عندما تسقط حصاة صغيرة داخل حذاء شخص ما، تختل مشيته وتتعثر، لكن أن تصير ثلاث حصاة دفعة واحدة، فهذا معناه أن الشخص مجبر على أن يقعد أرضاً لإزالتها.. هذا ما يحدث الآن للولايات المتحدةالأمريكية في مشيتها. إن أمريكا تعيش أكبر نزيف مالي في تاريخها، ففي كل سنة تؤدي خزينتها 700 بليون دولار، تصرف خارج حدودها فقط لشراء النفط. وإذا أضفنا ال 700 بليون، أخرى فيما يخص نفقات حربها ضد العراق وأفغانستان تكون المحصلة ما يعادل 1 تريليون ونصف، تغادر حدود أمريكا في السنة الواحدة. هذا النزيف أرهقها إلى الحد الذي جعل الركب تلامس الأرض. وأضر بثلاث قطاعات حيوية. في مجال التعليم، لا مستقبل لأي مجتمع بدون منظومة تعليمية تراهن على الجودة. هكذا، فقد كان صاعقاً تقرير إحدى اللجان الخاصة بالتعليم، أظهر أن أبناء أمريكا يوجدون في مراتب متأخرة مقارنة مع دول أخرى (الصين/ الهند). لقد وصلت بعض التقارير الى كون المدرسة الأمريكية لم تعد قادرة لوحدها على رفع التحدي. بل إن المعضلة التعليمية، تعود إلى غياب حلقة جد مهمة هو البيت، بمعنى الآباء. هكذا صرخ باراك أوباما في إحدى انفعالاته النادرة قائلا: «على الآباء أن يكونوا مسؤولين في تعليم أبنائهم، لا يمكن على الأبناء أن يقوموا بواجباتهم المدرسية أمام تلفاز، لا يمكن على أب مسؤول وأم مسؤولة أن تترك لأبنائها حرية تناول اللعب الإلكترونية وترك الواجبات المدرسية... أيها الآباء اعملوا مع أبنائكم لتطوير قدراتهم الفكرية وأن تحثوهم على التحصيل والحصول على المراكز المتقدمة». كانت بحق حرقة رئيس دولة جديد، تعلم درس تحت تأثير حرقة امرأة أخرى هي جدته، الذي قضى جزءاً من حياته يقتات من المساعدات الغذائية ليصبح أحد نجباء القانون في ولايته ومدينته. كان البرنامج التعليمي لبوش قد خلق نزاعات ومشاداة بين الهيئة التعليمية والآباء. فقد حاول بوش في برنامجه تطبيق وحدة المعايير في كل المواد (الرياضيات/ اللغة الانجليزية...) دون مراعاة محتوى هذه المواد وطرق تدريسها. ثم أضاف خاصية أخرى هي معاقبة المدارس والأساتذة الذين تحصل مدارسهم على نسب ضعيفة على مستوى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومكافأة المدارس الأكثر تفوقاً. كان برنامجه يعتمد على «القراءة أولا»، وإن كان هذا المشروع في ظاهره جد مهم غير أن النتائج كانت كارثية، فقد أخذت عينة من 40.000 تلميذ من المستوى الثالث أظهر تراجعاً وعدم قدرة في تحليل النص المقدم لهم من حيث فهمه واستيعابه، هكذا وجد الكونغرس نفسه قد أضاع عبثا، بليون دولار في مشروع «القراءة أولاً» هذا. كان تقرير السيناتور تيد كينيدي رئيس لجنة التعليم قاسياً، حيث صرح أن الميزانية المرصودة لمشروع «القراءة أولا» وضعت القراءة نفسها في المرتبة الثالثة، حيث أن المنح وزعت بنوع من المحاباة. هكذا تدخل الكونغرس لخفض ميزانية المشروع سنة 2007 من 1 بليون إلى 400 مليون دولار، وأدى التلاميذ الثمن غالياً نتيجة هذه السياسة التعليمية العرجاء في برنامج بوش. ولعل النتيجة التي أقلقت كل متتبعي الشأن التعليمي بأمريكا، هي أن نصف من يدخلون المدارس، فقط