استجابة للشائعات التي كانت قد أطلقت عليهم في القرن التاسع عشر بأنهم يفرطون في تناول الخمور، قرر قضاة المحكمة العليا عدم الإقدام على احتساء أي خمور في الأيام التي تعقد فيها الجلسات إلا إذا أمطرت السماء. وفي موعد الجلسة التالية - كما جاء في تلك القصة - طلب كبير القضاة «جون مارشال» من زميله «جوزيف ستوري» أن يمسح بعينيه الأفق باحثا عن أي أثر للمطر ولكنه لم ير شيئا. وعند ذلك قال له مارشال : إن صلاحيتنا القضائية تمتد على مساحة شاسعة من الأرض، بحيث أن المؤكد وفقا لقانون الاحتمالات أن السماء تمطر الآن في مكان آخر، وطالما أن الأمر كذلك فلمَ لا نرفه عن أنفسنا باحتساء الشراب». لقد ظل الأميركيون يتجادلون بشأن القرار الذي توصل إليه قضاة المحكمة العليا في تلك القصة الواقعية طويلا، وينبغي عليهم الآن ألا يتوقفوا عن المناقشة وخصوصاً بعد أن رشح أوباما قاضية محكمة الاستئناف «سونيا سوتومايور» الأميركية من أصول لاتينية لتولي المنصب الشاغر في المحكمة العليا. قبل البدء في تثبيت «سوتومايور» في منصبها، يرجح أن تقوم المحكمة العليا بإلغاء حكم كانت هي قد دعمته، وهو الحكم الصادر من محكمة منطق الدائرة الثانية ب«نيوهيفن» -كونيكتيكيت، والذي تم بموجبه إلغاء الترقيات التي تمت في إدارة مكافحة الحرائق في هذه الدائرة، لأنها لم تشمل أميركيين من أصل أفريقي (وإن كان هناك واحد من الذين تمت ترقيتهم من أصول لاتينية) بين ال18 إطفائي الذين أثبتت الاختبارات أنهم مؤهلون للترقية. وقامت هيئة مكونة من ثلاثة قضاة من بينهم سوتومايور ، فيما بعد بتأييد حكم محكمة المنطقة بعدم النظر في الشكوى، التي تقدم بها الإطفائيون من أجل إلغاء هذا الحكم. تعليقاً على هذه الواقعة كتب الصحفي «ستيوارت تايلور» من «ناشيونال جورنال» قائلا: «إنها لواقعة غريبة للغاية وكنت اعتقد أن امرأة تتمتع بهذه الخبرات الثرية مثل التي تتمتع بها سوتومايور،كان يفترض أن تتوصل إلى قرار غير القرار الذي توصلت إليه هي وزملاؤها. أنا شخصياً أرى أنه وبصرف النظر عن أصلها العرقي، فإن سوتومايور تعد اختياراً تقليدياً، وأنها، مثلها في ذلك مثل الليبراليين التقليديين، تؤمن بسياسات الهوية بما في ذلك فكرة التمثيل الفئوي، التي تقوم على أن أعضاء فئة معينة سواء تعلقت تلك الفئة بالأصل العرقي، أو النوع الجنسي (ذكر/ أنثى)، يجب أن يمثلوا، ويُفهموا، ويكونوا محلا للتعاطف من قبل أشخاص من نفس الفئة. وفي الحقيقة أن هذا النوع من الشخصنة القضائية يقوض حكم القانون. ربما تكون سوتومايور تشارك ثرجوود مارشال في عقيدته التي تقول: «أفعل ما تشاء، وعلى القانون بعد ذلك أن يكيف نفسه بناء على ماقمت به» (ورد هذا النص في مجلة ستانفورد القانونية عدد صيف 1992). والسؤال الآن هل تعتقد سوتومايور أن العدالة يجب أن ترفع العصابة التي وضعتها على عينيها كي لا ترى أحداً، فيكون حكمها عادلا، بحيث تصبح قادرة على الرؤية وعلى التمييز بين الأشخاص في أحكامها، بناء على تصنيفاتهم الفئوية؟ في رأيي أن هناك عقيدة أفضل تتعلق بصلاحيات القضاء والعدالة، تم التعبير عنها من قبل أحد مشرعي القانون في ولاية إيلينوي أثناء مقابلة إذاعية أجريت معه عام 2001 عندما قال: «إن الدستور عبارة عن ميثاق للحريات السلبية... فهو يفعل ما لا تستطيع الحكومة الفيدرالية أن تفعله لك... ولكنه في الوقت نفسه لا يقول ما الذي يجب على الحكومة الفيدرالية وحكومة الولاية أن تفعله بالنيابة عنك». (*) محلل سياسي أمريكي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»