يبدو أن البناء السري والعشوائي بات بمثابة السم الذي يسري في شرايين دروب وأزقة وشوارع العاصمة الإقتصادية حيا حيا دون أن يكون له أي ترياق للعلاج منه، إذ لم تسلم منه أية رقعة بيضاوية، فزحف الإسمنت والآجور عادل بين الأحياء الراقية والمتوسطة والشعبية، ومشهد عربات الدواب المجرورة أصبح مألوفا، لكونها هي الوسيلة الأولى والأخيرة لنقل مواد البناء نحو «أوراشها» ومخلفاته من أجل لفظها بالشارع العام ! حي درب غلف العتيق بمقاطعة المعاريف أو الحي «الأبيض» سكنيا، يعيش في الآونة الأخيرة غليانا وفورة، وسباقا محموما مبنيا على التنافس في أقصى أشده وأبعد حدوده لمعرفة من سيشيد أعلى طابق بالمنطقة ! فأزقة الحي المتعددة منها زنقة المعدن، الزنقة 28، زنقة عبد الرحمان الزموري وشارع الداي ولد سيدي بابا «واطو سابقا»، جميعا تحبل بالمتناقضات، حيث يقف المنزل المكون من طابق أرضي زائد آخر علوي جنبا إلى جنب مع منزل الثلاثة طوابق والأربعة، بل والتي شمل إحداث التغييرات حتى الجهة الخلفية للسطوح، لتتغير معالم البناية الصغيرة فتتحول إلى عمارة منتصبة أمام الجميع ! بكل المقاطعات هناك أقسام للتعمير والتي باتت تحمل إسم مصالح التصميم والبناء، يعمل بها مراقبون محلفون شغلهم الشاغل العمل على مراقبة أوراش البناء وضبط المخالفات والتدخل لوقف أشغال البناء السري والعشوائي الذي يزيد في تشويه المدينة و «معالمها»، وإلى جانبهم هناك أعوان السلطة بالملحقات الإدارية الذين لاتنام أعينهم عن كل صغيرة أو كبيرة، إلا أنه بدرب غلف يتبين أن بعض هذه الأعين تُقفل وبعض الآذان تصم، حتى يتسنى لكل «مخالف» القيام بمخالفته و«اللي بغا يدير شي حاجة يديرها»! فتح الأبواب، إحداث «الكراجات»، تشييد الطوابق، هي جملة من الأوراش المرتبطة بالتعمير، مفتوحة أبوابها على مصراعيها، بتراخيص شكلية سلمت للقيام بأشغال المرطوب والزليج، فإذا بها تعتمد كستار لتعلية البنيان، أمام الصغير والكبير الذين باتوا يحملقون في ما يشيد أمامهم دون أن يعوا السر في هذا التغيير والمسؤول عنه؟