كل لحظة عبر فيها المارون "زنقة ديور الشيوخ" بخنيفرة، خلال الأيام الأخيرة، تطالعهم يافطة بيضاء كتب عليها بالبنط العريض "سكان ديور الشيوخ يطالبون السلطات الإقليمية والمحلية بحمايتهم من التشريد والهدم"، اختار سكان المجمع الصفيحي (ديور الشيوخ) وضعها عندما بدأت تقترب منهم جرافة أحد الأعيان قال بأنه اشترى جزءا من المجمع المذكور وينوي إحداث مشروع به، ويخشون من أن تدك بيوتهم التي سكنوها أبا عن جد لعدد من السنين والأحوال، وقد سبق للسلطات الإقليمية أن اقترحت بقعا أرضية لترحيلهم إليها مقابل 100 درهم للمتر المربع، وعلى خلفية وضعيتهم المادية والمعيشية المزرية التمسوا من هذه السلطات التدخل لأجل إعفائهم من المبلغ المذكور، مع حذف البند أو الفقرة التي تعرقل بيع البقع للمستفيدين من برنامج محاربة الصفيح والسكن غير اللائق، والسبب يقولون في شكاية لهم، إنهم ليست لديهم الإمكانيات لبناء البقع، بالأحرى عند الحديث حول غلاء مواد البناء والمعيشة، وبالتالي طالبوا بإحصاء كل من يهمهم الأمر بمن فيهم الأفراد والعائلات التي لم تشملها الاستفادة، وسبق لمجموعة من السكان أن غادروا المجمع على ضوء الوعود المقدمة لهم فوجدوا أنفسهم في الشارع، والحقيقة أن أي شخص في المدينة تسأله حول برنامج التأهيل يكون جوابه من دون جدال هو مع الإصلاح و"إعادة الإعمار" والمشاريع التنموية، إلا أنه لا أحد بطبيعة الحال مع تشريد السكان والمس بحق الإنسان في الأمان والسكن والكرامة والحياة التي هي من صميم التنمية البشرية، وهو ما أكده السكان لمختلف السلطات المحلية والإقليمية التي اجتمعت مع ممثلين عنهم، وسبق لبعض هذه السلطات أن اقترحت عليهم، في اجتماع حضره بعض المقاولين، الاستفادة من مساكن فوقية على أن يعود ما بأسفلها للمنفعة العامة. ويشار إلى أن عددا من ممثلي 13 قبيلة بإقليمخنيفرة كانوا قد دخلوا مع السلطات الإقليمية منذ فترة ليست بالقصيرة، في نزاع حول العقار، والذي يعد من أشهر المواقع باسمه القديم"ديور الشيوخ" أو "تيدار زيان" كما كانت تسميه السلطات الاستعمارية على لوحة قرميدية ظلت معلقة بمدخله، وقضية هذا العقار عرفت عدة مراحل ولقاءات جمعت القبائل ال 13 بعدد من العمال المتعاقبين على إقليمخنيفرة ولم تسفر أي من هذه اللقاءات عن أي حال بالنظر للظروف التي يطبعها المد والجزر، إذ كلما اختلف رأي العمال أجمعت القبائل المذكورة على تمسكها بأحقيتها التاريخية في ملكية العقار. وبينما فكر أحد العمال من الذين تعاقبوا على الإقليم بوضع تصميم للعقار المتنازع عليه بهدف إعادة تشييده على شكل عمارات صغرى وتعزيزه ببنيات تحتية تستجيب لمستقبل العمران بالمدينة، جاء آخر ليطلب من سكان القبائل المعنية بالأمر بتعيين نائب عن كل قبيلة بواسطة وكالة شرعية، مع أخذ بعين الاعتبار وضعية السكان الذين أقاموا أكواخا داخله بأن تمنح لهم بقعا أرضية بتجزئة "تازارت إعراضن" في إطار سياسة الإسكان الممنهجة، وبكثير من الاندهاش فوجئت القبائل المعلومة بقيام العامل السابق بالضغط على المجلس الإقليمي لاتخاذ قرار يقضي بنزع ملكية العقار من هذه القبائل، واعتبار سكانه "مجهولين"، رغم وجود عقود كرائية ووثائق يعود تاريخها إلى عام 1922. ولم