريكية، والوصول الى مليون سيارة ببطاريات كهربائية في 6 سنوات القادمة، ودفع 4 بليون دولار للشركات المنتجة لتطوير هذا النوع البديل من السيارات، ودفع 7000 دولار إعانة كقرض لَيِّن لكل مواطن يقتني هذا النوع من السيارات. لهذا يراهن بمشروع مماثل تبلغ قيمته 150 بليون دولار تطوير الطاقة في 10 سنين القادمة. لقد بدأ الرهان على «اقتصاد الطاقة المتجددة»، الذي سيخلق 4 ملايين منصب شغل، هكذا أعلن أوباما قائلا:« في العشر سنوات القادمة سنخفض اعتمادنا على نفط الشرق الأوسط وفنزويلا». الحقيقة هنا أن الكل يرى أن الأوبيك تقوم بعملية رهن مستقبل أمريكا، لأن 60% من أصل (21 مليون برميل نفط) تستهلك في أمريكا يومياً هي مستوردة، إضافة إلى ارتفاع الاستهلاك في دول صاعدة كالهند والصين والبرازيل يجعل الأسعار تعرف صعوداً حاداً. لهذا انخفض بشكل ملحوظ استعمال السيارات لدى المواطن الأمريكي، وبالتالي انعكس على مبيعات السيارات. وبالأرقام، وجدت الحكومة الأمريكية في مارس 2008 أن المواطنين قطعوا مسافة أقل ب11 بليون مايل، مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2007. إنه أول انخفاض حاد خلال الثلاثة عقود الأخيرة. فما عاد المواطنون يسافرون، ولا يتبضعون، بل يعتمدون على الأنترنيت، ولا خروج في نزهات طويلة. في نفس الآن، الذي تكون كبرى شركات النفط قد حققت أرباحاً خيالية وصلت سنة 2007 الى 150 بَلْيون دولار وعلى النقيض من ذلك عرفت قطاعات السيارات والطائرات انكماشا حاداً. أصبح الحديث قويا، عن وضع برنامج خفض السرعة داخل الطرق السيارة بغاية المساهمة في خفض المحروقات بنسبة 55 ميل في الساعة (هذا البرنامج كان ساري المفعول من 1970 إلى 1995). وأمام هذا الوضع أصبح الحديث عن أن الأعوام الذهبية التي عاشتها الأجيال الأمريكية السابقة أصبحت حكراً الآن على الشركات النفطية الأمريكية. قلة الحياء هو ما يجب أ يوصف به رؤساء عمداء كبرى الشركات المنتجة لقطاع السيارات. التي تقدمت إلى الحكومة الفدرالية بواشنطن بطلب الحصول على 34 بليون دولار لإعادة الأمور الى نصابها. الأمر أشبه بوضع الرأس في الرمل، لأنه طيلة 36 سنة لم يقم أي أحد بوضع أجندة لمتغيرات المستقبل، رغم علمهم أنهم على رأس صناعة جد مهمة من حيث اليد العاملة، التي تبلغ 355000 عاملا إضافة الى 4,5 مليون عامل مرتبط بشكل غير مباشر بهذه الصناعة. وهم يريدون المال فقط لإصلاح إخفاقاتهم، لكن نانسي بيلوسي، صرحت أن الإفلاس ليس ميزة أو (Carte Blanche). إن أي أموال ستعطى، ستكون على شكل قروض مضبوطة ومن خلال 700 بليون دولار. أحدهم علق على سياسة بوش النفطية بأنها جعلته لا يبرح منزله، وأن ميزانيته بالكاد تجعله يحتسي كؤوس الويسكي لأنها أرخص من ثمن النفط الذي ارتفع في حقبة بوش. إن التنقيب ع النفط في سواحل أمريكا يجعلها تتربع على حقول ب 18 بليون برميل. هكذا ما إن طلب بوش برفع الحظر على التنقيب حتى تبعه الكونغرس في ذلك، وإذا كان البعض في ولاية كاليفورنيا يعارض ذلك بحجة المحافظة على البيئة وخطر إضعاف قطاع السياحة، إلا أن الكل يؤمن أنه في حالة وصول ثمن البنزين إلى 6 دولارات للگالون، فإنهم سيغيرون موقفهم الرافض هذا. لهذا يرى الكثيرون أن للولايات المتحدةالأمريكية أن تكون لها سياسة نفطية شجاعة أخدا بعين الاعتبار عنصر البيئة الذي غيب لسنوات، وضرورة بداية الاعتماد على الفحم كعامل طاقي إضافي (للولايات المتحدةالأمريكية أكبر احتياط فحمي في العالم يكفيها لمدة 300 سنة.. نعم 3 قرون). هذا الفحم يغذي نصف حاجيات أمريكا من كهرباء، لكنه مسؤول عن ثلث التلوث البيئي بها، ثم هناك أخبار سارة ع نجاح مختبرات في استخراج النفط من هذا العنصر الحيوي للطاقة الذي هو الفحم. لقد اعتمد في ظل ولاية بوش على عنصر (Ethanol) كعامل منتج للطاقة، لكنه تطلب ربع غلة الذرة بالولاياتالمتحدةالأمريكية، مما جعل كل المواد الغذائية المرتبطة بهذا العنصر تعرف ارتفاعاً صاروخياً، ليس فحسب داخل أمريكا، لكن أيضا في العالم كله (المغرب عرف نفس الظاهرة فيما يخص الزيوت). مما أجبر أمريكا على استيراد الذرة م خارج حدودها، وظهر عجز أمريكا في الاعتماد على هذا المنتوج الفلاحي كعنصر طاقي. بوش نفسه ظل عاجزاً في صنع القرار الطاقي، حيث تقدم في دجنبر 2007 بمشروع طموح للاستقلال الطاقي من حيث تطوير المحركات بكل أصنافها، وتطوير محرك الهيدروجين الخاص بالسيارات، ثم توحيد معامل الاستهلاك النفطي بحيث يصير 40% عوض 35% ميل للگالون الواحد، لكن هذا المشروع سقط هو أيضا.. لقد كتبت « نيويورك تايمز » إن بوش أُخِذ بين كفي اللوبيات النفطية من جهة وصانعي السيارات من جهة أخرى. وأمام جبروت هذه اللوبيات العملاقة تظل الولاياتالمتحدةالأمريكية رهينة لنفط الشرق الأوسط. لقد كان مشروع بوش سيوفر بحلول 2020 أكثر من 1 مليون برميل نفط يومياً. الآن ما يهدد مستقبل أمريكا وبقاء الحلم الأمريكي، هو سياسة الطاقة وليس الإرهاب.. لقد تسأل المهتمون عمن يرهن مستقبل أمريكا كبلد، وكإمبراطورية، وكحضارة، هل هو الإرهاب أم البترول؟!!.. جواب جاك كافيرتي هو : « إن بلادن صرح أن وصول برميل النفط إلى 140 دولار هو القادر على ضرب أمريكا، على إيذائها وعلى جرحها»، لهذا يرى أن سياسة النفط المتبعة في أمريكا هي الجرح وأن النزيف قد أخذ مجراه، وأن مسألة الحياة مرتبطة بكم سيطول هذا النزيف. الخلاصة هي أنه إذا كان لكل إدمانه، فإدمان الولاياتالمتحدةالأمريكية هو النفط. طالب في المحاسباتية بالولاياتالمتحدة الأمريكية