تعزز مجال الدراسات التاريخية والسوسيولوجية بكتاب جديد يسد جزءا من الفراغ الذي تعرفه الدراسات والبحوث في المغرب حول تاريخ الهجرة المغربية، وهو لحد معرفتي، الكتاب الوحيد الذي يبحث في الأصول التاريخية للهجرة المغربية من إنجاز الأستاذ والباحث عبد الكبير عطوف من جامعة ابن الزهر باكدير،والذي صدر تحت عنوان « الأصول التاريخية للهجرة المغربية نحو فرنسا( 1910-1963 ) و المنشور بالفرنسية في دار نشر 2009 Chez Connaissances et Savoirs وهو في الاصل اطروحة ناقشها الباحث في تخصص التاريخ الاجتماعي المعاصر، تخصص الهجرة والذي تم بجامعة بيربينيون .وهو عمل يتتبع تاريخ الهجرة المغربية منذ بداية القرن الماضي. يقول الدكتور عبد الكبير عطوف حول هذا التاريخ: «لا بد من قراءة وتحليل الاستعمار كنظام بنيوي وشامل مس كل بنيات المجتمع المغربي، كسر بنيات العلاقات الاجتماعية. ونزع أهم الأراضي الخصبة، ومارس عنفا رمزيا وحقيقيا (عسكري،مالي،ايديولوجي ،سياسي واداري...) على الساكنة المغربية التي لم يكن لها اختيار اخر الا الانضمام الى الجيش الفرنسي او الاسباني أو العمل لدى المعمرين الاوربيين، سواء بالدار البيضاء او بالمستعمرة الجزائرية او في فرنسا . بمعنى آخر أنه اصبح للمغاربة اختيار هجروي من خلال الاستعمار أكثر من السابق. وهو ما يحيل الى علاقة الارتباط المعقدة مع المعاملات النقدية، أي النقود والاجر: فاكتشاف النقود والاجر تحت الحماية يمثل عنفا لا يمكن قياسه من حيث الاستلاب وتدمير العلاقات الاجتماعية التي تفرض بشكل صارم وضع المشروع الهجروي في خانة مجتمع الاستهلاك الحضري.» اختار عبد الكبير عطوف 1910 بدل 1912 تاريخ توقيع اتفاقية الحماية كتاريخ للحديث عن الهجرة المغربية ،ويبرر الباحث هذا الاختيار بالقول: «في الواقع ان سنة 1910 كانت أول مرة نجد فيها أثرا لمهاجرين مغاربة بمدينة نانت الفرنسية يشتغلون بأحد المقاولات، رغم أن عددهم لم يكن يتجاوز المائة.حسب العديد من الوثائق التي يمكن الاضطلاع عليها. وكنا بعيدين عن موجات الهجرة الكثيفة التي انطلقت مع بداية الحرب الاولى للمشاركة في مجهود الحرب الذي فرضته فرنسا الاستعمارية: ليوطي اعترف بمشاركة حوالي 45 الف جندي مغربي ، دون ان ننسى ما كان يسمى « عمال المستعمرات» والذين كان عددهم يناهز 35 الف رجل .والذين اشتغلوا بالمصانع الحربية ما بين 1916 و1918، وفي الفلاحة، الأنشطة الصناعية والمناجم...والذين تم تشغيلهم من طرف « مصلحة عمال المستعمرات» التي تم إنشاؤها سنة 1916 وتم حلها سنتين بعد ذلك. وهو ما يعني انه على الأقل هناك 85000 مغربي تم تدبيرهم ،تأطيرهم ومراقبتهم من طرف وزراة الحرب الفرنسية خلال الحرب العالمية (1914 -1918) . وهي تشكل بداية صفحة جديدة من التاريخ الاجتماعي التي تمت كتابتها، مجسدة بذلك انطلاق أولى الهجرات المغربية المعسكرة والتي ستكون اساس انطلاق ما يسمى «نمط الاجتثاث العسكري.» طبعا هذا الاجتتات العسكري كما ذكر الكاتب سيلعب دورا كبيرا في انطلاق موجات الهجرة الكبرى نحو فرنسا واوربا مما سيكسر معه مفهوم الحدود الوطنية وسيجعل من الحركية شيئا مبتدلا « لأول مرة يغارد المغاربة بلدهم لإكتشاف عالم آخر وفضاء آخر هو فضاء الحرب والحركية والتنقل المستمر. فمن بين 11 مليونا من سكان شمال افريقيا تم نقل 400000 شخص شكل المغاربة منهم 185000 على الاقل ،حسب تقديري الشخصي.خلال الحرب الاولى كان عددهم 90 الف مغربي و80 الف عسكري خلال الحرب الثانية و15 الف عامل تم انتقاؤهم ونقلوا واطروا من طرف وزارة الحرب الفرنسية . وهو رمز قوي يذكرنا ان « الجيش يشكل وسيلة استثنائية وابوية لتأطيرالوجدان والاجساد...ينتج ويدمج القيم « « كما ان سوسيولوجيي ومنظري واقتصاديي الاستعمار لم ينتظروا ولو يحللوا كل تناقضات وانعكاسات الحربين على المجتمعات المستعمرة.مثل مجتمعات شمال افريقيا ولم ينتظروا انعكاسات هذه الحروب على السلطة الكولونيالية وبنياتها العتيقة.» الكاتب حلل في نهاية الفصل الاول انعكاسات هذه الهجرات العسكرية والمؤطرة من طرف وزارة الحرب، انعكاساتها على المجتمع المغربي والتي ستفجر موجات الهجرة نحو اوربا وفرنسا « ليس من الصدفة ان قدماء العسكريين المغاربة عادوا الى فرنسا بعد الحربية للاشتغال كعمال، والذين شكلوا احتياطيا غير متناهي لليد العاملة للرأسمال الفرنسي والاوربي.» ص 72