يكن في حسبان القبائل المذكورة أن قرار المجلس الإقليمي سيتم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 30أبريل 2007، ولم يفتهم وصفه في بيان لهم ب"القرار الخطير الذي يهدف إلى الاستيلاء على عقار يخص قبائل زيان" وهو الذي "لا يقبل التفويت أو التصرف فيه" بحسب رأي أصحاب البيان. وفي خضم التوتر السائد حصلت "الاتحاد الاشتراكي" وقتها على نسخة من رد كتابي لعامل إقليمخنيفرة على مراسلة وجهتها له القبائل المعنية بملف عقار "ديور الشيوخ"، إذ قال فيه"إنه في إطار الاهتمام الذي يوليه المسؤولون المحليون والإقليميون لمدينة خنيفرة، وخاصة هيكلة أحيائها القديمة للمحافظة على رونقها وجماليتها، جاء قرار نزع ملكية العقار المذكور بقرار من المجلس الإقليمي خلال دورته الاستثنائية المنعقدة بتاريخ 20 مارس 2005، وطبقا لمقتضيات القانون 81/7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وعملا بالمادة 10 من ذات القانون، تم طيلة مدة شهرين ( ابتداء من 22 نونبر 2005 الذي يوافق نشر مشروع المرسوم الوارد بالجريدة الرسمية عدد 4908) وضع ملف البحث والسجل المعد لتدوين الملاحظات والتصريحات رهن إشارة العموم بمقر بلدية خنيفرة لإتاحة الفرصة لكل من له الصفة القانونية تدوين تصريحاته أو تعرضه، ولم يتقدم، يضيف الجواب العاملي، أي من الملاكين خلال هذه الفترة بالتعريف بنفسه أو تقديم أي تعرض أو تصريح، وبالتالي تم اعتبار ملاكي العقار موضوع القضية مجهولين" يزيد عامل الإقليم في رده. وعند صدور المرسوم رقم 190-07-2 الصادر في 22 ربيع الأول 1928 الموافق ل 11 ابريل 2007 بإعلان أن المنفعة العامة تقضي بإحداث مشروع اجتماعي مندمج بمدينة خنيفرة وبنزع العقار المسمى "ديور الشيوخ"، أضاف عامل الإقليم أنه تم لهذا الغرض إيداع مبلغ التعويض المحدد من طرف اللجنة الإدارية للتقويم بصندوق الإيداع والتدبير لتمكين ذوي الحقوق المفترضين من الحصول على التعويض المستحق لهم، وقال العامل بأن الإجراءات المسطرية المنصوص عليها في القانون المشار إليه قد تم احترامها في جميع المراحل، وبناء عليه صدر الحكم القاضي بحيازة العقار موضوع نزع الملكية من طرف القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية بمكناس، كما صدر حكم قضائي آخر بإجراء خبرة من طرف خبير معين لهذا الغرض. وعلى خلفية برنامج تأهيل المدينة شددت السلطات الإقليمية على حل الملف بالصرامة الممكنة، وقالت مصادر مسؤولة من عمالة الإقليم إنها تتوفر على تصاميم بالأرشيف تؤكد أن العقار المتنازع عليه كان تاريخيا عبارة عن مساحة مشجرة، وأن القبائل المذكورة لا تتوفر على أية وثيقة تثبت ملكيتها للعقار، وتقترح ذات المصادر هدم العقار وتجميله باحتواء نقطته السوداء وتشييد به بنية اقتصادية لائقة، أو على الأقل إحداث متنفس أخضر يتوسطه متحف لحفظ الآثار التاريخية الزيانية، وبينما السلطات الإقليمية سارت على طريقها إلى ما لا نهاية دخل السكان على الخط للاحتجاج على المحاولات الرامية إلى طردهم من مساكنهم وتشريدهم، وبينما لا أحد طبعا مع إبقاء المجمع على ما هو عليه وسط المدينة إلا أن الجميع يطالب بحماية حياة ومصير سكانه، مع عدم إهمال الجانب التاريخي للمكان.