لقد تعاقب وزراء على القطاع لينتهي به المطاف إلى مجرد قطاع ملحق بوزارة الفلاحة في الوقت الذي كان الجميع يراهن عليه كقطاع يعتبر من دون شك أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، يستوجب مواصلة عملية تأهيله وهيكلته حتى يتمكن من رفع تحديات المنافسة الدولية. فقطاع الصيد البحري، الذي يعد أيضا أحد القطاعات الأساسية التي تسهم في خلق فرص للشغل، يحتل مكانة هامة في مجال الصناعة الغذائية بالمغرب مما يتطلب وضع سياسة تهدف إلى الحفاظ على الموارد البحرية واستمرارها. ومع ذلك فإن هذا القطاع الذي يوفر إمكانيات أكيدة ويعتبر إحدى الرافعات الأساسية للنمو الاقتصادي، يشكو من عدد من المشاكل التي تعيق تطوره ومساهمته بشكل أفضل في مسلسل التنمية المستدامة بالمملكة. لقد طبل المسؤولون لبرنامج الاستثمار والذي أطلقوه للنهوض بالقطاع وحددوا فترته الممتدة ما بين 2006 - 2010 تحدثوا عن إقرار مخطط تهيئة المصايد وبرامج دعم الصيد التقليدي من قبل الحكومة بهدف ضمان حماية الموارد البحرية واستغلالها بطريقة عقلانية، تحدثوا عن المشاركة الفعالة لمهنيي الصيد الساحلي والتقليدي! تحدثوا عن تعزيز مكتسبات المكتب الوطني للصيد البحري وموارده البشرية وتحسين طريقة تدبيره وكذا مساهمته في مبادرات التنمية الاجتماعية والاقتصادية فضلا عن توفير شروط أفضل لإنعاش المنتوج. تحدثوا عن مواجهة تحديات المنافسة والإكراهات التي يعاني منها القطاع كتقادم بواخر الصيد وعدم ملاءمة البنيات التحتية الخاصة بالاستقبال والتسويق مع الامكانيات التي يوفرها الانتاج، إلى جانب انعدام شبكات للتوزيع ومحطات للتبريد. مرت سنوات عن هذه التصريحات، فأين نحن من كل هذا؟ بالنظر الى الأهمية الاستراتيجية للقطاع البحري الصيدي، والدور الفعال الذي يلعبه في صيرورة حركية التنمية الاقتصادية ببلادنا، حيث تتعدى مداخيله 400 مليار سنتيم سنويا، ويقوم بتشغيل حوالي 400 ألف بحار ومتعامل، كما أن وحداته البحرية العاملة تقدر بحوالي 2500 وحدة من مختلف الأحجام و الاصناف. إلا ان القطاع يشهد حاليا وضعية صعبة تهدد بالانتقال به من حالة الانتاج الى حالة الركود والافلاس الكاملين! ولا يتعلق الأمر هنا بمخلفات الاتفاقيات التي تبرم مع الدول الأجنبية بما فيها الاتحاد الاوروبي، الذي تجوب وحدات دوله، خاصة الاسبانية منها، مياهنا الاقليمية ليل نهار، مدمرة مخزوننا السمكي باستعمالها لشتى وسائل الدمار الممنوعة دوليا، ولا إلى النتائج السلبية التي تحدثها الشركات المختلطة التي ترفع وحداتها العلم المغربي لتخفي عمليات نهبها وقرصنتها لخيراتنا البحرية، ولا إلى عودة نشاط شركات التأجير اليابانية منها و الروسية التي تملك بواخر وسفنا عملاقة ستقضي من خلال الاتفاقيات التي تبرم بين الطرفين على ما تبقى بمياهنا الوطنية من أسماك صناعية و حيتان وأحياء مائية وثروات بحرية كانت منذ القدم مستهدفة ونعتبرها جزءا لا يتجزأ من سيادتنا الوطنية. بل