إن المتتبع لما يجري بوزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية، يطرح مجموعة من التساؤلات حول واقع هذا القطاع. فمباشرة بعد تعيين حكومة الأستاذ عباس الفاسي وإنشاء القطب الوزاري الكبير وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية، كانت تصريحات السيد الوزير الأول والسيد وزير الإسكان، تشير إلى أهمية هذا القطب في التشكيلة الجديدة، فالتصريح الحكومي جاء فيه أن خلق وزارة تجمع بين اختصاصات إعداد التراب الوطني والتنمية الحضرية والقروية والتعمير والإسكان يهدف إلى تفعيل الطاقات بين هذه القطاعات من جهة والسهر على اندماج السياسات القطاعية على مستوى المجالات من جهة أخرى. أما السيد توفيق احجيرة وزير الإسكان والتعمير والتنمية المجالية، فقد صرح خلال اجتماع التعاقد حول البرنامج والثوابت والمناهج يوم 5 دجنبر 2008، أن من بين أهداف الوزارة بلوغ مرحلة متقدمة من الحكامة المحلية تعتمد على غنى مرجعية إعداد التراب ويجسدها التعاقد بين الدولة والجهات، مضيفا بأن من بين أهم المكتسبات أن هناك ثقافة وخبرات وممارسات ودراسات في مجالات إعداد التراب تشكل مرجعية غنية. ،كما أن إنشاء كتابة الدولة في التنمية المجالية، اعتبرت هي الأخرى إشارة قوية للدفع بسياسة إعداد التراب الوطني عبر تبني سياسة واضحة وفعالة في تدبير المجال. ،آنذاك طرحت بعض التخوفات عبرت عنها الفدرالية الديمقراطية للشغل في حينها والمتمثلة في تذويب القطاع داخل وزارة الإسكان والبعض كان يرى بأنه لا يجب التسرع في إعطاء أحكام مسبقة ولابد من التريث. وبعد مرور قرابة سنتين توالت الأحداث وبرزت مجموعة من القرارات التي تترجم بأن وزارة الإسكان هي بامتياز وعلى جميع المستويات وزارة التذمر والاحتقان وذلك لمجموعة من الاعتبارات من ضمنها أن عملية تعيين بعض المفتشيين الجهويين تحكمت فيها الزبونية والمحسوبية والقرابة، والغريب في الأمر أن هاته التعيينات تمت عن طريق عزل مفتشيين معينين بظهائر، في حين أن المفتشين الجدد لم يتم تعيينهم بظهير، فماذا يقول الفقه القانوني في هذه النازلة؟ علاوة على ذلك، فالمستفيدين من التعيينات كلهم ينتمون لقطاع الإسكان والتعمير، في حين تم تهميش أطر ذات كفاءات عالية بكل من مديرية إعداد التراب الوطني والمفتشيات الجهوية. تهميش القطاع يحيلنا على مسألة جوهرية تخص صلاحيات كاتب الدولة في التنمية المجالية الذي لا حضور له وازن داخل القطب، مما جعل البعض يربط تهميش السيد كاتب الدولة باستراتيجية محبوكة من أجل إفراغ القطاع من محتواه، فما معنى أن يترأس كاتب الدولة في التنمية المجالية مجالس إدارية لبعض الوكالات الحضرية ويقوم بزيارة، يوم عطلة، لمشروع تامسنا التابع للعمران في حين لم يقم بزيارة المفتشيات الجهوية التي هي عمليا ومن خلال اختصاصاتها كما جاء على لسان السيد الوزير مهمتها الأساسية التنشيط الترابي. عودة إلى مسألة التعيينات، وأمام اندهاش الجميع تم الإعلان عن تنصيب المقربين في مناصب مهمة بمجموعة تهيئة العمران بعد إعفائهم من مهامهم ونخص بالذكر،المهندس الفلاحي الذي عين في البداية مفتشا بالمنطقة الشرقية فقد تم تعيينه من جديد بعمران وجدة والمفتش بجهة تازةالحسيمة تاونات الذي أصبح مسؤولا بعمران طنجة، كما تم تعيين مسؤولة بديوان السيد الوزير بشركة عمران تامسنا، قراءة سريعة نستشف من خلالها بأن هناك هجرة ذوي القربى من إدارات فارغة وبدون آفاق وأن المقربين شعروا بالفراغ والراحة خاصة بالمفتشيات، فطالبوا بإعادة النظر في تعييناتهم وبالفعل تم إرضاؤهم بتنصيبهم بمجموعة البقرة الحلوب. أما الاحتقان الاجتماعي، فيتمثل في علاقة الوزارة مع الفرقاء الاجتماعيين، وفي هذا الباب فحدث ولا حرج، لا حوار مع السيد الوزير لأن سعادته ليس له الوقت والأجندة مملوءة عن آخرها، ولكن هذا لا يعني بأن الباب مسدود في وجه ممثلي الواجهة الاجتماعية لحزب الميزان التي حصدت أغلبية مقاعد اللجن الثنائية واحتلت الصف الأول