بتر رجل طفلة من طرف بيتبول أو قتل مسنة بكماشة هذا الكلب المفترس يجعل من المستعجل الإسراع في بلورة سياسة لاحتواء هذه (الظاهرة الكلبية) أثار القبض على جزار نقانق الكلاب بالدارالبيضاء موجة عارمة من الاستياء بين الساكنة البيضاوية، خاصة بعدما تناولت الصحف الطريقة التي كان يستعملها هذا) الجزار (في تصيد كلاب المزابل بعد تسمينها وخلطها بلحوم البقر المفروم وتوزيعها على بائعي النقانق المتواجدين في عدة أحياء شعبية في وسط وضواحي العاصمة الاقتصادية. كما سبق للرأي العام المغربي أن تتبع على شاشات القناتين التلفزيتين وتغطيات بعض الصحف حوادث مخيفة لعضات بعض كلاب البيتبول المميتة لأشخاص في عدة مدن مغربية بطنجة والدارالبيضاء وابن سليمان وغيرها، مما يستدعي التساؤل عن استفحال هذه (الظاهرة الكلبية) في مجال حضري كان لوقت قريب لا يستسيغ تحرك الكلاب بحرية داخل دروبه أو تربية هذه الحيوانات في بيوته نظرا إلى اعتبارات دينية تعتبر الكلب نجاسة، وأخرى اقتصادية تتمثل في انعدام حاجة الساكنة الحضرية للكلاب بخلاف الساكنة البدوية التي كانت تعتمد على هذه الحيوانات في الرعي خاصة. الاستيطان الأوربي يبدو أن من أهم الأسباب التي كانت وراء انتشار الكلاب داخل المجال الحضري استقرار الأوربيين بالمغرب، خاصة بعد الحماية، فاستقرار عدة شرائح أوربية، من الفرنسيين بوجه خاص، أدى إلى نقل مجموعة من العادات المعيشية والسلوكية إلى المدن المغربية، فبعدما تمت خلخلة البنية المعمارية لهذه المدن، من خلال بناء وتشييد ما سمي بالمدن العصرية والتي تميزت ببناء الفيلات والشقق والعمارات، تم في نفس الوقت إقحام مجموعة من السلوكات والعادات والتي من أهمها تربية الكلاب في هذه المنازل والبيوت والاعتناء بأكلها وشربها والحفاظ على صحتها، مما أدى إلى فتح مجموعة من العيادات البيطرية التي تقتصر وظيفتها على العناية بالكلاب. وقد ورثت الشرائح المغربية التي أفرزها توزيع ريع الاستقلال على تبني هذه الشرائح لنفس سلوكيات الساكنة الفرنسية وتقليدها في نمط معيشها، حيث واصلت الشرائح المتوسطة والغنية في المدن المغربية، بما فيها الدارالبيضاء، اقتناء الكلاب والاهتمام بتربيتها، الشيء الذي يفسر طغيان التحدث إلى الكلاب بكلمات فرنسية من طرف جل الشرائح الحضرية، وتسميتها في الغالب بتسميات أوربية كسام وريكس وبوبي إلى غير ذلك من الأسماء الأجنبية، مما يكشف إلى حد بعيد استمرار ترسب المعتقد الديني داخل هذه الأوساط والتي يجعلها تستنكف عن تسمية كلابها بأسماء عربية أو أمازيغية وغيرها. لكن هذا لا يمنع من مواصلة هذه الشرائح اقتناء الكلاب إما لحراسة فيلاتها أو الاستئناس بها داخل الشقق كنوع من التميز الاجتماعي والذي يظهر خاصة لدى النساء المنتميات إلى هذه الفئات واللواتي يحرصن على الاهتمام بكلابهن والذهاب بها إلى المحلات المختصة لتجميلها وقص شعرها وإلباسها ووضع سلاسل خاصة للتجول بها داخل الحدائق أو الشواطىء وباقي الأماكن العمومية. الإجراءات الأمنية يبدو أن هناك عاملا آخر قد ساعد على انتشار الكلاب داخل المدن المغربية، والذي يتمثل في حرص الأجهزة الأمنية، خاصة بعض مصالح الشرطة المختصة في التفتيش ومراقبة الحدود والمكلفة بمحاربة المخدرات، وحتى الأجهزة المكلفة بملاحقة معارضي النظام، على اقتناء بعض الكلاب وتدريبها على القيام ببعض الأعمال التي تحتاجها هذه الأجهزة، سواء في الاعتقال أو الحماية أو التفتيش. ومما