ارتبط إصلاح القضاء بنضال الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سواء أيام المعارضة أو بعد المشاركة في التدبير، كما ارتبط نضال الاتحاد، في أحد جوانبه بالعدل، كما يجد حزب المهدي وعمر وعبد الرحيم نفسه دائما وعضويا في صلب الحركة الإصلاحية المغربية، متجلية في أحد أكبر أوراشها وهو الإصلاح. فمنذ بداية التناوب التوافقي في 1998، احتلت المسألة القضائية مركزا هاما في مباشرة الخروج من منطق الركود والاستسلام للنفق المسدود، إلى رحابة الفعل الإرادي في تغيير بنيات هذا القطاع، إلى جانب قطاعات أخرى. منذ بداية التناوب، أسندت حقيبة العدل إلى الفقيد محمد بوزوبع، وبالرغم من شراسة التحالف المصالحي، الذي جمع بعض أحزاب الفساد، والحسابات الضيقة والمنتفعين من سياسة اللاعقاب والمنتفعين من الريع الإداري، وكذا كل الذين شكلوا مادة عقابية للمرحلة الثانية من التناوب..! وبالرغم من كل هذا التكالب، الذي وصل إلى حد النهش في الأعراض والتلفيق وتهريب الحقائق، فإن الرجل سجل للقطاع العديد من المكتسبات، كما أنه لم يتردد في تقديم التشريح الموضوعي والنزيه لما بقي عالقا من اختلالات لم تصلها يد القضاء معه، ولا وصلتها من قبله. وقد وجد البعض في ذلك مادة للتشكيك، وللفت الأنظار عما يقع من تحولات في قطاع ظل أحد معاقل المحافظة والتردد. وتحمل الاتحاد مسؤوليته في ما بادر إليه في هذا القطاع، ولم تثنه الحملات المنظمة والعشوائية على حد سواء، التي نالت من مناضليه المسؤولين عن العدالة، ولم يتراجع أو يهن أو يضعف، عندما اقتضى الأمر ضرورة مواصلة هذا الورش الإصلاحي الكبير. وكذلك، عندما تطلب تسيير القطاع وجود شخصية وطنية محترمة، توافقية، مؤمنة بالإصلاح وباستقلالية القضاء، قدم الاتحاد الأخ عبد الواحد الراضي لهذه المهمة النبيلة والصعبة أيضا. وسيربط التاريخ المغربي، لا محالة، بين تثبيت الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في منصبه كوزير للعدل وبين تقديم أولى لبنات الإصلاح في قطاع العدالة. إذ يذكر المغاربة، والحقل السياسي الوطني والفاعلون من مختلف التوجهات، أن الكاتب الأول طلب التفرغ لحزبه ومناضليه، لكن حاجة المغرب إلى الإصلاح وتقديم المصلحة العامة على متطلبات البناء الداخلي دفعت الاتحاد، مرة أخرى، إلى إعطاء الأسبقية لمصلحة البلاد على الأجندة الخاصة به. كما سيذكر التاريخ، دوما، أن قيادة الاتحاد، التي ثمنت التثبيت الملكي للكاتب الأول، راهنت، عن حق، على أن يكون إصلاح العدل، الإصلاح الجوهري والمركزي، ولا شك، لبنة في إصلاح الدولة وعلاقات مختلف السلط داخل البناء السياسي والمؤسساتي لمغرب اليوم والغد. ذلك لأن الإصلاح، في عمقه، كما حصلت القناعة الجماعية اليوم، إصلاح شمولي، متراكب ومتواصل الحلقات. إن الاتحاد يدرك تمام الإدراك أن الإصلاح ليس هينا. لكن الأساس في مغرب اليوم والغد هو أن الإصلاح قد بدأ، وشرعت فيه بلادنا، ولعل ما هو أساسي بعد ذلك هو أن تكون خارطة الطريق واضحة وتلمس كل جوانب الارتقاء بالإصلاح إلى المستوى المطلوب. ولا يمكن لأي بلد يحترم تطوره وبناءه أن يسمح بأن يتحول الاطمئنان إلى ركود تاريخي، فالإصلاح شاق وطويل، وما جاء به سقف المرحلة ما زال يتطلب المزيد والتدقيق والتثوير. إن الاتحاد، وهو يهنئ بلادنا على ما أبانت عنه من قدرة إصلاحية مبدعة، منخرط تمام الانخراط في هذا الورش، بمناضلاته ومناضليه، بأفكاره وتاريخه وإرادته الواعية الصادقة. وهو انخراط عقلاني ونضالي إرادي، يعي تمام الوعي أن الإصلاح لا بد أن يواجه قوى محافظة وأخرى تثبيطية، تنظر إلى الوطن من زاوية المصالح الضيقة والفئوية أو العابرة. لهذا يعول على عموم الفاعلين والقوى الحية والمناهضة للريع، والإفلات من العقاب وقوى الضغط، ألا تخلف الموعد وتُنجح هذا الإصلاح الذي يمس المواطن المغربي في كل مستويات حياته، كما أنه يعد رافعة للبناء المستقبلي لدولة الحق والقانون.