داخل القطاع، أحد الظرفاء علق عن ذلك متهكما بقوله بركة السيد الوزير في النقابة مثل بركة التراكتور في السياسة. إن الارتجالية والمزاجية سمتان تطبعان تدبير المرفق العام بالوزارة، آخر وأم المهزلات ملف السكن بالرباط، فلجنة السكن التي يترأسها السيد المفتش الجهوي أصدرت لائحة المستفيدين من مشروع كيش الاوداية حسب الأقدمية ضاربة عبر الحائط الشروط والمعايير التي حددتها دورية السيد الوزير وهي ثلاث شروط يجب على المستفيد أن يتوفر عليها أولا أن يكون مكتري، ولم يسبق له الاستفادة من منتوج العمران وأخير أن لا يكون ملاكا لسكن. خلال اجتماع اللجنة يوم الخميس 18 يونيو وبحضور السيد كاتب العام للوزارة عبر ممثل الفدرالية الديم قراطية للشغل عن تحفظه من نتائج اللجنة ومن اللائحة النهائية لأنها وبكل بساطة لم يتم احترام الشروط الواردة في الدورية الوزارية إلا أن السيد كاتب العام للوزارة كان له رأي آخر، حيث أجاب بأن دورية السيد الوزير ليست بقرآن منزل! فما كان على الأخ عليوة الكاتب العام للفدرالية إلا أن ينسحب. ما هذا الاستخفاف وما السر في تشبث ممثل الوزارة على خرق دورية الوزير (عشنا وشفنا كما يقول المثل). الأكيد أن هناك تواطآت وصفقات في الخفاء، بل أحيانا بالمكشوف بين الوزارة وأحد النقابات داخل القطاع. فواقع الأشياء يوضح ذلك بجلاء، فممثل النقابة المعلومة في اللجنة وضع ملفه للاستفادة فهو طرف وحكم، ممثلين للوزارة في اللجنة ينتميان لنفس النقابة، السيد المفتش الجهوي الذي أبان عن ضعف كبير في تدبير ملف السكن انحاز لنفس النقابة، لأنه لم يحرص على احترام الدورية والتزام الحياد، والنتيجة أن لائحة المستفيدين اعتمدت على معيار الأقدمية وهو شرط غير وارد في الدورية وتم إقحامه ليتمكن ممثل النقابة من الاستفادة لأنه لا يتوفر على شرط الكراء! غريب أمر هاته الوزارة، إنه العبث في تدبير ملف اجتماعي. فلائحة المستفيدين من ضمنهم منخرطين في نفس النقابة، سلوك عادي وعليك الأمان في وزارة الإسكان، هذا ما عبر عنه أحد الأطر بالوزارة مضيفا بأنه بالأمس تم تعيين كاتب عام النقابة المعلومة، مفتشا جهويا بولاية الدارالبيضاء الكبرى ( درجة مدير عام) واليوم أتباعه يستفيدون من بقع بالرباط. وعن ملف الوكالات الحضرية فتلك حكاية أخرى إضرابات طوال السنة والوزارة لم تحرك ساكنا، كفاءات من خيرة أطر الوزارة يضربون يومين في الأسبوع ومصالح المواطنين والمستثمرين معلقة، مطلبهم الرئيس هو إخراج لحيز الوجود قانون أساسي منصف عادل وهو القانون المتعثر منذ سنة 2002 . فإلى حدود كتابة هذا المقال، لم تستفد شغيلة الوكالات الحضرية من تعميم زيادة %10 في الأجور التي أقرتها الحكومة لفائدة قطاعات الوظيفة العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العامة في إطار الحوار الاجتماعي منذ يوليوز 2008 وذلك رغم دورية السيد الوزير الأول بتاريخ 22 أكتوبر 2008 الموجهة إلى السيد وزير الاقتصاد والمالية قصد تعميم هذه الزيادة على مستخدمي جميع المؤسسات العمومية. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن شغيلة المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي ستستفيد من الشطر الثاني لهذه الزيادة ابتداء من شهر يوليوز2009 . فأمام هذا الوضع الكارتي التي تقابله الوزارة بالصمت وتارة بالتطمينات الكاذبة، كما جاء في البلاغ الأخير لهيئة التنسيق الوطنية للوكالات الحضرية (فدش)، فقد قررت هاته الأخيرة الاستمرار في الإضراب والتشبث بالتقليد الأسبوعي والمتمثل في التوقف عن العمل أيام الأربعاء والخميس طيلة شهر يوليوز. وكخلاصة يمكن القول بأن التعيينات المشبوهة، تذويب وتهميش قطاع إعداد التراب، تهجير الأقرباء إلى هولدينك العمران، دعم نقابة حزب الميزان في اللجن الثنائية، مهزلة تدبير ملف السكن بالرباط وحتى ببعض الجهات، والإضرابات التصعيدية بالوكالات الحضرية كلها عناوين كبرى تجعل من وزارة الإسكان وزارة التذمر والاحتقان. فيدرالي