أصبحت المناسبات الدينية والموسمية، مكلفة لدرجة تثقل كاهل المواطن المغربي صاحب الدخل المحدود، فللمرة الثانية على التوالي تتزامن مناسبة شهر رمضان والدخول المدرسي وكذا العطلة الصيفية، إذ يجد المواطن المغربي نفسه وسط كم هائل من المصاريف التي تراكمت عليه، فيتيه باحثا عن حل لهذا المشكل. وتبدأ لعبة وكالات الأبناك لاستمالة هذا المواطن قصد التخفيف من عبء المصاريف عليه، وتجهز له قائمة بالعروض التي تسيل لعابه كحل لمشاكله المادية. يقول أحمد (45 سنة، عامل): «.. في البداية لم أكن لأقترض، أو أفكر في سلف استهلاك، لكن ظروفي اضطرتني السنة الفارطة لأخذ هذا القرض، فأنا عامل بالأجرة التي تحسب بعدد الساعات التي أقضيها في العمل، ولأني كنت مريضا حينها لم أتمكن من اقتناء كبش العيد، فلم أجد أمامي إلا اللجوء إلى إحدى الوكالات البنكية التي قدمت لي سلفا بقيمة الأضحية. أعدته في مدة عشرة أشهر». في هذه الحالة، يشكل المدخول الشهري الضعيف عائقا يدفع بصاحبه إلى شباك سلف الاستهلاك. و نجد عمر (24 سنة موظف عمومي) يصرح بأنه اضطر إلى الاقتراض لأنه متزوج حديثا: « فبعد مصاريف العرس والعطلة وجدت نفسي أمام مصاريف رمضان، لذلك كان الحل بالنسبة لي هو سلف الاستهلاك» فحتى الحياة الزوجية أصبحت تنبني على الدين وسلف سيسدد على مدى خمس إلى عشر سنوات حسب قيمة الدين وقيمة التسديد الشهري. أما حبيبة (33 سنة ربة بيت)، فهي زبونة جديدة تتردد في الدخول إلى وكالة بنكية، أجابت أن زوجها عامل بالأجرة اليومية ولها ثلاثة أطفال، ولا تدري كيف تواجه ثقل المصاريف التي تراكمت، وكيف توفر لوازم التمدرس لأبنائها الثلاث «نصحتني جارتي بأن ألجأ إلى هذه الوكالة لأنها تقدم سلفا بفوائد قليلة ولا يتم تسديده إلا بعد سنة». فالتفكير في سلف الاستهلاك أصبح مألوفا لدى المغربي الذي يرى فيه حلا لمشاكله. هذا السلف الذي توفره الوكالات البنكية، ابتداء من 3000 درهم إلى 100000 درهم بحسب رغبة الزبون وقدرته على التسديد، وقيمة أجرته الشهرية. ويتم التسديد إما بعد شهر أو سنة، ومن عشرة أشهر إلى 10 سنوات فما فوق. عند زيارتي لإحدى الوكالات البنكية، أول ما لفت انتباهي لافتة كبيرة، تغري بأخذ سلف استهلاك قد يصل إلى 100000 درهم، وبفوائد قليلة والتسديد مريح للغاية، وصرح إطار بهذه الوكالة أن «الزبون أولويتنا في هذه الوكالة فإن كانت قيمة الفوائد لا تريحه فنحن نيسر له الأمر (هو وشطارتو)». بمعنى أن الزبون يمكنه أن يساوم في قيمة الفوائد وحتى المدة التي يريد أن يختزل فيها القرض وبالقيمة التي يرغب. لكن في ظل ذلك، فالمواطن يقع في مصيدة الدين والقروض التي لا تنتهي... فهناك من يتمكن من التسديد والغير يجد نفسه قد سقط في سلف جديد دون أن يعي بذلك، موسى (42 سنة إطار بشركة)، «في سنة 2007 كنت مضطرا لاستلاف مبلغ قيمته 20000 درهم لمصاريف زفاف ابنتي ، سددت نصفه لحد الآن. وعندما حل عيد الأضحى الماضي، اضطررت للتدين من جديد، ليتراكم الدين الجديد والقديم، وحاليا مع مصاريف الدخول المدرسي ربما سيكون الحل بالنسبة لي هو التدين من جديد». فموسى مواطن من ضمن الأعداد التي سقطت فيما يسمى إدمان السلف، الذي يستمر مدى الحياة. وفي المجمل تقدر نسبة زبناء قروض الاستهلاك بنسبة 25%، «فهم يشكلون نسبة مهمة بعد زبناء قرض العقار» حسب ما أفادني به مصدر من إحدى الوكالات البنكية. وتكون نسبة الإقبال على هذا النوع من السلف من طرف الفئة المتوسطة ذات الدخل المحدود نسبيا، أي الذين يتقاضون ما بين 2000 إلى 5000 درهم شهريا، وينشط هذا النوع من القروض بالوكالات البنكية المتمركزة بالأحياء الشعبية، والمتوسطة، حيث تكون نسبة الساكنة أكبر. لكن هذا لا يعني أن المغاربة كلهم يلجأون لهذا النوع من السلف، فحسب منظور فتيحة (27 سنة معلمة بالقطاع الخاص)، «ليس القرض هو الحل لمشاكل تراكم المصاريف، فأنا وزوجي ننهج خطة محكمة منذ بداية السنة، نواجه بها كل مناسبة على حدة دون أن نترك مجالا للتفكير في السلف، وبذلك أبقى مرتاحة». صحفية متدربة