لا حديث هذه الأيام في الوسط البحري إلا عن الفوضى والارتجال اللذين يطبعان تصرفات وتحركات المسؤولين عن قطاع يعيش حالة مزرية، ويتطور بصورة عشوائية بعيدا عن أي تخطيط أو تصميم استراتيجي مستقبلي. فالقطاع البحري الذي كان منذ أزيد من ربع قرن يمارس حضوره في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويساير من خلالها مختلف التقلبات والتحولات والصراعات الساخنة التي تشهدها الساحة الاقتصادية في المغرب، يمر حاليا بفترة جمود وركود تزداد حدته اختناقا، لتؤثر على الحياة الاجتماعية لرجاله الذين قدر لهم أن يعيشوا البؤس وحرمان والتهميش، نتيجة لفشل سياسة الوزارة الوصية التي رهنت مستقبل القطاع الساحلي وحدت من نشاط رجاله في وقت أبانت فيه منذ بداية الثمانينات عن عجزها في تقويم الإعوجاجات الإدارية، وتصحيح المسار الذي يصون مجالنا البحري، ويحمي رجاله. فإذا كان هناك من قطاع لايزال يحتاج الى شفافية في التعامل ووضوح في الرؤية، فهو قطاع الصيد الساحلي الذي تؤكد كل المعطيات على أن ما يحدث بالمصالح التابعة له، ونخص بالذكر هنا مؤسسة إنقاذ الأرواح البشرية في البحر لا يبعث على الاطمئنان ، والتي تم تأسيسها بتاريخ 15 يونيو 2001 خلفا للجمعية الملكية للإغاثة التي أسست مباشرة بعد انخراط المغرب بالمنظمة العالمية للبحر، وتقيده بقرارات هيئة الأممالمتحدة، وبطبيعة الحال تم تفويت أرصدتها البنكية التي كانت في حوزة الجمعية المنحلة (ونخص بالذكر الرصيد الموضوع في بنك الوفاء تحت رقم 019.780.000.046.0301.0350.92.93 والذي بلغ الى حدود 30 يونيو من سنة 2002 ما قدره 237860879 درهم) الى مؤسسة البحث وإنقاذ الأرواح البشرية في البحر التي تفرعت عنها لجن محلية في جل موانئ المملكة التي تم تأطيرها بأطر إدارية وجمعوية، وتجهيزها بمراكب للإنقاذ مستوردة من الجارة اسبانيا، أقل ما يقال في حقها انها مجرد (قشيوشات عاشورة) لا تقوى على الإبحار حينما يكون البحر هائجا وأمواجه تعلو ورياحه تسارع الزمن لتصل ما بين 7 و100 كلم في الساعة. وبالرغم من كون القانون المؤسس لهذه المؤسسة يخول للسيد الكاتب العام للوزارة الذي يرأس مجلسها الإداري، مراقبة عمل اللجن المحلية، ويخول له إعداد توصيات من شأنها تحسين عمليات البحث والإنقاذ بالبحر، ويخول له أيضا السهر على حسن سير وسائل البحث والإنقاذ البحري وتأمين وإعداد تقرير سنوي حول أنشطة المؤسسة، وكذا اللجن المحلية لإنقاذ الأرواح البشرية في البحر وفوق هذا وذاك القيام بتدقيق حسابات هذه اللجن، بالرغم من كل ذلك، فإن هذه المؤسسة لم تتمكن حتى اليوم من عقد جموع مجالسها الادارية لدراسة ما قد سلف ذكره، وللمصادقة على الميزانية السنوية والتقارير المالية والأدبية وانتخاب مكاتب جديدة لهذه المؤسسة طبقا للفصل السابع (7) من القانون المنظم الذي يشير الى أن المجلس الاداري يسيره مكتب ينتخب أعضاؤه لمدة ثلاث سنوات، مما يؤكد أن جل المكاتب الحالية، وأخص بالذكر هنا مكتبة اللجنة المحلية لولاية الدارالبيضاء الكبرى، غير مؤهل قانونيا لتسيير شؤون هذه المؤسسة التي عمل المسؤولون عنها على خرق القانون المنظم، خصوصا في بنده العاشر (10) الذي نص على وجوب عقد جموع المجلس الاداري مرتين في السنة، وقد سبق للعديد من الجمعيات المهنية وأخص بالذكر، تلك المنضوية تحت لواء الجامعة الوطنية لجمعيات أرباب مراكب الصيد الساحلي منهم، الوقوف على نشاط اللجنة المحلية للإنقاذ والتدقيق في حساباتها ومعرفة أوجه الصرف بها ، وإلزامها بعقد جموعها العامة مما نتج عنه تشكيل لجنة وزارية قامت مؤخرا بزيارة لميناء الصيد بالدارالبيضاء، حيث عقدت عدة جلسات مع المسؤولين عن اللجنة المحلية للإنقاذ بمن فيهم العاملين بالمندوبية التابعة للوزارة الوصية على القطاع البحري، أسفرت عن رفع تقرير الى الكاتب العام بوصفه المسؤول الاول عن هذه اللجن التي تعرف خللا إداريا في تسيير وتدبير شؤونها، مما حدا برجال البحر الى مطالبة السيد الوزير بضرورة الوقوف على مكامن هذا الخطأ، خصوصا وأن فصل الشتاء على الأبواب، وهو الفصل الذي يشهد عادة اضطرابات جوية يعلو من خلالها الموج وتشتد قوة الرياح التي تكون خطرا محدقا بأرواح البحارة. وتجدر الاشارة الى أن سنة 2008 قد عرفت ما مجموعه 405 حوادث بحرية بمياهنا الوطنية، منها 384 حادثة متعلقة بمراكب الصيد نتج عنها فقدان 35 بحارا تركوا وراءهم أسرا مشردة كانوا يعيلونها، لم تتمكن الوزارة لحد الآن من تسوية مشاكلهم الاجتماعية، علما منا بأن غالبية عمليات الإنقاذ تتم بواسطة مراكب الصيد الساحلي أو بتنسيق مع مراكز الإنقاذ تتم بواسطة مراكب الصيد الساحلي أو بتنسيق مع مراكز الإنقاذ الاجنبية وأخص بالذكر مركز مدريد الاسباني والمركز الفرنسي ومركز لشبونة البرتغالي. المطلوب إذن، من وزارة الفلاحة والصيد البحري حاليا هو التدخل السريع لإصلاح الأوضاع بالقطاع وتصحيح مسار مؤسسة إنقاذ الأرواح البشرية في البحر، خدمة للصالح العام وتفاديا لمزيد من فقدان بحارة همهم الوحيد المساهمة في المحافظة على الأمن الغذائي للمواطنين. فمتى تقوم الوزارة الوصية على القطاع البحر بسن سياسة تعيد للبحار المغربي كرامته، وتجعله يحس بالمعنى الصحيح للمواطنة، وبالتالي تجعل الوزارة ومؤسساتها في خدمتهم وليس العكس...!