يتعلق الأمر هنا بالسياسة الحكومية المتمثلة في تخلي الوزارات المتعاقبة على تسيير شؤون القطاع البحري منذ سنة1981 عن القطاع الساحلي، وعدم تمكينه من كل الوسائل التي تمكنه من ولوج عالم التصنيع عن طريق تحديث آلياته وعصرنة وحداته وحماية بيئته والاهتمام بالعنصر البشري بوصفه القاعدة الاساسية التي يرتكز عليها تقدم أي قطاع منتج. كما يتعلق الأمر هنا بارتفاع تكلفة الإبحار الناتجة بدورها عن ارتفاع أثمنة المحروقات التي أصبحت تشكل 75 % من الدخل العام لرجال البحر، وكثرة المكوس والضرائب المباشرة و غير المباشرة التي أصبحت تشكل عبئا ثقيلا على كاهل المهنيين وتحد من نشاطهم اليومي! هذا بالاضافة الى كون السياسة الاقتصادية والاجتماعية المتبعة حاليا، وكذا الأولويات المرسومة لها غير مندمجة بالمجتمع البحري وحاجيات رجاله، كما أن القرارات الناشئة عنها لمعالجة الأزمة غير ناشئة من اختيار ذاتي، وبالتالي ليس من شأن هذه السياسة إلا ان تؤدي الى الدوران في الحلقة المفرغة للأزمة. المشاكل والصعوبات التي يتخبط فيها الصيد الساحلي توشك أن تفضي إلى إفلاس مجموعة من الصيادين بعد أن ارتفعت تكلفة التجهيز والإبحار، حيث تستحوذ في أغلب الأحيان على أزيد من ثلثي المدخول دون الحديث عن الأجر اليومي للمستخدمين في القطاع، علما بأن نسبة المصاريف التي تتطلبها كل وحدة من أجل الإبحار والاصطياد تفوق 75 % ، إضافة إلى الاقتطاعات الإجبارية المفروضة على المجهزين لفائدة الإدارات والمكاتب والمؤسسات. هذه المشاكل لخصها المهنيون في التراجع الخطير في الموارد السمكية نتيجة عمليات استئجار البواخر العملاقة الروسية واليابانية المدمرة، كما تتلخص أيضا في ارتفاع ثمن قطاع الغيار وارتفاع الضرائب والرسوم وتعددها، إضافة إلى أداء رسوم غير مستحقة لفائدة المكتب الوطني للصيد وارتفاع قيمة التأمين، حوادث الشغل- التأمين على البحارة والمراكب. وكذلك تجميد عملية العصرنة والتحديث من طرف الوزارة الوصية الذي يدخل في إطار تأهيل قطاع الصيد الساحلي، دون الحديث عن عدم تفعيل الأغلفة المالية التي تقدر ب 105 ملايير سنتيم والمقتطعة من الاتفاقيات المبرمة مع الدول الأجنبية وانعدام الدعم للقطاع من طرف الدولة. لقد نبه المهنيون إلى تقلص اليد العاملة في ميدان الصيد البحري، لاسيما المتخصصة منها، نتيجة عدم تحيين اللوائح المتوفرة لدى الوزارة الوصية، ناهيك عن عدم الاعتناء بالعنصر البشري، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل بعض الوحدات التي تضطر أحيانا إلى عدم الإبحار بسبب النقص الحاصل لديها في اليد العاملة، مما يدل على عدم وجود استراتيجية بحرية وطنية للنهوض بقطاع الصيد البحري بشكل يساير تطور باقي الأنشطة الاقتصادية. ومما زاد الطين بلة، الارتفاع المهول لأسعار المحروقات في السنوات الأخيرة الذي بات يهدد المهنيين بالإفلاس، خاصة في القطاع الساحلي، حيث لم يعد باستطاعة البحارة الاستمرار في ممارسة نشاطهم.