يصلون الى مستوى الباكلوريا. كان معهد البحث في طرق التعليم وهو منظمة غير حكومية، قد خلص إلى أن واحدا من أصل ثلاثة تلاميذ يغادر المدرسة. مما يجعل ميزانية الخسارة المقرونة بعدد المغادرين لمقاعد التعليم سنوياً، تصل إلى 1.2 بليون دولار، إنها هنا بالولاياتالمتحدةالأمريكية ليست أزمة، بل كارثة. حيث أن الرتب التي أصبح التلاميذ يحصلون عليها تكون بعيدة عن المعدل الوطني المتعارف عليه ب 52%. وإن كانت التقارير غير مفاجأة في كون تلاميذ المجال القروي أكثر تفوقا عن التلاميذ في المجال الحضري، فإن الأزمة التعليمية قد بلغت درجة من الحدة التي أصبحت معها مطالب الجميع من هيئات مدنية، ورجالات المقاولة، وحتى رجالات الدين، قوية وتحث التلاميذ على الرفع من مردوديتهم. بل إن الإحصاءات قد أكدت أن واحدا من عشرة خريجين غير قادر على مجابهة متغيرات العولمة. لقد كتب أحدهم، أن «المعاهد والجامعات الأمريكية أصبحت للطلبة الأجانب» وأنهم من يملأون مقاعدها، وهم القادرون على تحصيل أعلى المراتب الجامعية، وأنه إذا استمر الأمر على هذا الوضع، فإن الأمريكيين المولودون فوق التراب الأمريكي سيعملون كخدم وأجراء، في سيارات هؤلاء القادمين من الدول الأخرى، لأنهم الأكثر إيماناً بالحلم الأمريكي. إن التعليم العمومي الأمريكي قد غرق في بيروقراطية إدارية جعلت بَلايين الدولارات تتبخر سدى، دون الوصول إلى نتائج ملموسة. بل إن النتيجة البارزة، هي أن الطلبة ليسوا من التفوق المطلوب في كل المناهج والمواد، الشيء الذي لا يمكنهم من مسايرة سوق العمل ومن جهة أخرى، الاعتماد عليهم في تطوير الصناعة الأمريكية. لهذا بدأ الجميع يعيب على دور الآباء داخل هذه المنظومة، وأنه وجب عليهم المشاركة وليس فحسب الوقوف بعيداً للتفرج ثم المطالبة بالتغيير. لكن المشكلة التي خلقتها 8 سنوات من حكم بوش، هو هذا الوضع الاقتصادي المتأزم، الذي جعل الأب والأم مطالبين بالعمل أكثر ولساعات أكثر خارج البيت لتلبية نفقات المنزل، من أكل، وفاتورة الغاز إلى ما ذلك،، مما جعل الأبناء يبقون لوحدهم بالبيت زمنا أكثر مع أسباب التسلية، خاصة في التلفزيون. لقد أكد باراك حسين أوباما أن العديد من الأجيال قد ضاعت نتيجة هذه المنظومة. وحتى ، إن كان زعيم أمريكا اليوم، ليس ضد التعليم الخاص، غير أنه قرر الرفع من المنح المقدمة للتعليم العمومي وتأهيله ومحاسبته. لأنه، لا يمكن بأية حال أن تقدم أموال الشعب الى أي جهة أو مؤسسة دون محاسبتها والوقوف على عطائها. هكذا فقد التزم بدفع 500 مليون دولار لأقسام ومعاهد التكنولوجيا، لكن الشيء الأكثر رهبة وقلقا هو مستويات الكحول والمخدرات بين الطلبة، حيث أكد أحد الأساتذة أنه يصعب أن يجد طالبا لم يتناول الكحول أو مخدر «المرخوانة»، وأنه لا يمكن الحديث عن أي إصلاح تعليمي مع تفشي هذه الآفة الخطيرة. ومع غياب دور الآباء، وزحف هذا الوباء الخطير، أصبح مطالبا من المدرسة والمدرس القيام بكل شيء من تعليم وتربية النشء، وهذا أمر فوق طاقة ومسؤولية المدرسة وحدها، أو نظام التعليم وحده. (يتبع ) (٭) طالب في المحاسباتية بالولاياتالمتحدة الأمريكية