زاد من انتشار هذه الظاهرة تسلل القطاع الخاص إلى المجال الأمني خاصة في تسعينيات القرن ال20، حيث أنشأت عدة شركات للحراسة الخاصة، بدأت تلجأ إلى خدمات الكلاب في مهامها، مما زاد من انتشار ظاهرة تربية الكلاب، خاصة من النوع الألماني أو البتبول. بدونة المدن لعل مما زاد من استفحال وانتشار الكلاب داخل المدن المغربية، هي تعرض هذه الأخيرة لموجات متواصلة من المهاجرين القرويين، خاصة بعد توالي سنوات الجفاف الذي تواصل طيلة عقدي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وتخلي الدولة عن كل إصلاح زراعي. فتوافد موجات من المهاجرين والوافدين القرويين على المدن المغربية لم يخلخل فقط بنيتها المعمارية، من خلال تخريب المدن العتيقة وانتشار السكن العشوائي من دواوير وكارينات أو بناء مساكن غير مرخصة، بل أدى على الخصوص إلى انتشار وتكريس عادات وسلوكيات هؤلاء الوافدين القرويين والتي كانت من بينها تربية الكلاب التي تعودوا على التعايش معها على غرار باقي الحيوانات من بقر وماشية، لذا فباستقرار هؤلاء الوافدين الجدد في ضواحي المدن أو بدروب مدنها العتيقة، انتشر ت ظاهرة الكلاب في الأحياء الشعبية، حيث أصبحت ترى قرب المساكن والبيوت أو يسمع نباحها فوق السطوح، كما أصبحت نوعية خاصة من الكلاب تؤثث المجال الحضري، حيث عادة ما ترى هذه الكلاب وهي مجرورة إما بسلاسل من النوع الرخيص أو بحبال خاصة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل ظهرت، في هذا السياق، كلاب البيتبول المخيفة التي أصبحت تكتسح المجال الحضري بحدة نتيجة لانعدام الإحساس بالأمن، خاصة في الأحياء الشعبية والطرفية، كما أن استفحال البطالة وسط ساكنة هذه الأحياء، خاصة بين صفوف الشباب، زاد هو أيضا من الإقبال على اقتناء هذا النوع من الكلاب لاستخدامها إما في السرقة أو المقامرة عليها في مباريات تعقد في ما بينها يفوز فيها، ماديا، أصحاب الكلاب المنتصرة . كما أن انتشار ما يسمى بحراس السيارات والحراس الليليين في الدروب والأزقة واستعانتهم بكل أنواع الكلاب، التي عادة ما لا تخضع لأية مراقبة طبية أو صحية، قد زاد هو أيضا من استفحال هذه الظاهرة. من هنا، أصبح من الضروري أن تلتفت السلطات المحلية إلى هذه (الظاهرة الكلبية) التي أصبحت تهدد حياة الساكنة الحضرية : فبتر رجل طفلة من طرف بيتبول، أو قتل مسنة بكماشة هذا الكلب المفترس، أو محاولة سرقة وكالة بنكية باستخدام هذا النوع من الكلاب، بالإضافة إلى الإزعاج الذي يسببه انتشار الكلاب بكل أنواعها داخل دروب وأزقة المدن، يجعل من المستعجل الإسراع في بلورة سياسة لاحتواء هذه (الظاهرة الكلبية) والتحكم فيها، وذلك من خلال المنع الكلي لتربية كلاب البيتبول أو التجول بها على غرار ما فعلته دول أوربية، بما فيها فرنسا في هذا المجال، بالإضافة إلى قيام الأجهزة الطبية التابعة لوزارة الداخلية بحملات تمشيطية ودورية لمحاربة كلاب المزابل وباقي الكلاب الضالة التي يمكن أن تنقل عدة أمراض بما فيها السعار، والإشراف الإداري على مراقبة اقتناء وتربية وتجول الكلاب داخل المدن، مع فرض إجراءات زجرية على أصحاب الكلاب التي تزعج أو تقلق راحة السكان. فمحاربة البناء العشوائي لا ينبغي أن تتم فقط على مستوى هدم السكن الصفيحي وترميم السكن العتيق، بل ينبغي أن تشمل أيضا كل المظاهر والسلوكيات التي أفرزها هذا السكن بما في ذلك (الكلبنة غير المنظمة) للمجال الحضري بالمغرب.