انتهى لقاء أكادير، وعاد المسؤولون الى مكاتبهم ، وبعودة كل هؤلاء، عاد المستضعفون من رجال البحر الى موانئهم مثقلين بمشاكل وقضايا تحد من نشاطهم وترهق كاهلهم، في وقت تنفس من خلاله السيد وزير الفلاحة والصيد البحري الصعداء، مستبشراً ومزهواً بنجاحه في عرضه لاستراتيجية رفضها المهنيون، استراتيجية كان من الأفيد أن تدرس وتناقش مع ممثلي المهنيين بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم قبل عرضها على أنظار جلالة الملك. استراتيجية غاب عنها البعد البيئي والبعد الاجتماعي، والاقتصادي، استراتيجية لم تتطرق إلى دراسة معمقة للبيئة البحرية. أنجزت الدراسة من طرف خبراء المعهد الوطني للبحث والصيد البحري، وكذا مديرية الصيد البحري التي مافتئت تؤكد أن مياهنا الوطنية خاصة في النقطة (س) تتوفر على مخزون سمكي جد هائل متناسية بأن هناك العديد من أنواع السمك والحيتان في طريقها الى الانقراض نتيجة للصيد العشوائي الذي تقوم به الأساطيل الأجنبية، خاصة منها تلك المؤجرة أو تلك الممتلكة من طرف الشركات المختلطة التي ترفع وحداتها العلم المغربي لتخفي قرصنتها ونهبها لخيراتنا البحرية. استراتيجية لم تأخذ بعين الاعتبار، الرفع من المستوى الاجتماعي لرجال البحر بوصفهم القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها تقدم القطاع، وكم من بحار شردت أسرته بسبب إحالته على التقاعد أو تعرضه للغرق أثناء مزاولته لواجبه. استراتيجية لم ولن يحظى من خلالها أسطولنا الوطني الذي تبلغ عدد وحداته 2500 وحدة ببرامج للتحديث والعصرنة، ولم يستفد من خلالها أصحاب المراكب من الدعم الممنوح أصلا من طرف الاتحاد الأوربي. استراتيجية غاب عنها البعد القانوني المتمثل في المدونة البحرية التي تمت دراستها سنة 1985 مع السيد بنسالم الصميلي الوزير الأسبق في الصيد البحري، وتمت إعادة دراستها منذ ذلك التاريخ مع كل الوزراء المتعاقبين على تدبير شؤون قطاع الصيد البحري، دون أن تخرج إلى حيز الوجود. هذه إذن، هي الاستراتيجية الجديدة التي بُشرنا بها ، صحيح أن هذه الاستراتيجية تضمنت محاور جد إيجابية تمثلت في المشاريع الموازية لقطاع الصيد البحري (الصناعة السمكية، تربية الأحياء المائية) التي رصد لها مبلغ 22 مليار درهم، ستمكن من إحداث حوالي 115 ألف منصب شغل في أفق سنة 2020. صحيح أن هذا المخطط سيمكن من إعادة هيكلة موانىء الصيد البحري وتفويتها بصفة نهائية من حظيرة الوكالة الوطنية للموانىء، إلى حظيرة المكتب الوطني للصيد البحري، وذاك ما كان المهنيون يطالبون به منذ سنوات. ولكن إذا ما قمنا بعد وإحصاء لما سيستفيد منه قطاع الصيد الساحلي من هذا المخطط، نجد نسبته فقط لا تتجاوز 10%، مقارنة مع المحظوظين من كبار القوم الذين سيمكنهم هذا المخطط من الاستفادة بحوالي 90% من مجموع المشاريع الإنمائية التي جاء بها مخطط 2020/2009. جيد ولا ينكر، ذلك أحد بأن مخطط (أليوتيس) الذي تضمنته الاستراتيجية الجديدة سيساعد لامحالة على تطوير الصناعة التحويلية والصادرات ومعامل التصبير بالإضافة الى مزارع الأسماك والأحياء المائية (16 مشروعا)، وهذه كلها مشاريع جبارة يباركها رجال البحر، ولكن ليس على حسابهم ولا على حساب أسطولهم الساحلي والعاملين فيه، بحيث لا يعقل الاهتمام بإحداث 115 ألف منصب شغل والزج بحوالي 400 ألف بحار إلى خانة التشرد وركوب قوارب الموت للهروب من واقع مُزر فرضه بعد المسؤولين عن مشاكل وانشغالات وطموحات المستضعفين من رجال البحر، هذا بالإضافة إلى كون هذه الاستراتيجية وكذا الأولويات المرسومة لها غير مندمجة بالمجتمع البحري وغير مرتبطة بمتطلبات الاقتصاد الوطني بأبعاده المتعددة، وبالتالي ليس من شأنها إلا أن تؤدي إلى الدوران في الحلقة المفرغة...! ومادامت هذه الأزمة التي يمر بها قطاع الصيد البحري الساحلي قائمة وبنيوية وعميقة، ولا يمكن تغليفها بالخطابات المناسباتية أو الإعلامية المغلوطة ولا يمكن ردها إلى أي عنصر من العناصر مهما كان حجمه ودوره في إجبار المهنيين على قبول استراتيجية أقل ما يقال عنها إنها (زوبعة في فنجان)، فإن لسان حال المستضعفين من رجال البحر، سيظل يردد وماذا بعد...!؟