كل من عرف هشام ع. أكد أن اسم هذا الطفل سيظل عنوانا آخر لسلسلة «الطفولة المغتصبة اجتماعيا» بخنيفرة، وحكايته ابتدأت في أسرة غير مستقرة وانتهت في نعش على الأكتاف يوم اختاره الموت تحت عجلات آلية لنقل الرمال بزنقة ديور الشيوخ وسط المدينة في حادثة سير مؤلمة بكل المقاييس، حيث أبت الحياة إلا أن تسمح له بالرحيل ليستريح من عناء وضعية صعبة لم يستطع أن يقرر فيها مصيره، وفي قصة هشام طبعا ما يصلح لسيناريو شريط درامي بلا مبالغة! هشام الذي لم يتجاوز 15 سنة من عمره، ولا نقول 15 شمعة أو ربيعا، لأن هذا الطفل آخر من يعلم بأن هذه العبارات توجد خارج صفحات الكتب المدرسية التي تتحدث عن شيء اسمه أعياد الميلاد، وعيد ميلاده كان في انتظاره عند نهاية شهر يناير الجاري، ولنجزم أن الحادثة التي رفعته إلى السماء كانت قدرا وقضاء لا مفر منه، ولكن حياة هذا الطفل كانت كلها عبارة عن حوادث سير في دائرة مغلقة، مما جعله محبوبا لدى الكثيرين: الجيران وأساتذة وزملاء في الدراسة بإعدادية بدر، وقد أكد معارفه لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» أن هشام عاش تحت رحمة شتى أصناف الاضطهاد والعنف الأسري، وظروف الفقر والحرمان الاجتماعي، مما كان طبيعيا أن يرسب فيه حالات من الخوف في اللاشعور ويجعل شخصيته تنشأ على القلق والتوتر الدائم وعدم الاستقرار النفسي والنمو في جو غير سليم ولو أنه كان متميزا وذات ثقة بنفس مستقلة، ولم تكن تنقصه إلا الرعاية والحب والحنان والأسرة المنسجمة والتربية الصحيحة. والمثير في نموذج هشام ذات العيون المليئة بالآلام، أنه استطاع تحمل كل شيء رغم براءة سنه، دونما أية آثار سلبية رغم أن الأسرة هي المحيط الاجتماعي الأول لأي طفل، ينمو ويترعرع فيها، ويتأثر بصفاتها وعاداتها وتقاليدها، إذ أن المشاجرات الدائمة بين أبويه، وهروب أمه من بيت الزوجية منذ عدة سنوات بعد تخليها عنه وشقيقه أيوب، وحالة الأب مع الإدمان والقمار.. كل ذلك جعل هشام في قلب جحيم لا يطاق. ولم يكن في حسبان هشام أن والده سيرغمه بقوة على الانقطاع عن الدراسة، غير أنه واجه الموقف بالرفض، مما جعله عرضة للتعنيف اليومي، والطرد المتكرر من البيت، وإما يتوسد أرصفة الأزقة العارية أو يبيت لدى الأصدقاء والجيران، وكثيرا ما يلجأ الأب إلى تهديد محتضنيه بدعوى أنه الأب والمسؤول عن ابنه، ورأفة بحال هشام كان عدد المتضامنين معه في تزايد مستمر، ومساعديه أيضا الذين يمدونه بالملبس والمأكل، ولم يفت إحدى الأستاذات التكلف بدعمه باللوازم الدراسية لهذه السنة على خلفية صموده في وجه الانزلاق وإصراره على متابعة دراسته مهما كلفه الثمن، وهروبا من غضب أبيه شوهد هشام أكثر من مرة وهو يحتمي بأحد المساجد لقضاء لياليه، ويشارك زملاءه لعبة كرة القدم، ذلك حتى لا تقتنصه أصابع الانحراف وعوالم أطفال الشوارع. أحيانا تتعقد الأحوال في حياة الطفل هشام فيتغيب عن الدراسة بسبب ضغوطات الأب الذي يجبره على العمل معه على الطرق السوداء، قبل أن يتمكن من التسلل إلى خارج ظل هذا الأب وأخذ عملا بإحدى المحلات المجاورة للسوق المغطاة، وفي ذلك اليوم الحزين لمح والده وخشي العقاب، ولما أراد عبور الطريق احتضنه الموت عندما صدمته آلية لنقل الرمال بورشة أشغال، حيث فارق هشام حياته، تاركا شقيقه أيوب، البالغ من العمر 10 سنوات، على شفا مصير غير واضح المعالم، والذي يتابع دراسته بمدرسة الشريف الإدريسي خلف ظهر قدر ملثم تماما مثلما هو من دون أم كانت قد خرجت ذات يوم ولم تعد.